"فايننشيال تايمز": مقايضة الهنود الديمقراطية بالرخاء "خيار زائف"

"فايننشيال تايمز": مقايضة الهنود الديمقراطية بالرخاء "خيار زائف"

نشرت مجلة "الإيكونوميست" رؤية  للكاتب روهيت لامبا، مؤلف كتاب "كسر القالب: طريق الهند غير المستكشف إلى الرخاء" والمحافظ السابق للبنك المركزي الهندي، يتساءل فيها: هل يتجاهل الناخبون الهنود الاستبداد المتزايد لحكومة رئيس الوزراء ناريندرا مودي بسبب الرخاء الاقتصادي الذي جلبته؟ ويجيب: نظرة فاحصة على البيانات تشير إلى قصة مختلفة.

عانى الاقتصاد الهندي خلال جائحة كورونا، وبصرف النظر عن الخسائر الفادحة في الأرواح، فقد أهلك الوباء الشركات الصغيرة ومتوسطة الحجم، التي كانت تترنح بالفعل لأن مبيعاتها القائمة على النقد تضررت بسبب سحب العملة سابقا وسوء إدارة فرض ضريبة على السلع والخدمات.

وتأثرت القطاعات كثيفة العمالة مثل الجلود والمنسوجات بشكل غير متناسب، ومن بين 23 عنصرًا لمؤشر الإنتاج الصناعي، كان 11 قطاعًا كثيف العمالة أقل في مارس 2023 مما كان عليه في الفترة 2016-2017.

ومما يثير القلق أن حصة الهند في تجارة الملابس العالمية انخفضت بأكثر من 20% منذ عام 2015، في حين ارتفعت حصة بنغلاديش وفيتنام.

وتظهر العواقب في تزايد البطالة في المناطق الحضرية، وكانت حصة الوظائف الزراعية آخذة في الارتفاع، وهو ما يعد انحرافا بالنسبة لدولة نامية متنامية.

وبطبيعة الحال، فإن أداء بعض القطاعات جيد، نظراً لأن نمو الناتج المحلي الإجمالي يتجاوز 6%، وتساعد الجهود التي تبذلها الحكومة في مجال البنية التحتية القطاعات كثيفة رأس المال مثل الصلب.

واستفادت الطبقة المتوسطة الغنية والعليا من الارتفاع في مثل هذه القطاعات وفي صادرات الخدمات الماهرة، وكذلك في أسواق الأوراق المالية والعقارات.

ومع ذلك، فإن الاقتصاد ذا الوتيرة المزدوجة يؤثر في النهاية على الجانب المزدهر، ومع وجود عدد قليل من الوظائف الجديدة، كان نمو الدخل ضعيفا بالنسبة لكثير من الناس.

أخذت مديونية الأسر في الارتفاع، ولا يزال استهلاك السلع الجماعية مثل المركبات ذات العجلتين أقل من مستويات ما قبل الوباء، فالشباب قلقون بشأن مستقبلهم ولكنهم لا يعرفون على من يقع عليه اللوم: فالتقرير الأخير حول الاقتصاد لا يذكر حتى كلمة "البطالة"، في حين تروج وسائل الإعلام الرئيسية التي تسيطر عليها الحكومة للرخاء على نطاق واسع.

ويرى "لامبا" أن الحكومة التي لا تعترف بالمشكلة الاقتصادية المركزية لا تستطيع أن تقترح حلولاً مفيد، وكانت استراتيجية الوظائف التي ينتهجها الحزب الحاكم هي جذب التصنيع إلى الهند من خلال الإعانات.

ويتم تخصيص ما يقرب من 10 مليارات دولار من الإعانات لتصنيع الرقائق، وهو ما لن يخلق سوى عدد قليل من فرص العمل لذوي المهارات العالية في صناعة لا تتمتع فيها الهند بميزة نسبية تذكر، وفي الوقت نفسه، تتقلص القطاعات كثيفة العمالة بسبب نقص الاستثمار.

لماذا إذن تتمتع حكومة مودي بهذه الشعبية؟ لعدد من الأسباب منها أنه أدى إلى تحسين الأوضاع المعيشية مثل تقديم بعض السلع الغذائية مجانا (لنحو 60% من السكان)، ويتم تصوير هذه الخطوات على أنها تأتي مباشرة من رئيس الوزراء، مما يزيد بشكل كبير من شعبيته.

وكذلك الأمر بالنسبة لمكانة الهند في العالم، حيث إن اقتصادها المتنامي والحاجة إلى إبقائها إلى جانب الديمقراطيات الصناعية تجتذب كبار الشخصيات إلى نيودلهي، لكن الأمر الأكثر أهمية هو قدرتها على التأثير على التصورات من خلال الترويج للأخبار الاقتصادية الجيدة وقمع الانتقادات، لذلك تحظى الحكومة بشعبية رغم التجربة الاقتصادية التي يعيشها الناس، وليس بسببها.

فهل يؤثر تآكل الديمقراطية، إذا استمر، على نمو الهند؟ يؤكد أتباع "مودي" المزايا التي تتمتع بها الدول الاستبدادية، ويمكنهم تجاهل التفاصيل الدقيقة مثل الدراسات البيئية الدقيقة في بناء البنية التحتية، ويمكنهم دعم التصنيع، والحصول على الأراضي للصناعة على الرغم من احتجاجات الأسر، وقمع النقابات ونمو الأجور، وهذا هو المسار الذي اتبعته الصين ذات يوم، لكن الهند تواجه مشكلتين لم تواجههما بكين عندما شرعت في مسارها القائم على التصدير.

أولاً، وصلت الصين إلى هناك أولاً، وهي تتنافس على أرباح التصنيع، ثانياً، إن العالم الصناعي ليس مستعداً لاستقبال صين أخرى، فتأكل ما تبقى من صناعاتها وتوسع إنتاج السلع على حساب المناخ.

ويتعين على الهند أن تعتمد على نقاط قوتها، بما في ذلك صادرات الخدمات والديمقراطية، على سبيل المثال، لديها بالفعل 300 ألف مهندس يعملون على تصميم الرقائق للشركات في جميع أنحاء العالم، لماذا لا تعيد توظيف إعانات دعم الرقائق لتحسين جودة مدارسها وكلياتها وجامعاتها، حتى تتمكن من الحصول على المزيد من مصممي الرقائق، وفي النهاية "نفيديا" أو "كوالكوم" الخاصة بها؟

سوف ينطوي المسار الهندي على مخاطر، وسوف ترتكب الحكومة الأخطاء، وسوف تساعد المعارضة القوية والصحافة الحرة في توضيح هذه الأمور، مما يمكنها من تصحيح المسار، كما أن تعزيز الديمقراطية من شأنه أن يجعل الهند وجهة أكثر ثقة للمستثمرين الأجانب، ومزوداً أكثر موثوقية للخدمات التي تعتمد على البيانات المكثفة.

والعوامل التي يحتاج الناخبون إلى وزنها في الانتخابات الهندية ليست واضحة مثل التخلي عن الديمقراطية من أجل الرخاء، والواقع أن الاحتمال المخيف هو أن تتخلى الهند عن كليهما.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية