الأمم المتحدة تبحث أزمة الثقة بين الشعوب والحكومات على وقع "كورونا"

خلال انعقاد الدورة الـ52 للمجلس الدولي لحقوق الإنسان

الأمم المتحدة تبحث أزمة الثقة بين الشعوب والحكومات على وقع "كورونا"

ناقش المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، تحليل أفضل ‏الممارسات والتحديات والفرص المتاحة للدول، في جهودها الرامية إلى ضمان احترام الديمقراطية وسيادة القانون.

جاء ذلك في إطار انعقاد الدورة الـ52 لمجلس حقوق الإنسان الأممي بجنيف خلال الفترة من 27 فبراير حتى 4 إبريل 2023، للاستعراض الدوري الشامل، بهدف توفير مساعدة تقنية للدول، وتوطيد قدرتها على معالجة تحديات حقوق الإنسان لديها.

في هذا الإطار، قال رئيس مجلس حقوق الإنسان، فيدريكو فيليجاس، إن المجلس ‏تناول أهمية مواصلة الحوار بشأن حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون.

وأوضح فيليجاس أن "منتدى ‏حقوق الإنسان والديمقراطية وسيادة القانون في جنيف منذ إنشائه أصبح منبراً لعرض التجارب والتحديات والممارسات الجيدة لضمان احترام حقوق الإنسان ‏والديمقراطية وسيادة القانون في بيئة تتسم بالاحترام والتفاهم المتبادلين".

وباختيار موضوع تعزيز الديمقراطيات ‏من أجل إعادة البناء على نحو أفضل التحديات والفرص في سياق التعافي من جائحة فيروس كورونا، شجع المجلس الدول على إعادة تأكيد التزامها الكامل بخطة التنمية المستدامة لعام 2023 ‏باعتبارها مخططاً لإعادة البناء على نحو أفضل بعد الجائحة.

وشجع المجلس أيضا الدول على تعزيز الحكم ‏الرشيد على جميع المستويات، وإنشاء مؤسسات فعالة وخاضعة للمساءلة وشفافة، لضمان أن تكون عمليات ‏اتخاذ القرار أكثر تجاوباً وشمولاً وأكثر انفتاحا على المشاركة وأوسع تمثيلا.‏

التحديات والفرص

وركز مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، في كلمته، على الثقة بوصفها ‏المفهوم المركزي الذي يقوم عليه موضوع المنتدى وأساس الديمقراطية الحديثة.

وسلط تورك الضوء على أزمة الثقة ‏المستمرة والتي تتضح من تصاعد الحركات الاجتماعية والاحتجاجات، مشيرا إلى أن انعدام الثقة الذي تفاقم ‏بسبب جائحة كورونا، قد مس أساس العقد الاجتماعي بين السكان والمؤسسات.

في حين أن أقوى ‏الديمقراطيات قد تأثرت بالتضليل الإعلامي والمعلومات المضللة وعدم اليقين إلى جانب فقدان سبل العيش ‏وسرعة تغير الاستجابات السياساتية.

وكان للتحديات المتصلة بالجائحة في مجال حقوق الإنسان أثر سلبي ‏على الأداء السليم للديمقراطيات وعلى الحيز العمراني، بما في ذلك عن طريق إساءة استخدام تدابير الطوارئ ‏وتعليق أنشطة المؤسسات القضائية والإدارية.‏

وأضاف تورك: "لاحظ أن هناك 3 عناصر حاسمة الأهمية لاستعادة الثقة بين الحكومات والشعوب التي تخدمها وكذلك ‏مع جميع فئات المجتمع وهي: إنشاء مؤسسات أقوى، والمشاركة الحقيقية، وتوفير حيز مدني ‏مستقل وقوي".

