رمضان العرب في المهجر.. حنين للوطن وإفطار "بلا طعم" وتشبث بالعادات

رمضان العرب في المهجر.. حنين للوطن وإفطار "بلا طعم" وتشبث بالعادات

- مغربية في كوريا الجنوبية: أقضي رمضان في الغالب لوحدي.. واشتقت كثيراً للأكلات المغربية

- مصري في روسيا: يمكن أن أتناول أحسن أكل في الإفطار لكنني لا أحس بطعمه بسبب بعدي عن أهلي

- جزائرية في فرنسا: أقضي رمضان كأنني في بلدي.. ووسائل الاتصال والأعمال الفنية قلصا المسافة بين المهجر والوطن

 

سامي جولال

الحنين إلى الوطن شعور صعب يرافق العرب المغتربين طوال الوقت في المهجر، لكنه يتعمق أكثر في شهر رمضان، الذي يفتقدون أجواءه في بلدانهم الأم، من عبادات وشعائر دينية، وعادات وتقاليد وطقوس، تخص التجمعات العائلية، والأكلات، واللقاءات وتبادل الزيارات مع الأهل والأحباب والأصدقاء، وسواها من الأجواء الرمضانية الأخرى.

"جسور بوست" تقربكم من رمضان بالنسبة لعدد من العرب في المهجر، يتحدثون عن أحوالهم خلال هذا الشهر، وعن الأجواء التي يقضونه فيها بعيداً عن أوطانهم وأهلهم، وعن الأمور التي يفتقدونها في هذه المناسبة الدينية.

“بلا روح”

أميمة لطرش، مغربية تعيش في عاصمة كوريا الجنوبية سيئول، قالت إنها لا تعيش أجواءً رمضانية متميزة في ذلك البلد، لأنه لا يوجد الكثير من المغاربة هناك، والموجودون ليس لديهم إطار يجمعهم، ويتيح لهم التقاء بعضهم البعض، مردفة أنها لا تستطيع خلق الأجواء الرمضانية لوحدها، لأن دائرتها ومحيطها مُكوَّنَان كليّاً من أجانب من جنسيات وديانات مختلفة لا يصومون رمضان، وليس لديها أصدقاء مسلمون في الجامعة التي تدرس فيها.

وأضافت أميمة، في حديث مع "جسور بوست"، أنها تقضي شهر رمضان في الغالب لوحدها، وأن هناك لقاءات ستنظم الأسبوع المقبل والذي يليه، تجمع كوريين مسلمين وعرباً مسلمين، وتنوي الذهاب إليها، لأن ذلك يمثل بالنسبة إليها فرصة لالتقاء مغاربة آخرين وأشخاص آخرين بصفة عامة.

وأوضحت أميمة، التي تقيم في كوريا الجنوبية منذ عامين لدراسة الماجستير، أن رمضان في كوريا الجنوبية يمر بشكل عام عاديّاً، ويختلف كثيراً عن المغرب، لأنه لا يوجد تجمع العائلة على مائدة واحدة، وانتظار سماع الآذان، وكسر الصيام رفقة العائلة، وأداء صلاة التراويح، والتقاء الأصدقاء وقضاء وقت جميل معهم، متابعة أنها تدرُس ليلاً، من السادسة إلى التاسعة مساءً، وأذان المغرب في سيئول ما بين السادسة والنصف والسابعة مساءً، ما يضطرها إلى كسر صيامها وسط الحصة الدراسية، ثم تنتظر إلى غاية انتهاء الدرس لتتناول وجبة.

أميمة لطرش

تحدثت أميمة، التي تعيش في سيئول لوحدها، عن اشتياقها الكبير للأكلات المغربية، وذكرت منها الْحَرِيرَة المغربية، والْبْرِيوَاتْ المحشية، والْبَسْطِيلَة، والرّْفِيسَة، والْبَغْرِيرْ، والْحَرْشَة، وكل ما يقدم بشكل أساسي على المائدة المغربية.

وأفادت بأن هناك مطاعم مغربية في منطقة تدعى إيتوان في سيئول، يذهب إليها الكثير من العرب والأجانب بصفة عامة، وأن تلك المطاعم المغربية تجعلها تحس بثقافتها المغربية وبالأجواء الرمضانية، إذ يقدمون أطباقاً مغربية كل يوم طيلة أيام الشهر الثلاثين، وهو ما يجعلها لا تشعر بالغربة كثيراً.

