من الأهواز إلى رشت.. الغضب العمالي يتصاعد وسط تزايد الضغوط المعيشية في إيران
من الأهواز إلى رشت.. الغضب العمالي يتصاعد وسط تزايد الضغوط المعيشية في إيران
تتصاعد منذ أسابيع موجة احتجاجات عمالية في إيران بدافع واحد واضح يتمثل في تأخر صرف الرواتب وتجميد الحقوق النقابية الأساسية، وشهدت مدن مثل الأهواز ورشت تجمعات متكررة لعمال مصانع كبرى، أبرزها عمال مجموعة فولاذ إيران الوطنية في الأهواز وعمّال شركة إيران بوبلين في رشت، الذين خرجوا مطالبين بصرف أجورهم المتأخرة واستعادة شروط عملهم ورواتبهم الكاملة، فيما يؤكد اتحاد نقابي ووسائل إعلام محلية أن هذه التحركات لن تتراجع حتى تحقيق مطالب أساسية تتعلق بالرواتب والأمن الوظيفي والرعاية الصحية، بحسب "إیران إنترناشونال".
تعكس مطالب العمال اليومية صورة أزمة أعمق على مستوى الاقتصاد والسياسات الحكومية في إيران، والتي تتضح في عدم دفع رواتب شهور متتالية، وإلغاء أو خفض بدلات العمل الإضافي دون مبرر، وقطع الوجبات المخصصة للعمال، والعقود المؤقتة التي تحرم العمال من أمان وظيفي وتؤخر تسجيل سنوات الخدمة ضمن مهن شاقة، على مستوى أوسع، يتداخل ذلك مع انعكاسات عقوبات دولية واضطرابات في الأسواق، فضلاً عن سياسات خصخصة ونقل ملكيات شركات إلى جهات لا تمتلك قدرة تشغيلية أو نية استثمارية سليمة، مما أدى إلى تراكم الديون وتراجع الطاقات الإنتاجية في منشآت كانت تشكّل عموداً اقتصادياً محلياً، وفق وكالة هيرانا الحقوقية.
حجم الظاهرة وانتشارها
المشهد العمالي في إيران لم يعد معزولاً حيث حصرت تقارير محلية ومنظمات حقوقية عدداً كبيراً من التحركات خلال العامين الأخيرين، بما في ذلك تجمعات واحتجاجات وإضرابات في قطاعات متنوعة من النفط والغاز إلى الصلب والنسيج والرعاية الصحية، وتشير الأرقام المرتبطة بالاحتجاجات والإضرابات إلى اتساع رقعة الاستياء بين العمّال، وهو ما انعكس في تقارير رصدية نصف سنوية وسنوية نقلت تسجيل آلاف التحركات المحلية التي تعكس هشاشة الدخول، وتراكم الديون وانتشار الأجور المتأخرة.
تعكس هذه التحركات الضغوط المعيشية المتزايدة على الطبقة العاملة في إيران، خصوصاً في ظل التضخم وارتفاع الأسعار، وبحسب تقرير سنوي لموقع "هرانا" الحقوقي، سُجل في عام 2024 وحده ما لا يقل عن 2255 تجمعاً احتجاجياً، و1377 إضراباً عمالياً، و70 إضراباً نقابياً، ما يظهر اتساع رقعة الغضب العمالي وتفاقم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية.
التأخر في صرف الأجور لا يقتصر أثره على العامل وحده بل يمتد ليشمل أسرته بشأن دفع نفقات التعليم، وتغطية فواتير المعيشة والطعام، وتأمين الرعاية الصحية لتصبح معضلات يومية، وقد أوردت تقارير ميدانية حالات عجز عن تسديد الأقساط المدرسية وارتفاع حالات الاستدانة بين العائلات العاملة، ما يرفع مستوى القلق الاجتماعي ويزيد من مخاطر الفقر متعدد الأبعاد، ومن زاوية الصحة النفسية، يواجه العمال اضطرابات مزمنة ناجمة عن انعدام الضمان الاجتماعي والقلق المستمر على مستقبل الأسرة.
المواقف والمعايير الدولية
نشطت منظمات حقوق الإنسان المحلية في توثيق حالات الاعتقال والاضطهاد بحق ناشطي العمل والاحتجاج، كما دعت منظمات دولية عدة إلى احترام الحقوق النقابية وحرية التجمع السلمي.
تقارير طويلة الأمد أشارت إلى قمع اعتراضات العمال والاعتقالات والمقاضاة بحق ناشطي العمل، ما يؤثر في قدرة العمال على التنظيم والدفاع عن حقوقهم دون خوف من الانتقام، وربطت منظمات دولية للحقوق العمالية والحقوق المدنية بين تزايد احتجاجات العمال والضغوط الاقتصادية ورفض الطرف الرسمي الاستجابة الحاسمة للحلول الاجتماعية التي تخفف من آثار التضخم وهبوط القوة الشرائية.
تؤكد منظمات أممية ووكالات متخصصة، بما في ذلك منظمات العمل الدولية، على التزامات الدول بضمان حقوق العمال في أطر تتضمن الحق في تكوين نقابات والمفاوضة الجماعية وحماية العامل من التمييز والفصل التعسفي، كما حثّت جهات رقابية دولية على الإفراج عن الناشطين المحتجزين لحين البتّ في قضاياهم واحترام حرية التعبير والتجمع كنواة لأي حوار اجتماعي، وبحسب المراجع الحقوقية الدولية فإن سياسات معالجة الأزمات الاقتصادية لا يجوز أن تقوض الالتزامات بالحقوق الأساسية أو تفرّغ القواعد من مضمونها عبر قمع العمل النقابي أو تعطيل آليات الإنصاف.
تاريخ من الاحتجاجات
الاحتجاجات الحالية تتماسك على خلفية تراكم تاريخي من حركات عمالية مستمرة منذ سنوات، تصاعدت في موجات خلال أزمات اقتصادية متعاقبة، حيث شهدت عقود سابقة عمليات خصخصة وأدواراً متباينة للدولة في إدارة المصانع، فيما اتهمت قطاعات من العمال إدارة الخصخصة بأنها شجعت تحويلات ملكية أضعفت قدرات الشركات على الالتزام بتعهداتها تجاه العمال، هذا التاريخ يفسر جزئياً نفاد الصبر الاجتماعي والتصعيد الراهن، خصوصاً في شركات انتقلت ملكيتها إلى مؤسسات مصرفية أو كيانات لا تتخصص في إدارة الصناعات الثقيلة.
تداعيات سياسية واقتصادية
تتجاوز تداعيات موجة الاحتجاجات الحقل الاجتماعي إلى أبعاد سياسية واقتصادية، فاقتصادياً، استمرار الأجور المتأخرة يضغط على الطلب المحلي ويزيد من مخاطر اضطراب السلاسل الإنتاجية، وسياسياً، ارتفاع موجة الاحتجاجات يضع الحكومة أمام معضلة إدارة الأمن والاستجابة لمطالب شرعية دون زعزعة قبضة الاستقرار الداخلي.
تجارب سابقة أظهرت أن قمع الحركة العمالية يؤدي إلى تدهور العلاقات بين القوى الإنتاجية والدولة ويزيد من احتمال تصاعد النزاعات، بينما الحلول القائمة على الحوار والضمانات القانونية تساعد على احتواء الأزمات.
الواقع العمالي في إيران يمر بمنعطف حاسم فمطالب بسيطة وملموسة مثل الرواتب والتأمين وتحسين ظروف العمل تتلاقى مع قضايا هيكلية أعمق تشمل التضخم، وآثار العقوبات، ونتائج سياسات الخصخصة وسوء الإدارة، وتتطلب استجابة فعالة بالضرورة مزيجاً من التدابير تشمل إصلاحات اقتصادية جادة، وحوارا اجتماعيا شاملا يشمل ممثلي العمال وأصحاب العمل والحكومة، وفتح قنوات قانونية لحماية الحقوق النقابية ومحاسبة الانتهاكات، كما أن إشراك خبراء دوليين وآليات رقابية أممية قد يسهم في بناء ثقة تتيح تقليص الاحتجاجات ودرء مخاطر تفاقم الأزمة الإنسانية والاجتماعية.
وقد دفع تردي الأوضاع إلى موجات متكررة من الاحتجاجات في قطاعات النفط والغاز والفولاذ والنسيج، حيث يطالب العمال بحقوق أساسية تشمل دفع الأجور في مواعيدها، وتوفير التأمين الصحي، وتحسين ظروف العمل، ومع استمرار الانكماش الاقتصادي وتراجع قيمة العملة الوطنية، يتوقع مراقبون تصاعد الاحتجاجات في الأشهر المقبلة، بما ينذر بزيادة الضغوط الاجتماعية على الحكومة الإيرانية.