بين التوترات والمعاناة.. تحديات أمنية وسياسية تفاقم الأوضاع الإنسانية والحقوقية في الصومال
مع انسحاب أتميس
بتعثر واضح في مسار التحول الديمقراطي وسيادة القانون، يقف الصومال في انتظار دعم دولي لخفض معدلات انتهاكات حقوق الإنسان والنساء والأطفال والنازحين داخليا والأشخاص ذوي الإعاقة وأبناء العشائر الأقلية وغيرهم من الفئات الضعيفة والمهمشة.
ومؤخرا قدمت الخبيرة المستقلة المعنية بحالة حقوق الإنسان في الصومال إيشا ديفان، تقريرا إلى مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، دعا إلى تقديم مساعدة دولية إلى البلد الإفريقي الذي يواجه تأثيرات مناخية أدت إلى تفاقم المعاناة وفقدان سبل العيش وانتهاكات حقوق الإنسان.
وقالت ديفان إن الصراع بين حركة الشباب والسلطات الصومالية، "بدعم من القوى الإقليمية والدولية المتحالفة، لا يزال له تأثير مدمر على المدنيين بينما تستمر الصراعات العشائرية القاتلة حول الوصول إلى الموارد الطبيعية والسلطة السياسية في تعريض المدنيين للعنف والنزوح المتزايد".
وأعربت الخبيرة الأممية عن قلقها العميق إزاء استمرار أنماط انتهاكات حقوق الإنسان دون هوادة ضد الفئات الضعيفة، داعية الحكومة الفيدرالية الصومالية إلى اتخاذ تدابير ملموسة لضمان حمايتهم من جانب، والمجتمع الدولي إلى مواصلة مساعدته للصومال من أجل تعزيز مؤسسات حقوق الإنسان سواء في الحكومة الفيدرالية أو منظمات المجتمع المدني.
انتهاكات متشابكة
وتعد انتهاكات حقوق الإنسان في الصومال، مشكلة معقدة ومتعددة الجوانب، حيث تتأثر بالصراعات المستمرة، وغياب الاستقرار السياسي، وانهيار مؤسسات الدولة.
ويعاني البلد الإفريقي من العنف المسلح والجماعات المتطرفة، حيث تتسبب جماعة "حركة الشباب" في العديد من الانتهاكات، بما في ذلك الهجمات الإرهابية، والاغتيالات، والتفجيرات الانتحارية التي تستهدف المدنيين والمسؤولين، كما تتورط الجماعات المسلحة أيضاً في التجنيد القسري للأطفال واستخدامهم كمقاتلين.
وبشأن الانتهاكات ضد المرأة بالصومال، تنتشر ظواهر العنف الجنسي والاغتصاب والزواج القسري وختان الإناث خاصة في مناطق النزاع، إذ تتعرض النساء والفتيات للاغتصاب والانتهاكات الجسدية من قبل المقاتلين المسلحين والقوات الأمنية في ظل غياب القانون والنظام.
وبحسب التقارير الدولية، فإن الحرب الأهلية والمجاعة، تدفع العديد من السكان إلى الفرار من منازلهم، حيث يعيش اللاجئون والنازحون في ظروف إنسانية صعبة للغاية مع نقص في الغذاء والمياه والرعاية الصحية، كما يتعرضون أيضًا للاستغلال والانتهاكات من قبل الجماعات المسلحة والقوات الأمنية.
وفي ما يتعلق بحرية التعبير والإعلام، يعاني الصحفيون والنشطاء المعارضون للحكومة الفيدرالية الصومالية أو الجماعات المسلحة من تهديدات مستمرة بالاعتقال أو الاغتيال أو الاختطاف، إذ تصنف دولة الصومال كواحدة من أخطر البلدان بالنسبة للصحفيين، حيث يتم استهدافهم بناء على هويتهم المهنية.