وختمت أميمة تصريحاتها لـ"جسور بوست" بالقول إنه بشكل عام تكون حياة أي مغربي أو مغربية خارج أرض الوطن صعبة قليلاً في المناسبات الدينية، ومن بينها رمضان والأعياد، ولكن لا يصح، وفق أميمة، التفكير في الأمر بطريقة سلبية كثيراً، لأن ذلك سيجعل المغترب يشعر بالحنين إلى الوطن أكثر وأكثر، وهذا يمكن أن يمنعه من التأقلم بشكل جيد في المجتمع، الذي يعيش فيه، مردفة أنها تحاول البحث عن أصدقاء مغاربة أو عرب بصفة عامة، لتقضي معهم هذه المناسبات، وأن اللقاءات مع هؤلاء تجعلها على الأقل لا تشعر بالحنين إلى الوطن، وتعتبرها عموماً تجربة جيدة.

إفطار “بلا طعم”

قال محمد صلاح، مصري مقيم في سان بطرسبورغ بروسيا منذ 8 أعوام، إنه لا يرى فرقاً بين روسيا ومصر خلال شهر رمضان في ما يخص ممارسة العبادات والشعائر الدينية، وإن هناك احتراماً كبيراً للمسلمين في روسيا، إذ يوجد في المدينة التي يقطن بها مسجدان تؤمنهما الشرطة الروسية، ويجتمع فيهما مسلمون عرب وغير عرب، ويمارسون فيهما الصلاة، والزكاة، والصيام، ومختلف شرائع الإسلام.

وأردف محمد، في حديث مع "جسور بوست"، أنه يصلي التراويح في المسجد في بعض أيام الأسبوع، بينما لا يستطيع القيام بذلك في أيام أخرى، بسبب التزاماته المهنية، لكنه أكد أنه منضبط في صلاته وكل ما يتعلق بدينه، معتبراً أن أشرس معركة يخوضها الإنسان، هي معركة الحفاظ على نقاء قلبه، والعادات والتقاليد، التي تربى عليها.

وأوضح محمد، الذي يعمل لحاماً في سان بطرسبورغ، أن هناك مجموعة من الأمور التي يفتقدها خلال شهر رمضان وهو في روسيا، أولها، أهله، مبرزاً أن الوضع يكون صعباً جدّاً وهو على مائدة الإفطار، عندما يشعر أنه لوحده، وبعيد عن أصدقائه وأحبابه وأقربائه وناسه، وأنه يمكن أن يتناول أحسن أكل في وجبة الإفطار، لكنه لا يحس بطعمه، لأنه بعيد عن أهله، ولا يعينه في هذا الوضع، بحسب قوله، إلا الصبر، الذي يمنحه إياه الله، كما تحدث محمد عن افتقاده سماع الآذان، واشتكى من قلة الناس في محيطه، الذين يتحدثون معه عن الدين الإسلامي إلا عندما يكون في المسجد.

محمد صلاح

وفي ما يتعلق بالمأكولات المصرية، أفاد محمد، الذي يعيش في سان بطرسبورغ رفقة زوجته الأوكرانية، بأن هناك سيدة مصرية لديها مطعم إلكتروني، تقدم عبره أكلات مصرية وعربية، إذ يطلعون على قائمة المأكولات في الموقع الإلكتروني، ويطلبون ما يريدونه عبر واتساب، وترسله إليهم، مردفاً أن هناك أيضاً محلات تقدم أكلات عربية، مصرية ولبنانية وفلسطينية وأردنية، وغيرها.

وتابع محمد أنه وزوجته يحضران أحياناً أكلات مصرية في البيت من أجل وجبة الإفطار، ويستضيفان الأصدقاء والأحباب، ويجتمعون كثيراً كل عام في رمضان، وهو الأمر الذي يقوم به أيضاً، بحسب محمد، أصدقاؤه العرب هناك، إذ يستضيفون بعضهم البعض في البيوت خلال هذا الشهر، ما يتيح لهم التعرف على أشخاص آخرين وجاليات عربية أخرى، موضحاً أنه يصادق سوريين وفلسطينيين ويمنيين.

تشبث بالعادات 

قالت سمية فردي، جزائرية تعيش في مدينة ميتز الفرنسية (شرق) منذ 13 عاماً، إنها تقضي شهر رمضان في فرنسا كأنها في بلادها وفي مدينتها الصغيرة ندرومة الواقعة شمال مدينة تلمسان (غرب الجزائر).

وأضافت سمية في حديث مع "جسور بوست"، أنها تعتبر التحضير لشهر رمضان شعيرة من شعائر الله، وأنها كأي جزائري أو جزائرية تستقبل الشهر الكريم بطقوسها الخاصة، كأنها لم تغترب، مردفة أنه "إذا كان رمضان يأتي كل عام ليجدد فينا الإيمان، فهو يجدد أيضاً في الجالية الجزائرية ارتباطها بتلك الأرض الطيبة، التي تسمى الجزائر".

وأوضحت سمية التي تشتغل مستشارة مالية، أن طقوسها تبدأ أياماً قبل حلول رمضان، لعل أولها وأهمها تحضير توابل سيدة المائدة في الغرب الجزائري، ورفيقتهم طيلة أيام الشهر الثلاثين، الحريرة الجزائرية، إذ تحرص على أن تصلها توابلها بشكل خاص من مدينة مغنية (غرب الجزائر)، محتفظة (التوابل) بكامل أصالتها ونكهاتها وعطورها.

وتابعت سمية، التي تعيش في ميتز رفقة أسرتها الصغيرة، أن هناك "شيئاً آخر لا بد أن يسافر لها من صحراء الجزائر ليزين مائدتها، وهو دقلة نور"، الذي قالت إنه "أحد أفخم وأجود أنواع التمور في العالم"، مبرزة أن طعم أول رمضان صامته في حياتها كان بنكهة ذلك التمر، التي علقت بمخايلهم ودواخلهم، وأن أيام الصبا تمثل لهم يوم فرحهم وفرح أهلهم بأول يوم صيام لهم.

سمية فردي

وأفادت سمية بأنها تشتري قماشاً بألوان زاهية من أجل خياطة قفطان، لارتدائه في العيد، موضحة أنها في بعض المرات تكون في الجزائر، وهناك تقتني القماش وتسلمه للخيَّاطة لخياطة القفطان، ثم تعود إلى فرنسا، وعندما يكون جاهزاً يرسلونه إليها، وأحياناً تذهب إلى أسواق شعبية في فرنسا، حيث يبيع هنود أقمشة جميلة، وتقتني أحدها، وترسله إلى صديقتها في الجزائر لتخيط لها القفطان بالشكل الذي تريده وترسله إليها إلى فرنسا، بحسب سمية، التي أضافت أنه بالنسبة لهذا العام، فقد اشترت لها صديقتها قماشاً من سوق القيصرية في مدينة تلمسان، وتقوم حاليّاً بخياطته قفطاناً، وسترسله إليها إلى فرنسا هذا الأسبوع لترتديه في العيد.

وبيَّنت أن الجزائريين بشكل عام يجهزون لصيامهم غذاء أرواحهم، من شعائر وعبادات، وكذلك موشحات أندلسية صوفية نابعة من عمق تراثهم، ترافقهم في تجهيز غذاء أجسادهم من مأكولات ومشروبات، لعل أبرزها حلوياتهم، التي ذكرت منها قريوش تلمسان، والصامصة العاصمية، وقلب اللوز، ومختلف أنواع المقروط، إلى جانب المسمن، والمحاجب، والبغرير، ومختلف أنواع المملحات، والبوراك، والبريك بمختلف الحشوات والنكهات، كما تقوم أغلب العائلات الجزائرية، بتحضير طبق المحمر بالبرقوق بلهجة أهل تلمسان، أو طاجين حلو بلهجة باقي مدن الجزائر، بنية أن يحلي الله أيام الصائمين.

وأبرزت سمية أن الحياة في أوروبا سريعة، وتجعل وقت امرأة عاملة ضيقاً، وأنها تفضل استغلال الشهر في العبادة، والتقرب من الله، والدعاء بأن يصلح الله حال هذه الأمة.

ووصفت تلك العادات بالجميلة والمتنوعة والمتعددة، مردفة أنه لا ينغصها سوى افتقاد الأهل والأحباب، لكن مع وسائل الاتصال، وما تقدمة هذا العام الساحة الفنية الإبداعية في الجزائر، من مسلسلات وحصص فكاهية وجلسات أنغام، وغيرها، فإنهم يحسون، وفق سمية، أن المسافات بين المهجر والوطن تقلصت، لأن هذا الإبداع الفني حمل معه رائحة البلاد، وخفف عنهم الكثير من وجع الاغتراب.

وختمت سمية تصريحاتها لـ"جسور بوست" بالقول، إن ما تتمناه الآن هو أن تتمكن من إيجاد فسحة، أو ساعة خير بلهجتهم الدارجة، تجتمع فيها بأبناء الجالية، في جو جزائري وعربي، لتبادل فرحة وأجواء الشهر الكريم، والتعاون على أداء شعائره.

 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية