زينب بنت خزيمة.. حقوقية كفلت اليتامى والفقراء ولُقِّبت بأم المساكين
حقوقيات في زمن النبوة (4)
منذ ما يزيد على 1400 عام، أي وقت بعثة رسول الإسلام محمد بن عبدالله، لم يعرف العرب ما يسمى اليوم بـ"المؤسسية" والعمل وفق نظام كُلي يسمى الحكومة أو الدولة أو منظمات المجتمع المدني، حيث كانت كل أعمال الخير والتكافل المجتمعي تصرفات فردية وقبلية توجهها ثقافة عامة مجتمعية قائمة على الكرم والجود، وكان وقتها كل قبيلة أو غني في قومه بمثابة مؤسسة.
من هنا، كان ما قدمته أم المؤمنين زينب بنت خزيمة، من كفالة لليتامى والأرامل حتى لُقِبت بـ"أم المساكين"، يجعلها امرأة بمثابة مؤسسة حقوقية.
فوفقاً لكتب السيرة، كانت مؤمنة، امتلأت شغفاً وحباً بما عند الله من نعيم الآخرة، فكان من الطبيعي أن تصرف اهتماماتها عن الدنيا لتعمر آخرتها بأعمال البر والصدقة، حيث لم تدخر جهداً في رعاية الأيتام والأرامل وتعهدهم، وتفقد شؤونهم والإحسان إليهم، لتكون في مجتمعها بمثابة نبع يروي البسطاء ويقضي على الفقر الذي هو انتهاك لحقوق الإنسان.
ويُعد الفقر من الانتهاكات التي عددتها الأمم المتحدة انتهاكاً لحقوق الإنسان، ووفقاً لتقرير أممي، تم مواجهة هذا الانتهاك بعدة طرق منها القرار 47/196 المؤرخ 22 يناير 1992، أعلنت الجمعية العامة السابع عشر من أكتوبر “اليوم الدولي للقضاء على الفقر”.
ففي ذلك اليوم اجتمع ما يزيد على مئة ألف شخص تكريما لضحايا الفقر المدقع والعنف والجوع، وذلك في ساحة تروكاديرو بباريس، التي وقِّع بها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان عام 1948.
وقد أعلنوا أن الفقر يُشكل انتهاكا لحقوق الإنسان وأكدوا الحاجة إلى التضافر بغية كفالة احترام تلك الحقوق، ومنذئذ، يتجمع كل عام في السابع عشر أكتوبر أفراد من شتى المشارب والمعتقدات والأصول الاجتماعية لإعلان التزامهم من جديد إزاء الفقراء والإعراب عن تضامنهم معهم.
أهمية دور أم المساكين
يتعاظم دور زينب بنت خزيمة أم المؤمنين رضي الله عنها وأرضاها، بكونها قدوة لكل من حولها يقتاد بها في زمانها وما بعده، خاصة أن الإسلام حرَّم التبني، وقد كان كثير من الأطفال الذين بلا أسر يتم تبنيهم من أسر وعائلات، ومن هناك كانت كفالة اليتامى بديل وهو ما كانت تفعله أم المؤمنين.
ووفقاً لمراجع، رغم اهتمام الإسلام برعاية وكفالة الأيتام فلم يعرف التاريخ الإسلامي دورا أو ملاجئ بمفهومها المعاصر بحيث يتوفر فيها المبيت للأيتام والرعاية الشاملة، وربما يعود ذلك لعوامل كثيرة منها أن الأرامل سرعان ما يجدن من يتزوجهن ويكفل أولادهن، أو يساعد الأم التي تحتضن أولادها من أقاربها والبيئة المحيطة بها.
وأورد الإمام الذهبي في كتابه "العبر" أن زين الدين علي كجك، بنى دارا للأيتام واللقطاء، كما أن ابنه مظفر الدين (المتوفى عام 630 هـ/ 1232 م) بنى دارا للقطاء ورتب فيها جماعة من المراضع، وكل مولود يلتقط يحمل إليهن فيرضعنه.. وأغلب دور وملاجئ الأيتام في العالمين العربي والإسلامي في العصر الحديث تم إنشاؤها بعد 1840 م، منها دار الشفقة التي أنشأتها الجمعية التدريسية الإسلامية عام 1864م.
وقد بلغ عدد طلابها 300 طالب عام 1913 م وكانت مدرسة داخلية تقوم بإيواء الطلاب وتوفير احتياجاتهم كافة من مأكل وملبس ومشرب ورعاية صحية، وتضم مدارس للمراحل التعليمية الابتدائية والإعدادية والثانوية.
زواجها بالنبي صلى الله عليه وسلم
ولدت السيدة زينب رضي الله تعالى عنها في مكة المكرمة قبل نزول الوحي وبدء البعثة النبوية بأربع عشرة سنة، وكانت من ذوات النسب الرفيع، فأسرتها بنو هلال أسرة كريمة، وهي من فروع بني عامر، وهذا الفرع من ولد سيدنا إسماعيل عليه الصلاة والسلام كما ذكر في كتب السيرة والتاريخ.
دخلت الإسلام وهي صغيرة السن، وكانت ممن شهد بدرا، في خدمة الجرحى وتضميدهم، وتقديم الطعام والماء لهم.
حزنت السيدة زينب لفراق زوجها عبدالله، وما إن تمت عدتها حتى خطبها النبي صلى الله عليه، ثم تزوجها في رمضان من السنة الثالثة للهجرة، قال ابن سعد في الطبقات الكبرى: «خَطَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم زَيْنَبَ بِنْتَ خُزَيْمَةَ الْهِلَالِيَّةَ أُمَّ الْمَسَاكِينِ، فَجَعَلَتْ أَمْرَهَا إِلَيْهِ، فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلّى الله عليه وسلم وَأَشْهَدَ وَأَصْدَقَهَا اثْنَتَيْ عَشْرَةَ أُوقِيَّةً وَنَشّاً، وَكَانَ تَزْوِيجُهُ إِيَّاهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ عَلَى رَأْسِ أَحَدٍ وَثَلَاثِينَ شَهْراً مِنَ الْهِجْرَةِ».
وهي رابع نسائه بعد السيدة عائشة والسيدة سودة والسيدة حفصة رضي الله عنهن، مكثت رضي الله تعالى عنها عند النبي صلى الله تعالى وآله وسلم ثمانيةَ أشهرٍ، وتوفيت في آخر شهر ربيعٍ الآخَر على رأس تسعةٍ وثلاثين شهراً من الهجرة، ولم تنقل كتب التاريخ والسير كثير خبر عن حياتها رضي الله عنها، كأن الله عز وجل اختارها لتنال لقب أم المؤمنين وتكون زوجا لرسول الله صلى الله عليه وسلم في جنان الفردوس، ليس إلا.
مناقبها
حياتها الدنيا كانت قصيرة جداً ومرت بها رضي الله عنها مرور الكرام.
عاشت رضي الله عنها قريرة العين، مطمئنة القلب بأن أصبحت زوجا لخير البرية، وأي فضل فوق هذا الفضل، وما كانت الغيرة ولا مشاغل النساء تعرف إلى قلبها سبيلا.
غمرت أهل الصفة الذين لازموا المسجد وعملوا على حراسة النبي صلى الله عليه وسلم، ببرها وعطفها وكرمها وإحسانها.
وفاتها رضي الله عنها
كانت رضي الله تعالى عنها ثاني زوجاته رحيلاً بعد أم المؤمنين السيدة خديجة بنت خويلد رضي الله تعالى عنها، وعمرها نحو ثلاثين سنة كما ذكره الواقدي ونقله ابن حجر في الإصابة، دخلت السيدة زينب رضي الله عنها بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم في هدوء الأبرار وصمت العابدين، وخرجت في صمت الخاشعين لتكون أول من يدفن من أمهات المؤمنين في البقيع إلى جوار الأبرار الأخيار الذين سبقوها إلى دار السلام.
وقد كان موتها أليما على قلب المصطفى صلى الله عليه وسلم، إذ ذكّره موتها بالطاهرة أمنا خديجة رضي الله عنها أول أمهات المؤمنين وأحبهن إلى قلبه الشريف، رقدت في سلام كما عاشت في سلام، وصلى عليها النبي عليه الصلاة والسلام، ودفنها بالبقيع في شهر ربيع الآخر من السنة الرابعة، فكانت أول من دفن فيه من أمهات المؤمنين رضي الله عنهن.
وقد ماتت بعد زواجها بثمانية أشهر رضي الله عنها، ولم يمت من أمهات المؤمنين في حياته غير السيدة خديجة أم المؤمنين الأولى ومدفنها بالحجون في مكة، والسيدة زينب بنت خزيمة الهلالية، أم المؤمنين وأم المساكين.
ومن مناقبها رضي الله عنها أنها الوحيدة من نساء النبي صلى الله عليه وسلم التي صلى عليها بنفسه، فلم تكن الصلاة قد فرضت بعد إبان وفاة أمنا خديجة رضي الله عنها.
توفيت رضي الله عنها، ولم تروِ عن النبي صلى الله عليه وسلم شيئا كما قال الذهبي رحمه الله.