الاعتداء الجسدي كأداة قمع.. كيف يطول العنف المدرسي الهوية الكردية في عفرين؟

الاعتداء الجسدي كأداة قمع.. كيف يطول العنف المدرسي الهوية الكردية في عفرين؟
إحدى مدارس عفرين

أفادت منظمة حقوقية محلية في عفرين السورية بأن أطفالاً أكراداً يتعرَّضون يومياً لأشكال من الاعتداء الجسدي والنفسي داخل مدارس في مناطق خاضعة لسيطرة فصائل مدعومة من تركيا منذ عام 2018، ما دفع بعض الأهالي إلى منع أبنائهم من الذهاب إلى المدرسة خوفاً على سلامتهم، وأكدت تقارير ميدانية وتحقيقات حقوقية أوسع نماذج من العنف ضد المدنيين الأكراد وعمليات استيطان وتغيّر ديموغرافي في المنطقة بعد تدخل 2018، ما يجعل شكاوى الأهالي جزءاً من نمط أوسع من انتهاكات حقوقية تُوثِّقها منظمات حقوقية دولية، وفق شبكة وكالة هاوار للأنباء (ANHA).

تصريحات المنظمة المحلية تشير إلى حالات متكرّرة في مدرسة ابتدائية ببلدة شيخ (قرية قرمتلق) حيث يتعرَّض الطلبة لاعتداءات متكررة على أيدي معلمين من المستوطنين المرتبطين بميليشيات محلية، وفق بيان نُشر محلياً وتداوله ناشطون، وجرى توثيق حادثة منفصلة مؤخراً لطفل كردي تعرّض للضرب داخل المدرسة، وهو مثال واضح على ما تصفه المصادر بأنه عنف يومي موجه بالأساس ضد تلاميذ من أصول كردية، ومثل هذه الشهادات المحلية تتقاطع مع نمط أوسع من شكاوى الأهالي عن غياب حماية رسمية وفشل آليات الشكوى المحلية في التحقيق والإنصاف.

أسباب الانتهاكات

التحقيقات الدولية تُسجل ثلاث سمات مركزية تفسر استمرار الانتهاكات في مناطق مثل عفرين تتمثل في: أولاً، تسيّد فصائل مسلّحة محلية مدعومة من دولة خارجية ودمجها في مؤسسات أمنية أو إدارية يمنح عناصرها قدراً من الإفلات من العقاب؛ وثانياً، إعادة توطين أسر من مناطق أخرى وعمليات استيطان واسعة تهدف عملياً إلى إحداث تغيير ديموغرافي، ما يخلق توترات اجتماعية ويضع أهالي السكان الأصليين في موقع هشّ؛ وثالثاً، ندرة وجود رقابة مستقلة أو وصول منظمات أممية متكرّر للتحقيق والحماية، ما يترك الفضاء المدرسي عرضة لسوء الاستعمال، وتفصّل تحقيقات وتقارير حقوقية وثّقتها منظمات دولية ممارسات مصادرة منازل وعمليات إعادة توطين منذ 2018. 

القانون الدولي يفرض التزامات واضحة لحماية الأطفال وضمان حقهم في التعليم والكرامة، وتُلزم اتفاقية حقوق الطفل الدول باتخاذ كل التدابير اللازمة لحماية الأطفال من العنف وضمان أن تُدار الانضباط المدرسي بما يحترم كرامة الطفل وحقوقه في التعلم والثقافة، كذلك تنص قواعد الاحتلال في القانون الإنساني الدولي على واجبات للحاضنة العسكرية أو القوة القائمة بالاحتلال للحفاظ على عمل مؤسسات الأطفال والمدارس وضمان عدم فرض تغييرات ديموغرافية قسرية، وأي استخدام للمدارس كمساحات للعنف أو نقص تحقيقات فعالة يضع هؤلاء الممارسين في دائرة انتهاك التزامات دولية واضحة، وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.

التداعيات الإنسانية

العنف المدرسي في عفرين أو غيرها لا يقتصر أثره على إصابات جسدية عابرة؛ بل يقود إلى عزوف الأطفال عن المدرسة، وتفكك اجتماعي، وإضعاف فرص جيل كامل من التعلّم، وتُظهر بيانات أممية أن ملايين الأطفال في سوريا خارج المدارس وأن قطاع التعليم يعاني ضغطاً شديداً جراء تدمير البنى التحتية والنزوح؛ في بيئة كهذه، أي عنف موجه داخل المدارس يزيد من مخاطر تسرب الأطفال ويضع قيوداً طويلة الأمد على مستقبلهم التعليمي والاقتصادي، كما أن استهداف التعليم باللغة والثقافة المحلية يهدد حقوق الأطفال في الحفاظ على هويتهم الثقافية واللغوية، الحق المنصوص عليه صراحة في المواثيق الدولية.

منظمات حقوقية دولية طالبت مراراً بالتحقيق في الانتهاكات في المناطق الخاضعة لسيطرة فصائل مدعومة من تركيا، ودعت إلى مساءلة مسؤولي الفصائل والسلطات الرافعة لهم عن إتاحة الحماية للأطفال وضمان عمل المدارس كمؤسسات آمنة، ووثّقت تقارير منظمة هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى حالات اعتقال وتعذيب واستيلاء على ممتلكات في مناطق شمالية عدة، وطالبت بفتح تحقيقات مستقلة وبتيسير وصول المساعدات وحماية حقوق السكان الأصليين، أما منظمات محلية في عفرين فتطالب اليوم بحماية فورية للأطفال وإجراءات لحماية الشكاوى والتحقيقات. 

ما الذي ينبغي عمله؟ 

الخطوات العملية العاجلة تشمل ضمان آليات تحقيق مستقلة وشفافة للتحقيق في شكاوى العنف داخل المدارس، وحماية شهود وذوي الضحايا، وتدابير فورية لوقف أي ممارسات تمييزية أو عنفية بحق التلاميذ، وعلى المنظمات الدولية والهيئات المعنية بالأطفال تكثيف دعمها لبرامج التعليم الآمن، وتوفير مساحات تعليمية بديلة وخدمات الدعم النفسي للأطفال المتضررين، كما ينبغي للجهات المانحة دعم توثيق مستقل للحالات، ومنع أي محاولات لتغيير ديموغرافي قسري عبر رصد عمليات إعادة التوطين والملكية، وأخيراً، تذكّر التزامات القانون الدولي بوجوب حماية المدارس وضمان حق الأطفال في التربية دون تمييز. 

قصة طالب يختبئ عن ذعر تحت مقعده ليست حكاية بعيدة؛ هي انعكاس لإخفاقات مؤسسية وجماعية في حماية أبسط حقوق الأطفال (الحق في الأمن، في التعلّم، وفي الحفاظ على هويتهم) ولا تقتصر الاستجابة الحقيقية على الإدانات الإعلامية، بل تتطلب إجراءات ملموسة تُعيد للمدارس دورها الآمن، وتضمن مساءلة كل من يعتدي على الأطفال، وتعيد للجيل القادم القدرة على الحلم بمستقبل تُبنى فيه هويتهم ومعارفهم بلا خوف. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية