يأس عراقي من إدانة جرائم "الإبادة الجماعية" لداعش ومقترح لتشكيل محكمة دولية

يأس عراقي من إدانة جرائم "الإبادة الجماعية" لداعش ومقترح لتشكيل محكمة دولية

مسؤول أممي: فريق التحقيق عازم على تحديد الأشخاص المتورطين بجرائم الإبادة وتقديم المساعدات القانونية للناجين

ممثل العراق بالأمم المتحدة: الحكومة لم تستلم أي دليل من الفريق الأممي لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة حتى هذه اللحظة

النائب عن المكون الإيزيدي: ينبغي على الحكومة التريث بقرار إنهاء عمل بعثة "اليونيتاد" وتمديد عمل التحقيق بجرائم داعش

نائب عراقي: عمل البعثة الأممية ضروري لكشف جرائم داعش والإبادة الجماعية

خبير قانوني: العراق يستطيع طلب تشكيل محكمة دولية لمحاكمة مرتكبي جرائم الإرهاب ولكنها مكلفة وتأخذ وقتا طويلاً

 

العراق– عبدالرشيد الصالح

تعرض العديد من الأقليات العرقية والدينية في العراق إلى حملات إبادة وانتهاكات جسيمة سببها تنظيم داعش، الذي سيطر على مساحات شاسعة في البلاد في الفترة الواقعة بين شهري يونيو 2014 وديسمبر 2017، وهي أفعال ترقى خطورتها إلى مستوى جرائم الحرب والجرائم ضدّ الإنسانية والإبادة الجماعية.

وعلى ضوء ذلك وبتاريخ 9 أغسطس 2017، دعت الحكومة العراقية المُجتمع الدّولي إلى مدّ يد العون في ضمان مُحاسبة أفراد تنظيم داعش الإرهابي على جرائمهم التي اقترفوها في العراق، وقد استجاب المُجتمع الدّولي من خلال قرار مجلس الأمن رقم 2379 (2017) الذي تمّ تبنيه بالإجماع، وطُلب فيه من الأمين العام تكوين فريق للتحقيق يترأسه مُستشار خاص، لدعم الجهود المحلية لمُحاسبة تنظيم داعش من خلال جمع الأدلة الجنائية وتخزينها وحفظها في العراق.

وبموجب هذا القرار، قام الأمين العام بإنشاء فريق التحقيق التابع للأُمم المُتّحدة لتعزيز المُساءلة عن الجرائم المُرتكبة من جانب داعش (يونيتاد)، وعيّن المُستشار الخاص الأول بدءاً من تاريخ 31 مايو 2018، ويقود فريق التحقيق المستشار الخاص كريستيان ريتشر.

كيف يعمل فريق "اليونيتاد"؟

بحسب قرار مجلس الأمن الدولي لعام 2017 يُعيّن المُستشار الخاص جميع أعضاء فريق التحقيق، ويقوم المُستشار الخاص بتعيين قُضاة التحقيق العراقيين وغيرهم من الخبراء الجنائيين العراقيين بالتشاور مع حكومة العراق، ويُعيّن الأمين العام المُستشار الخاص بناءً على مشاورات مع حكومة العراق لفترةٍ أولية مُدتها سنتان قابلة للتجديد.

وتتمثل أهم القضايا بالنسبة للفريق الأممي في الهجمات التي شنّها تنظيم داعش على المجتمع الإيزيدي في قضاء سنجار في شهر 2014، والجرائم التي ارتكبها تنظيم داعش في الموصل بين عامي 2014 و2016، ومن ضمنها إعدامات في صفوف الأقليات الدّينية، والجرائم التي تنطوي على العنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي والجرائم بحقّ الأطفال، فضلا عن القتل الجماعي لطُلاب سلاح الجو العراقي العُزّل في أكاديمية تكريت الجويّة (سبايكر) في شهر يونيو 2014، إضافة إلى التحقيق بجرائم العنف الجنسي والنفسي ومزاعم استخدام التنظيم للأسلحة الكيمياوية خلال فترة سيطرته على مدن كبرى في البلاد.

وفي هذا الصدد، قال المستشار الخاص لفريق التحقيق التابع للأمم المتحدة لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من جانب داعش (يونيتاد) كريستيان ريتشر في تصريح لعدد من وسائل الإعلام بينها "جسور بوست"، إن "فريق اليونيتاد سيستمر بالعمل في العراق حتى نهاية المهام الموكلة إليه، سيما أن البعثة تسعى لتقديم المساعدة والتحقيقات الخاصة بجرائم داعش لفئات المجتمع العراقي المتضررة".

 كريستيان ريتشر

وأضاف ريتشر، أن "الفريق الأممي عازم على تحديد الأشخاص المتورطين بجرائم الإبادة، وأيضاً تقديم المساعدات القانونية للناجين"، منوها بأن "فريق اليونيتاد تمكن من الوصول إلى عدد من المقابر الجماعية الخاصة بضحايا الإرهاب، رغم الصعوبات وقلة المصادر المتعلقة بذلك".

لا دليل يدين المتورطين بالإبادة!

وعلى الرغم من الفترة التي عملت فيها البعثة بالعراق، فإن العلاقة بينها وبين الحكومة العراقية دخلت في مرحلة من التوتر، بسبب عدم اقتناع بغداد بنتائج التحقيقات التي يجريها الفريق الأممي، وهو ما دفع بالحكومة العراقية إلى تقدم طلب لمجلس الأمن بإنهاء عمل البعثة في نهاية عام 2024 الجاري.

وفي ديسمبر الماضي، ذكر العراق في مجلس الأمن بأن بغداد لم تتلق حتى الآن أي دليل من فريق التحقيق في جرائم حرب محتملة وجرائم ضد الإنسانية وجرائم إبادة جماعية ارتكبها تنظيم داعش الإرهابي.

ورفض العراق تمديد مهلة التفويض لفريق الأمم المتحدة لما بعد سبتمبر عام 2024 وذلك بينما لم تتمكن بغداد والبعثة من تجاوز الطريق المسدود حول عقوبة الإعدام بحق المتورطين في تلك الجرائم.

وقال القائم بالأعمال لممثلية العراق لدى الأمم المتحدة في نيويورك، عباس كاظم عبيد، لدول أعضاء مجلس الأمن في حديث ترجمته "جسور بوست": “نحن نكرر أن الحكومة العراقية وحتى هذه الحظة لم تستلم أي دليل من الفريق الأممي لتعزيز المساءلة عن الجرائم المرتكبة من قبل تنظيم داعش (يونيتاد)، ليتسنى استخدامها في إجراءات التحقيقات الجنائية، لقد تلقينا فقط تقارير وملخصات ليست فيها أية قيمة قانونية أمام محاكمنا الوطنية".

فرصة جديدة لـ"اليونيتاد"

وعلى الرغم من الامتعاض الحكومي من عمل البعثة، ترى أوساط في مجلس النواب، ضرورة منح الفريق الأممي فرصة ثانية ووقتاً أكبر لتقديم أدلة حول جرائم تنظيم داعش.

وقال النائب عن المكون الإيزيدي محما خليل في حديث لـ"جسور بوست"، إنه ينبغي "على الحكومة العراقية التريث بقرار إنهاء عمل بعثة "اليونيتاد" وتمديد عمل التحقيق بجرائم داعش، سيما وأن المنظمة تقدم جهوداً رائعة دون أن تكلف خزينة الدولة العراقية شيئا يذكر".

النائب محما خليل

وأشار “خليل”، إلى أن "البعثة أعطت الحكومة معلومات قيمة عن الجرائم المرتكبة ضد الإيزيديين والأقليات الأخرى في البلاد"، منوها بأن "العراق غير قادر على التحقيق بجرائم داعش بدون مساعدة دولية".

وأوضح، أن "هناك أسبابا خارجية دفعت بحكومة السوداني للمطالبة بإنهاء عمل البعثة"، لافتا إلى أن "هذه المنظمات الدولية تقدم دعما للعراق وتساعد على الاستقرار". 

ويلزم قرار مجلس الأمن المُستشار الخاص ورئيس فريق التحقيق (يونيتاد) رفع تقاريره إلى مجلس الأمن حول نشاطاته كُلّ 180 يوماً، تتضمن توفير نظرة عامة عن التقدّم المُحرز في عمل فريق التحقيق أثناء الفترة التي يُغطّيها التقرير. 

بدوره، قال عضو مجلس النواب العراقي معين الكاظمي في حديث لـ"جسور بوست"، إن هناك تواصلا مع فريق "اليونيتاد" وهناك زيارات مشتركة ستجري إلى منطقة "القصور الرئاسية" في تكريت للوقوف على "جريمة سبايكر" والخروج بتقرير متكامل يرفع إلى الأمم المتحدة ومجلس الأمن.

وأضاف أن "عمل البعثة الأممية ضروري لكشف جرائم داعش والإبادة الجماعية"، موضحا بالقول إن "طلب العراق إنهاء عمل البعثة ربما يكون ناجما عن تحليل حكومي غير دقيق، ونحن نطالب ببقائها في البلاد".

معين الكاظمي

وأشار الكاظمي إلى أن العراق تعرض لحملات إبادة جماعية خصوصا في "جريمة سبايكر" و"سجن بادوش" التي ارتكبها التنظيم الإرهابي، والمساعدة الدولية تعطي للتحقيق مصداقية ومقبولية أكبر لدى مجلس الأمن الدولي.

وأكد أن "عمل المنظمة مستمر حتى نهاية عام 2024، وهي تمارس مهام تفتيشية إضافة إلى تحقيقاتها بجرائم داعش"، كاشفا في الوقت نفسه، عن "تبديد قرابة مليار دولار من قبل بعثة الأمم المتحدة السياسية "يونامي"، صرفت لصالح الموظفين لتنفيذ مشاريع غير حقيقة وبأرقام خيالية، دون أن تكون هناك انعكاسات حقيقية على مستوى هذا الصرف الحاصل".

وتابع بالقول، إن "مجموع المبالغ التي صرفت تحت عنوان دعم إعمار العراق بلغت أكثر من مليار و200 مليون دولار، ولكنها صرفت بطرق فاشلة تعكس وجود خلل يستحق معالجتها، لكن ذلك لا يعني السماح بإنهاء عمل فريق "اليونيتاد" الخاص بالتحقيق بجرائم داعش".

محكمة دولية 

وفي حال انسحاب الفريق الأممي من العراق، ستجد أوساط قضائية عراقية نفسها مضطرة لتقديم بديل محلي يستكمل التحقيقات التي بدأتها المنظمة الأممية، لكنها بحاجة إلى محكمة دولية ربما على غرار تلك التي شكلت للتحقيق بحادثة اغتيال الرئيس اللبناني الأسبق رفيق الحريري في بيروت عام 2005.

وقال الخبير القانوني علي التميمي، إن "العراق يحق له قانونيا معاقبة مرتكبي جرائم الإرهاب داخل أراضيه، سواء كانوا عرباً ام أجانب وفقا للمادتين 6 و9 من قانون العقوبات العراقي"، مبينا أن "المادتين 53 و54 من قانون وصول المحاكمات الجزائية بما يتعلق بالاختصاص المكاني للجريمة".

وأضاف "التميمي" خلال حديثه لـ"جسور بوست"، أنه "يحق للعراق أن يطلب هؤلاء المجرمين سواء كانوا داخل البلاد أو خارجه عن طريق الإنتربول لمحاكمتهم"، موضحا أن "العراق يستطيع طلب تشكيل محكمة دولية لمحاكمة مرتكبي جرائم الإرهاب في العراق، لكنها يجب أن تشكل بقرار من مجلس الأمن الدولي".

علي التميمي

وبهذا الصدد ذكر الخبير القانوني، أن "هذا النوع من المحاكم مكلف مادياً للدولة الطالبة بتشكيل المحكمة، حيث يجب أن يتحمل العراق نصف التكاليف المادية في حين يتحمل مجلس الأمن النصف الآخر"، مستشهداً بـ"محكمة التحقيق باغتيال الرئيس اللبناني الأسبق رفيق الحريري في بيروت".

وشخص التميمي وجود مشكلة أخرى في هذا النوع من المحاكم التي "تستغرق وقتاً طويلاً يصل إلى سنوات، إضافة إلى صعوبة تنفيذ قراراتها في الدول التي تستضيف منفذي الجرائم.

ولفت إلى أن "المحاكم العراقية تعمل بمهنية وحرفية من خلال محققين وقضاة جيدين، وانسحاب المنظمات الدولية جرى وفقا لإرادة فردية من العراق".

وفي 28 من شهر يناير الماضي، طالب رئيس مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان، خلال لقائه رئيس فريق التحقيق الدولي الخاص (يونيتاد) كريستيان ريتشر، بتقديم نتائج عمل الفريق والأدلة التي تم حسمها خلال فترة عمل الفريق إلى وجهات التحقيق التابعة له حصراً باعتباره الجهة المختصة بإجراء التحقيق والمحاكمة في الجرائم التي ترتبط بها النتائج والأدلة التي توصل إليها فريق التحقيق الدولي.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية