16 دولة على حافة المجاعة.. الأمم المتحدة: العالم يواجه حالة طوارئ غذائية تهدد الملايين حتى 2026
16 دولة على حافة المجاعة.. الأمم المتحدة: العالم يواجه حالة طوارئ غذائية تهدد الملايين حتى 2026
حذّرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي (WFP) من أن العالم يواجه حالة طوارئ غذائية كبرى، مع توقعات بتفاقم انعدام الأمن الغذائي الحاد في 16 دولة ومنطقة بين الوقت الحالي وحتى مايو 2026، في ظل تزايد الصراعات، والأزمات المناخية، والانكماش الاقتصادي، وتراجع المساعدات الإنسانية.
وأشار تقرير "بؤر الجوع الساخنة" الذي أصدرته الوكالتان الأمميتان إلى أن ست دول تقف على حافة المجاعة أو الجوع الكارثي، هي: السودان، وفلسطين، وجنوب السودان، ومالي، وهايتي، واليمن، وفي هذه الدول، تتوقع الأمم المتحدة أن تصل بعض المجتمعات إلى مرحلة المجاعة أو ما يقاربها خلال الأشهر المقبلة، إذا لم تُتخذ إجراءات عاجلة وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.
خريطة الخطر
بحسب التقرير، فإن السودان يعيش واحدة من أكبر الأزمات الغذائية في العالم، مع استمرار الحرب الداخلية منذ عام 2023 التي تسببت بنزوح أكثر من 10 ملايين شخص، وحرمان ملايين آخرين من الوصول إلى الغذاء والمياه، وتشير تقديرات برنامج الأغذية العالمي إلى أن نحو 25 مليون سوداني -أكثر من نصف السكان- يعانون من انعدام الأمن الغذائي الحاد.
أما فلسطين، فتواجه بحسب التقرير "مستوى غير مسبوق من الجوع"، نتيجة الحصار والدمار الواسع في قطاع غزة منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، حيث تشير بيانات الأمم المتحدة إلى أن 97% من سكان غزة يعانون من انعدام الأمن الغذائي، وأن مئات الآلاف يعيشون في ظروف تقارب المجاعة.
وفي اليمن، الذي يعيش حربًا مستمرة منذ نحو عقد، لا يزال أكثر من 17 مليون شخص بحاجة ماسة إلى المساعدة الغذائية. في حين تشهد جنوب السودان أوضاعًا مشابهة، إذ تهدد الفيضانات المتكررة والمواجهات المحلية بقطع سبل العيش عن مئات الآلاف.
كما شملت قائمة الدول الأكثر هشاشة مالي وهايتي اللتين تواجهان عنفًا واسعًا من الجماعات المسلحة، وانهيارًا اقتصاديًا وأمنيًا، جعل ملايين السكان على حافة الجوع.
مناطق أخرى مهددة بالجوع الحاد
لم تقتصر التحذيرات على الدول الست السابقة، بل شمل التقرير جمهورية الكونغو الديمقراطية، ونيجيريا، وميانمار، والصومال، وسوريا، وأفغانستان، باعتبارها بؤرًا أخرى ترتفع فيها مخاطر انعدام الأمن الغذائي، كما أشار إلى أن الوضع الإنساني مقلق أيضًا في بوركينا فاسو وتشاد وكينيا، إضافة إلى لاجئي الروهينغا في بنغلاديش الذين يعيشون أوضاعًا مأساوية في مخيمات مكتظة وسط نقص حاد في التمويل الإنساني.
وبحسب التقديرات المشتركة للفاو وبرنامج الأغذية العالمي، فإن أكثر من 310 ملايين شخص حول العالم يواجهون مستويات مختلفة من انعدام الأمن الغذائي الحاد، في حين يعيش نحو 45 مليونًا في أوضاع توصف بـ"الطوارئ"، أي على بُعد خطوة واحدة من المجاعة.
المجاعة ليست حتمية
أكدت سيندي ماكين، المديرة التنفيذية لبرنامج الأغذية العالمي، أن "المجاعة ليست حتمية"، مشددة على أن "لدى المجتمع الدولي الأدوات والمعرفة اللازمة لمنعها، لكن ما ينقص هو الموارد والإرادة السياسية للتحرك فورًا".
وقالت ماكين إن "التأخر في التحرك لا يعني فقط مزيدًا من الجوع، بل مزيد من الموت والمعاناة، خصوصًا بين الأطفال الذين يضعف سوء التغذية مناعتهم ويجعلهم أكثر عرضة للأمراض والوفاة".
وأوضحت الوكالتان الأمميتان أن المرحلتين الرابعة والخامسة في تصنيف الأمن الغذائي العالمي (الطوارئ والمجاعة) تمثلان النقطة التي يصبح فيها الجوع مهددًا للحياة ويبدأ الناس بالموت فعليًا بسبب نقص الغذاء والمياه والخدمات الصحية.
أسباب تفاقم الأزمة
يحدد التقرير أربعة عوامل رئيسية تغذي تفاقم انعدام الأمن الغذائي عالميًا تتمثل في:
الصراعات والعنف هي السبب الأكبر في 14 من أصل 16 بؤرة جوع، حيث تعرقل المواجهات المسلحة الزراعة والنقل والمساعدات.
الصدمات الاقتصادية والتي تتمثل في ازدياد الديون العامة، وارتفاع أسعار الوقود والمواد الغذائية، وتراجع العملات المحلية في الدول النامية.
الكوارث المناخية من خلال موجات جفاف وفيضانات وأعاصير مرتبطة بظاهرة "النينيا"، وتؤدي إلى تدمير المحاصيل وتشريد السكان.
تراجع التمويل الإنساني حيث أدى نقص الدعم الدولي إلى خفض حصص الغذاء وتعليق برامج علاج سوء التغذية في أكثر من عشر دول.
وفي هذا السياق، قال شو دونيو، المدير العام لمنظمة الفاو: "لا يزال الصراع هو الدافع الأكبر للجوع، لكن تغير المناخ والركود الاقتصادي يجعلان الوضع أكثر قسوة، الملايين اليوم بلا شبكة أمان".
الأطفال والنساء في قلب المعاناة
يحذّر التقرير من أن الأطفال والنساء يتحملون العبء الأكبر للأزمة، إذ يعاني أكثر من 45 مليون طفل دون الخامسة حول العالم من سوء تغذية حاد يهدد حياتهم، منهم نحو 14 مليونًا في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
كما تؤكد الأمم المتحدة أن ارتفاع أسعار الغذاء وتقلص الدخل يدفعان العديد من الأسر إلى اللجوء إلى استراتيجيات يائسة للبقاء، مثل تقليل عدد الوجبات اليومية، أو بيع ممتلكاتهم الأساسية، أو تزويج الفتيات في سن مبكرة لتخفيف الأعباء الاقتصادية.
وتشير تقارير اليونيسف إلى أن كل تأخير في إيصال المساعدات أو توفير التغذية العلاجية للأطفال يؤدي إلى "فقدان حياة لا يمكن تعويضها"، محذرة من أن بعض المناطق، خصوصًا السودان وغزة واليمن، قد تشهد موجات وفيات جماعية إذا لم تتحسن سبل الوصول الإنساني.
تراجع التمويل يهدد الاستجابة
رغم حجم الخطر، تواجه وكالات الإغاثة الأممية أزمة تمويل خانقة، فقد خفض برنامج الأغذية العالمي عملياته في أكثر من عشرين بلدًا بسبب نقص الموارد، ما أدى إلى حرمان ملايين الأشخاص من حصصهم الغذائية المنتظمة.
ووفق بيانات البرنامج، لم يتلقَّ سوى 35% من التمويل المطلوب لعملياته لعام 2025، ما أجبره على تقليص الحصص في بلدان مثل سوريا واليمن وجنوب السودان، حيث يعتمد السكان بشكل شبه كامل على المساعدات الخارجية.
ويؤكد الخبراء أن التمويل الوقائي أقل تكلفة بكثير من التدخل في مرحلة الكارثة، مشيرين إلى أن كل دولار يُستثمر في التدخل المبكر يوفر نحو سبعة دولارات من تكاليف الإغاثة اللاحقة.
دعوات للتحرك العاجل
حثّت الفاو وبرنامج الأغذية العالمي المجتمع الدولي على اتخاذ ثلاث خطوات عاجلة تتمثل في تقديم مساعدات إنسانية فورية لإنقاذ الأرواح وسبل العيش في المناطق الأشد تضررًا، وكذلك اعتماد إجراءات استباقية، مثل الإنذار المبكر ودعم المزارعين قبل تفاقم الأزمات، إضافة إلى الاستثمار في بناء القدرة على الصمود، عبر دعم الزراعة المحلية والبنى التحتية الريفية والحد من تبعية المساعدات.
وشددت الوكالتان على أن "النافذة الزمنية لمنع المجاعة تضيق بسرعة"، وأن التقاعس عن التحرك سيؤدي إلى انهيار المجتمعات الهشة وزعزعة الاستقرار الإقليمي، فضلًا عن خسائر بشرية يمكن تفاديها.
في ختام التقرير، أكدت الأمم المتحدة أن أزمة الجوع العالمية لم تعد مرتبطة فقط بنقص الغذاء، بل بـ"أزمة عدالة وإنصاف" في توزيع الموارد والتمويل، ومع استمرار الحروب والمناخ المتطرف، يصبح خطر المجاعة واقعًا يوميًا يهدد ملايين البشر.
وبينما تتناقص المساعدات، يبقى الرهان على الإرادة السياسية والتعاون الدولي لإنقاذ الأرواح قبل أن يتحول الجوع إلى وباء صامت يفتك بالملايين حول العالم.