وذكر أن جائحة كورونا قد أدت إلى تفاقم العديد من التحديات التي يواجهها ‏المجتمع الدولي في مجال حقوق الإنسان، بما في ذلك تلك المرتبطة بالتدهور الاقتصادي وتزايد أوجه عدم ‏المساواة وتغير المناخ، وكلها تشكل تهديداً خطيراً لقدرة الديمقراطية على الصمود.‏

وقال إن أثر الجائحة والتصدي لها كان لهما تأثير على جميع الفئات السكانية، ولكن بشكل خاص على ‏الفئات المعرضة لخطر التخلف عن الركب مثل الأشخاص الذين يعيشون في فقر والنساء والأطفال وكبار ‏السن والأشخاص ذوي الهمم والأقليات الإثنية والعرقية والشعوب الأصلية.

وأخيرا كانت الجائحة بمثابة تمرين ‏على الأزمات العالمية في المستقبل مثل تغير المناخ الذي يشكل أيضا تهديدا وجوديا للبشرية له آثار بعيدة ‏المدى ومدمرة.

وناقش المشاركون التحديات المتعلقة بالجائحة في ‏مجال حقوق الإنسان، لا سيما الحق في حرية التعبير والوصول إلى المعلومات سواء عبر شبكة الإنترنت أو ‏خارجها، والحق في حرية التجمع السلمي وتكوين الجمعيات.

ونظروا أيضا في الطرق التي أثرت بها الجائحة ‏والاستجابات الطارئة لها على حقوق الإنسان للمرأة، ما أدى إلى تفاقم أوجه عدم المساواة الإنسانية، بما في ‏ذلك قدرة المرأة على المشاركة في الشؤون العامة.‏

تراجع الديمقراطية

وأشار المشاركون إلى تراجع الديمقراطية وزيادة المخاوف بشأن حقوق الإنسان بسبب جائحة ‏كورونا، وأقروا بالحاجة إلى تعزيز الديمقراطية استجابة للأزمة.

ورهنوا تحقيق ذلك بالتمسك بالقيم الديمقراطية وتعزيز ‏حقوق الإنسان، وحمايتها على جميع المستويات، وضمان حيز آمن للمجتمع المدني وإعطاء الأولوية للحماية ‏الاجتماعية وحماية الفقراء والأكثر ضعفا، وبالتالي استعادة الثقة في المؤسسات الحكومية.‏

‏وسلم المشاركون بسيادة القانون واحترام حقوق الإنسان، بوصفهما دعامتين أساسيتين للديمقراطيات لا سيما ‏في أوقات الأزمات الكبرى.

غير أن بعض المتحدثين في الجلسة حذروا من خطر تجاوز الخط الرفيع الفاصل بين تدعيم ‏المؤسسات والنزعات الاستبدادية.

واتفق المشاركون أيضا على أن التضامن الدولي الذي يتسم بعمليات ‏ومؤسسات متعددة الأطراف ديمقراطية وشاملة، هو الحل الرئيسي للتحديات العالمية.‏

وشدد المشاركون على الأثر السلبي للجائحة على الحق في حرية الرأي والتعبير والتجمع السلمي وتكوين ‏الجمعيات والحق في المشاركة في الشؤون العامة، وعلى أهمية الوصول إلى المعلومات الموثوقة بالنسبة لأي ‏مجتمع ديمقراطي والتمتع الكامل والفعال بجميع حقوق الإنسان الأخرى.

وأشير إلى التأثير السلبي العام ‏للجائحة والتصدي لها على المشاركة الديمقراطية، لا سيما في سياق عدم نجاح الانتخابات أو تأجيلها وإساءة ‏استخدام التدابير المتعلقة بالصحة لمنع مراقبة الانتخابات أو الحد منها بشدة والافتقار إلى الشفافية والحوار ‏المفتوح والمشاركة في صنع القرارات المتعلقة بعمليات الإغلاق وغيرها من القيود.

وأشار العديد من المشاركين ‏إلى الأثر غير المتناسب للجائحة على المرأة، لا سيما حقها في العمل، حيث إن أعمال الرعاية غير مدفوعة ‏الأجر التي تقوم بها النساء في المنزل لا تعتبر مساهمة اقتصادية.

وورد في التقرير أن النساء والفتيات المدافعات عن ‏حقوق الإنسان والنشاطات والصحفيات يواجهن أشكالاً متعددة الجوانب من التمييز.

وأشار بعض المتحدثين ‏إلى الأثر السلبي للجائحة على حق الأطفال في التعليم الجيد، حيث تأثرت الفتيات بشكل غير متناسب ‏بإغلاق المدارس مع الاعتراف بأن هذا الأثر السلبي يشكل تهديداً محتملاً للديمقراطية.

وقرر المشاركون في ملاحظاتهم الختامية تأكيد الأهمية القصوى لدعم القيم الديمقراطية أثناء الأزمات، مشيرين إلى أهمية مشاركة المرأة في الحياة العامة لضمان صمود الديمقراطيات.

توصيات ختامية

ودعا المشاركون في الجلسة الدول إلى تعزيز ‏التضامن الديمقراطي والعمل متعدد الأطراف، مشددين على الدور الأساسي لوسائط الإعلام الحرة.

وأشاروا إلى ‏أن حماية الصحفيين مسألة دولية هامة لا تقتصر على المجال الوطني، مطالبين برفع جميع تدابير ‏الطوارئ المتخذة أثناء الجائحة، التي لا تزال سارية في بعض البلدان واستخدمت لإسكات المعارضة ‏السياسية.‏

وأوصى المشاركون بأنه ينبغي للدول أن تعطي الأولوية للعناصر الرئيسية للتعافي المستدام في ‏استراتيجياتها لما بعد جائحة كورونا.

وأكدت التوصيات أنه ينبغي للدول أن تركز على استعادة الثقة ‏بين الحكومات والشعوب التي تخدمها وكذلك مع المجتمع بأسره، وفي الظروف الطارئة يجب أن تكون ‏الإجراءات الحكومية ضرورية ومتناسبة ومؤقتة الطابع وغير تمييزية.

ودعوا الدول إلى إعادة النظر على ‏وجه السرعة في التدابير الطارئة التي لا تزال قائمة وتؤثر سلبا على الإعمال الكامل لحقوق الإنسان.

وينبغي على الدول الاعتراف بالمجتمع المدني شريكا استراتيجيا رئيسيا في التصدي للأزمات، لا سيما دوره الحيوي ‏في إذكاء الوعي والإعراب عن الشواغل ونشر المعلومات وصياغة سياسات شاملة وتقديم الدعم للمجتمعات ‏الضعيفة أو مساءلة الحكومات.

وتتوقف فاعلية تدابير التعافي بشكل عام على قدرة الدول على ضمان ‏مشاركة الجمهور وثقته، وهو ما لا يمكن تحقيقه إلا عن طريق شراكة حقيقية مع الجهات الفاعلة في ‏المجتمع المدني.

وأكدت التوصيات أنه ينبغي للدول أن تكفل المشاركة الهادفة للمرأة في الحياة العامة ‏وصنع القرار وأن تكفل اندماج الشباب باعتبارهم عنصراً أساسياً في تعزيز الديمقراطية ومنع تراجعها.

ويجب ‏أن تكون حماية حرية وسائل الإعلام وضمان حرية الوصول إلى المعلومات جزءاً أساسياً من إدارة الأزمات ‏وتحقيق صمود الديمقراطية.‏

ويعقد مجلس حقوق الإنسان (تأسس عام 2006) ما لا يقل عن 3 دورات عادية في العام، لفترات مجموعها 10 أسابيع على الأقل، وهي تُعقد في أشهر مارس (لمدة 4 أسابيع) ويونيو (لمدة 3 أسابيع)، وسبتمبر (لمدة 3 أسابيع).

يجوز لمجلس حقوق الإنسان -إذا طلب ثلث الدول الأعضاء (عددها 47)- أن يقرر في أي وقت عقد دورة استثنائية لتناول انتهاكات وطوارئ حقوق الإنسان.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية