من الأسواق إلى الجامعات.. حراك إيراني يثير مخاوف من تصعيد أمني واعتقالات أوسع

من الأسواق إلى الجامعات.. حراك إيراني يثير مخاوف من تصعيد أمني واعتقالات أوسع
جانب من احتجاجات إيران

دخلت موجة الاحتجاجات الجديدة في إيران الأربعاء مرحلة حساسة مع توسع رقعتها الجغرافية وتحوّلها من مطالب اقتصادية مباشرة إلى حراك سياسي يعكس حالة احتقان متراكمة داخل المجتمع. ومع استمرار التظاهرات لليوم الرابع، تتزايد المخاوف من تصعيد أمني واسع، في وقت يرى فيه مراقبون أن ما يجري يشكل إنذاراً جماعياً يكشف عمق الفجوة بين المجتمع الإيراني والنظام الحاكم.

وبحسب ما نقلته شبكات حقوقية ووسائل إعلام محلية، بدأت الاحتجاجات يوم الأحد 28 ديسمبر عقب توقف نشاط تجار مجمع علاء الدين التجاري في طهران؛ احتجاجاً على الارتفاع المفاجئ في سعر العملة وتدهور الأوضاع المعيشية، وسرعان ما تحولت هذه الخطوة المحدودة إلى شرارة لحراك أوسع، انتقل من السوق إلى الشارع، ومن المطالب الاقتصادية إلى شعارات سياسية أكثر جرأة، وفق وكالة أنباء المرأة.

اتساع رقعة الاحتجاجات

بحلول الأربعاء 31 ديسمبر كانت الاحتجاجات الشعبية قد امتدت إلى عدد من المدن الكبرى، منها كرج وتبريز وأصفهان وخرم آباد ومشهد وزنجان وكرمان وهمدان والأهواز، في مشهد يعكس انتشار الغضب خارج العاصمة، وشهدت طهران إجراءات أمنية مشددة، شملت نشراً كثيفاً لقوات الأمن واستخدام الغاز المسيل للدموع لتفريق المتظاهرين في عدد من المناطق.

وأكد شهود عيان أن الأجواء في العاصمة بدت متوترة، مع إغلاق بعض الشوارع الرئيسية وملاحقة المحتجين، في حين تحدث ناشطون عن اعتقالات متفرقة في صفوف المشاركين، دون صدور بيانات رسمية توضح أعداد الموقوفين أو أماكن احتجازهم.

دخول الطلاب على خط الاحتجاج

في تطور لافت، انضم عدد كبير من طلاب الجامعات إلى الاحتجاجات، خاصة في طهران، حيث أعلنت تنظيمات طلابية تضامنها مع إضرابات السوق، وأعاد هذا التضامن بين الطلبة والتجار إلى الأذهان مشاهد من احتجاجات سابقة، كان فيها التحالف بين الجامعة والشارع عاملاً حاسماً في توسيع نطاق الحراك.

وأفادت تقارير طلابية بأن قوات الأمن اعتقلت عدداً من الطلبة خلال التجمعات، ما أثار موجة استياء داخل الأوساط الأكاديمية، ودفع لجاناً نقابية وجمعيات طلابية إلى إصدار بيانات تندد بما وصفته بالنهج الأمني في التعامل مع مطالب سلمية.

تصعيد في الخطاب الأمني

في المقابل، حذرت وسائل إعلام مقربة من الحرس الثوري في إيران من تجاهل مطالب المحتجين، معتبرة أن استمرار الأزمة قد يفتح الباب أمام تحديات أمنية داخلية وخارجية، ونقلت وكالة أنباء فارس عن مسؤول أمني قوله إن خلايا صغيرة منظمة تقف وراء ما وصفه براديكالية الاحتجاجات، في إشارة فسرتها منظمات حقوقية على أنها تمهيد لتشديد القمع.

ويرى مراقبون أن هذا الخطاب يعكس توجهاً رسمياً لربط الاحتجاجات بعوامل خارجية، وهو نمط متكرر في التعامل مع الحراك الشعبي، يهدف إلى نزع الشرعية عنه وتبرير الإجراءات الأمنية الصارمة.

اعتقالات ومخاوف حقوقية

بحسب شبكة حقوق الإنسان في كردستان، اعتقلت القوات الأمنية في مدينة كرماشان ما لا يقل عن 10 أشخاص، بينهم أطفال وشباب، دون الإعلان عن أماكن احتجازهم أو أوضاعهم الصحية أو التهم الموجهة إليهم، وأثار هذا الغموض قلق العائلات والناشطين الحقوقيين، وأعاد إلى الواجهة ملف الاعتقالات خارج القانون، خاصة عندما يتعلق الأمر بقاصرين.

وفي أسد آباد بمحافظة همدان، أظهرت مقاطع مصورة إطلاق نار مباشر من عناصر مركز الشرطة رقم 11 باتجاه المتظاهرين، وسط أصوات رصاص متواصلة وحالة هلع في الشوارع، كما شهدت خرم آباد مواجهات عنيفة استخدمت فيها قوات الأمن الغاز المسيل للدموع والهراوات، ما تسبب بحالة من الرعب، دون صدور أي بيانات رسمية حول عدد المصابين أو المعتقلين.

الطلاب المعتقلون ومصير مجهول

أعلنت اللجنة النقابية لجامعة طهران الإفراج عن عدد من الطلاب المعتقلين، إلا أن مصير عدد آخر لا يزال مجهولاً وانتقدت الجمعيات الطلابية ما وصفته بالتعامل الأمني المفرط مع الاحتجاجات، مؤكدة أن التظاهر السلمي حق مكفول، وأن قمع الطلبة لن يؤدي إلا إلى تعميق الأزمة الحقوقية في إيران.

وأدانت الجمعية الإسلامية لطلاب جامعة طهران وجامعة العلوم الطبية في بيان لها أسلوب التعامل الأمني، وطالبت بالإفراج الفوري عن جميع المعتقلين ووقف ما سمته فبركة الملفات القضائية بحق الطلبة المشاركين في الاحتجاجات.

وأشارت تقارير طلابية إلى أن تجمعات يوم الثلاثاء 30 ديسمبر في جامعة طهران شهدت مشاركة واسعة، بدعم من بعض التنظيمات النقابية، قبل أن تحاصر قوات الأمن وعناصر بملابس مدنية مداخل الجامعة ومساكن الطلاب، وتنفذ اعتقالات جديدة.

امتداد الاحتجاجات إلى جامعات أخرى

في الوقت ذاته، أفادت تقارير بامتداد الحراك إلى جامعات أخرى مثل جامعة شريف الصناعية وجامعة أمير كبير، حيث نظم الطلاب تجمعات في ساحات الجامعات وأمام المداخل، رافعين شعارات تندد بالأزمة الاقتصادية وتطالب بمواجهة الغلاء وتدهور مستوى المعيشة.

وأكد نشطاء طلابيون عزمهم مواصلة المتابعة القضائية والإعلامية حتى تتضح أوضاع جميع المعتقلين، وضمان حقوقهم القانونية، كما طالبت عائلات المحتجزين ومحاموهم بالسماح بالزيارة وتقديم معلومات واضحة عن أماكن الاحتجاز والحالة الصحية للموقوفين.

تحذيرات دولية

في موازاة ذلك، حذرت منظمات حقوقية دولية من احتمال تصاعد الاعتقالات في إيران وتزايد الإجراءات القمعية بحق الطلاب والمتظاهرين، داعية السلطات الأمنية الإيرانية إلى احترام حق التظاهر السلمي وضمان سلامة المحتجين.

ويرى مراقبون أن الحراك الحالي الذي يأتي في سياق امتداد غير مباشر لانتفاضة المرأة الحياة الحرية، يحمل دلالات سياسية عميقة، فمشاركة شرائح السوق التقليدية، إلى جانب الطلبة والشارع، تعكس عمق الأزمة الاقتصادية والاجتماعية، وتطرح تساؤلات جدية حول قدرة النظام على احتواء هذا الغضب المتراكم، سواء عبر القمع أو عبر تقديم وعود إصلاحية مؤقتة.

شهدت إيران خلال السنوات الأخيرة موجات متكررة من الاحتجاجات، كان أبرزها انتفاضة سبتمبر 2022 التي اندلعت على خلفية مقتل مهسا أميني، ورفعت شعارات تجاوزت المطالب الاجتماعية إلى تحدي بنية النظام السياسي، وترافق ذلك مع أزمة اقتصادية خانقة، تفاقمت بفعل العقوبات الدولية، وتراجع قيمة العملة، وارتفاع معدلات التضخم والبطالة، وعلى الرغم من لجوء السلطات إلى أدوات أمنية مكثفة لاحتواء الاحتجاجات، تشير تقارير حقوقية إلى أن أسباب الغضب الشعبي لا تزال قائمة، وأن أي حراك جديد يعكس تراكم أزمات لم تجد حلاً جذرياً، في ظل غياب قنوات سياسية فعالة للتعبير عن مطالب المجتمع.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية