بالتخلي عن 30 ألف موظف.. "أمازون" تقود حملة إقالات وسط تداعيات الذكاء الاصطناعي
بالتخلي عن 30 ألف موظف.. "أمازون" تقود حملة إقالات وسط تداعيات الذكاء الاصطناعي
أعلنت شركة أمازون، عملاق التجارة الإلكترونية والتكنولوجيا، الثلاثاء، أنها ستقلّص ما بين 14 ألف إلى 30 ألف وظيفة من صفوف موظفيها الإداريين حول العالم، ضمن استراتيجية واسعة لتحسين الكفاءة وتقليص الطبقات الإدارية، القرار جاء بعد فترة من التوظيف المكثّف خلال جائحة كورونا، حيث قررت الشركة “عكس المسار” باتجاه ترشيد التكاليف وإعادة توجيه الموارد إلى الأولويات.
في مذكرة داخلية وُزّعت على الموظفين، وفق "رويترز" قالت بيث جاليتي، نائبة الرئيس الأول في الشركة، إن هذه التخفيضات تهدف إلى خفض البيروقراطية، وإزالة الطبقات، وتحويل الموارد للاستثمار في الرهانات الكبرى للمستقبل، مع ترك إشارات بأن التكنولوجيا والذكاء الاصطناعي هما محرك هذا الانتقال.
وفق تقارير مستقلة، فإن أمازون تستعد لشطب ما يصل إلى 30 ألف وظيفة إداريّة؛ أي ما يقارب 10 في المئة من إجمالي عدد موظفيها الإداريين البالغ نحو 350 ألفًا من أصل 1.55 مليون موظف عالميًا وهذه الموجة من الإقالات قد تُعدّ الكبرى في تاريخ الشركة.
أما إعلان الشركة الرسمي فحدّد البداية بـ 14 ألف وظيفة، مع تعهد بمزيد من المراجعة للوصول إلى نقاط إضافية للتخفيض حتى عام 2026.
الأيديولوجيا الرقمية وضغوط التكلفة
الانحدار في الحاجة إلى طاقة بشرية لبعض المهام يُعزى مباشرة إلى توسّع دور الذكاء الاصطناعي والأتمتة في أمازون، خصوصاً في الوظائف التي تعتمد على مهام متكررة أو تحليل بيانات، وسبق أن حذّر الرئيس التنفيذي للشركة بأن بعض الوظائف قد تُستبدل تمامًا بنظم الذكاء الاصطناعي.
كما أن التوسع المفرط في التوظيف خلال الذروة التي عايشتها الشركة أثناء الجائحة خلق هيكلاً ضخماً من الموظفين، ما دفع الإدارة إلى الحاجة إلى “تصحيح” هذا الهيكل عبر الخفض.
إضافة إلى ذلك، تواجه الشركة ضغوطاً لخفض التكاليف في مرحلة اقتصادية تشهد تذبذباً في الطلب وتراجعًا في النمو في قطاعات التكنولوجيا، الأمر الذي جعل الإدارة تنظر إلى الموظف كأنه تكلفة يجب ضبطها.
وأخيرًا، تسعى أمازون إلى إعادة هيكلة إدارية تركز على الكفاءات العالية وتقليل الدرجات الإشرافية الزائدة، وتحويل موارد إلى مشاريع استثمارية مستقبلية مثل الذكاء الاصطناعي، التكنولوجيا السحابية والخدمات الرقمية.
تداعيات بشرية واقتصادية
الموظفون المتأثرون سيواجهون فجوة دخْل مؤقتة وقلقًا كبيرًا على المستقبل المهني، ولا سيما في الصناعات التكنولوجية التي تتغير بسرعة، فالإقالة لن تمس فقط الأفراد، بل الأسر والمجتمعات التي تعتمد على هذا الدخل، سواء في الولايات المتحدة أو الدول التي يعمل فيها موظفو أمازون.
كما أن الشك في الاستقرار الوظيفي قد يدفع العديد من المختصين إلى مغادرة الشركات الكبرى نحو مشاريع ناشئة أو العمل الحر، ما يؤدي إلى هجرة مواهب محتملة من الشركة.
وفي الأوساط المهنية والتقنية، قد تتوسع رقعة القلق لتشمل شركات تكنولوجيا أخرى، إذ دفعتها موجة الإقالات في الشركات الكبرى إلى مراجعة هيكلها الخاص، ما قد يعكس أزمة في الثقة بين الشركات والموظفين في المستقبل القريب.
ردود الفعل الحقوقية والتنظيمية
حتى الآن، لم تُصدِر منظمات حقوقية كبيرة موقفًا موحدًا من إعلان أمازون، لكن في السياق العام، تُعد عمليات التسريح الواسعة في قطاع التكنولوجيا محل مراقبة من منظمات العمل وحقوق الإنسان التي تنظر إليها بعين القلق على حقوق العمال، الحماية الاجتماعية، وحقوق التنظيم النقابي.
يُذكَر أن ملف علاقات العمل في أمازون مثير للجدل على مدى سنوات، حيث اتُهمت الشركة سابقًا بمحاولة عرقلة نقابات العمال، وخفض الفوائد، والتحوّل السريع في السياسات التي تؤثر في الشفافية، وعلى المستوى القانوني، في الولايات المتحدة والدول الأخرى، توجد قيود قانونية على تسريح الموظفين؛ مثل إنذارات مسبقة، تعويضات، حماية ضد التسريح التعسفي، وحقوق التنظيم النقابي. في بعض الحالات، قد يُطالَب القضاء أو هيئات العمل بإشراف على مدى التزام الشركة بالقوانين العمالية المعمول بها.
ولم تتوافر حتى لحظة كتابة هذا التقرير بيانات مفصلة حول مواقف الأمم المتحدة أو وكالات العمل الدولية تحديدًا بشأن تسريحات أمازون هذه، لكن مفاهيم العمل اللائق وضمان الحقوق الاقتصادية تُعد من المبادئ التي تدعو إليها منظمات مثل منظمة العمل الدولية، وقد تُستخدم مقياساً لمراجعة مثل هذه الإقالات الكبرى.
سابقة إقالات التكنولوجيا
أمازون ليست الأولى في هذا المسار. فقد شَهِدت شركات تقنية ضخمة مثل مايكروسوفت، ميتا، وألفابت موجات تخفيضات في الموظفين خلال السنوات الثلاث الأخيرة، رداً على تصحيح ما وصف بالتضخم المهني بعد فترة التوظيف المفرط خلال الجائحة.
لكن ما يميز خطوة أمازون أن عدد الإقالات المحتملة (حتى 30 ألف وظيفة) قد يتجاوز أعداد الإقالات السابقة في هذه الشركات في دورة واحدة، ما يجعلها واحدة من الأضخم في قطاع التكنولوجيا الحديث.
كما أن الانتقال السريع نحو الذكاء الاصطناعي يُعد عاملاً جديدًا فيه كثير من هذه الإقالات تُبرَّر تقنياً، وليس فقط ماليًا، وقد يفتح الباب أمام نقاش أوسع حول مستقبل وظائف الذكاء الاصطناعي وتأثيرها في الاقتصاد البشري.
مآلات محتملة وفرص أقل
في حالة تنفيذ الإقالات بهذا الحجم، قد تشهد أمازون تغيُّراً في ثقافتها المؤسسية، من شركة تُعلي من قدرة الفرد إلى كيان يُقيّم الكفاءة فقط من خلال الآلة.
قد تدفع موجة الإقالات أيضاً إلى مزيد من القوانين العمالية الصارمة، خصوصًا في الدول التي تطلب تسوية حقوق الموظفين، تنفيذ شروط إنهاء الخدمة، ودعم التدريب أو إعادة التوظيف.
بعض المحللين يرون أن هذه الخطوة، وإن كانت قاسية، قد تمنح أمازون فرصة لإعادة التنظيم وتحسين الأداء على المدى الطويل إذا ما ترافق معها استراتيجيات إنسانية لدعم الموظفين المتأثرين وتخفيف الصدمة.