ووفق تقديرات أممية، يعاني النظام القضائي في الصومال من الفساد وضعف البنية التحتية، حيث يُحرم المواطنون في بعض الأحيان من محاكمات عادلة، وتفرض العقوبات بطرق غير قانونية، بما في ذلك الإعدام العلني بدون محاكمة، إذ تعتبر المحاكم العشائرية والمحاكم الشرعية البديلة جزءًا من هذا النظام غير المنظم.
فيما تواجه الأقليات العرقية والدينية في الصومال تمييزًا واستبعادًا اجتماعيًا، حيث يُحرم أفراد الأقليات من الوصول إلى التعليم والوظائف والموارد والخدمات الحكومية والعامة، ويُجبرون أحيانًا على العمل القسري أو يُستغلون بطرق أخرى.
وبشكل عام تواجه الأوضاع الإنسانية في الصومال أزمة شديدة ومعقدة بسبب الظواهر المناخية المتطرفة، مثل الجفاف المتكرر والفيضانات ونقص الغذاء وندرة المياه النظيفة، إذ يعاني الملايين من سوء التغذية، كما يتزايد الاعتماد على المساعدات الدولية بصورة لافتة.
وتسعى العديد من المنظمات الأممية والدولية والمحلية إلى تقديم المساعدات الإنسانية والدفاع عن حقوق الإنسان في الصومال، لكن البيئة الأمنية الهشة وغياب الاستقرار السياسي وتزايد معدلات العنف وانتشار الجماعات المسلحة، تقوض هذه الجهود وتجعل من الصعب تنفيذ برامج فعالة ومستدامة.
توترات إقليمية
وأعلن الصومال انتهاء المرحلة الثالثة من انسحاب قوات حفظ السلام الإفريقية (أتميس) من البلاد، والتي تنتهي بحلول 31 ديسمبر المقبل، وذلك لتحل محلها قوة إفريقية أصغر، إلا أن سلطات مقديشو طلبت تأجيل انسحاب نصف القوات المقررة، وقوامها 4000 جندي، حتى شهر سبتمبر 2025.
وقال وزير الدفاع الصومالي عبدالقادر محمد نور، إن جيش بلاده استلم 27 قاعدة عسكرية من القوات الإفريقية، في خطة إطار تولي الجيش العملية الأمنية من القوات الإفريقية التي ستغادر البلاد نهاية العام الجاري.
وتسود توترات إقليمية شائكة بين الصومال وإثيوبيا، رغم التوقيع على مذكرة تفاهم بين البلدين في يناير الماضي، والتي تحصل إثيوبيا بموجبها على ممر إستراتيجي بطول 20 كيلومترًا في مياه خليج عدن، وميناء تجاري وقاعدة بحرية لقواتها البحرية، في المقابل تلتزم أديس أبابا بالاعتراف بأرض الصومال كدولة مستقلة، وتعطي لها حصة من الخطوط الجوية الإثيوبية.
ومؤخرا، أعرب القائم بأعمال الممثل الخاص للأمين العام للأمم المتحدة ورئيس بعثة تقديم المساعدة في الصومال، جيمس سوان، عن القلق إزاء التوترات الإقليمية المستمرة بين إثيوبيا و"أرض الصومال".
ودعا المسؤول الأممي، خلال إحاطته أمام جلسة لمجلس الأمن الدولي، إثيوبيا والصومال إلى العمل معا لإيجاد حل دبلوماسي لهذه القضية في إطار القانون الدولي، مشيدا بجهود الوساطة التي يبذلها الشركاء، بما في ذلك المحادثات التي استضافتها تركيا في أنقرة.
وحث جيمس سوان البلدين الإفريقيين على الانخراط بحسن نية في هذه الجهود الدبلوماسية وتجنب الإجراءات التي قد تؤدي إلى التصعيد، للحيلولة دون وقوع عواقب سلبية على الاستقرار في المنطقة، بما في ذلك التأثير المحتمل على الانتقال لما بعد انسحاب بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال.
تحديات أمنية
بدوره، قال نور محمد، الإعلامي والخبير السياسي الصومالي، إن انسحاب بعثة الاتحاد الإفريقي الانتقالية في الصومال ستكون له ارتدادات على الأوضاع الأمنية في البلاد، خاصة في ظل التحديات التي يواجهها الصومال في حربه ضد مقاتلي "حركة الشباب"، لأن هذا الانسحاب قد يترك فراغا أمنيا في المناطق التي كانت تحت سيطرة البعثة الانتقالية، ما قد يسمح للمقاتلين بإعادة التموضع والتمركز وفرض السيطرة على تلك المناطق.
وأضاف محمد في تصريح لـ"جسور بوست": "لكن الأمر ليس سوداويا لأن القوات الحكومية اكتسبت خبرات كثيرة في حربها ضد (حركة الشباب)، حيث خاضت في العام الماضي عمليات عسكرية دون دعم من قوات (أتميس) وحررت أكثر من 50 مدينة وقرية وبلدة كانت تخضع لسيطرة المقاتلين، ما قد يبشر بأنها قادرة على سد الفراغ المتوقع بعد انسحاب قوات البعثة الانتقالية، في حال توفرت لها إمكانات لوجيستية وتسليحها بأسلحة متطورة".
وتابع: "مع ذلك لن يختلف أحد على أن انسحاب هذه القوات سيثقل كاهل الحكومة الصومالية التي لا تزال تعاني من أزمات داخلية كالخلافات السياسية بين الحكومة والولايات الفيدرالية، إلى جانب الأزمة السياسية مع إثيوبيا التي بدأت بتهريب أسلحة إلى عمق الصومال لضرب الأوضاع الأمنية الداخلية في البلاد".
وعن انعكاسات الأزمة بين إثيوبيا والصومال على الأوضاع الداخلية، أوضح نور محمد أن التوترات الإقليمية المستمرة بين البلدين لها تداعيات كبيرة على الأوضاع الداخلية في الصومال، وخاصة في مجالات التنمية وحقوق الإنسان، إلى جانب أنها تؤثر سلبا على استقرار الحدود المشتركة بين البلدين، كما توقف التعاون الأمني بين البلدين في محاربة الإرهاب، ما يمنح مقاتلي "حركة الشباب" فرصة ذهبية لإعادة نفوذها من جديد لتنفيذ هجمات دامية في عمق البلدين.
ومضى قائلا: "أما في ما يخص التنمية فإن استقرار الأوضاع الداخلية في الصومال قد يجلب الاستثمار ويعزز الاقتصاد لكن في حال وجود خلافات وصراعات في الإقليم ستتأثر عجلة الاقتصاد في البلاد وستعطل جهود التنمية، ما قد يسبب زيادة البطالة وارتفاع التضخم في البلد المأزوم".
واختتم المحلل الصومالي حديثه بعبارة: "الأزمة الحالية بين البلدين لها ارتداداتها على وضع حقوق الإنسان بين الجانبين، وفي حال تطور الأمر إلى صراع عسكري، فإن هذا سيؤدي إلى تهجير ونزوح كبيرين وخاصة في المناطق الحدودية المشتركة مما يفاقم الأوضاع الإنسانية في الصومال".
انتكاسة أمنية
ووفق ما رآه بأن الصومال قد يتعرض خلال الأشهر المقبلة لـ"انتكاسة أمنية"، قال الصحفي والخبير الإثيوبي عبد الشكور عبد الصمد، إن انسحاب قوات حفظ السلام الإفريقية (أتميس) من الصومال واستبدالها بقوة أصغر منها عدديا، قد ينعكس جليا على الواقع الأمني والسياسي في الصومال، لا سيما في ظل عدم وجود قوات كافية في الجيش الوطني تتمتع بالقدر المطلوب من الكفاءة والمهارة في تجفيف منابع الإرهاب ومحاربة الجماعات المسلحة التي تسيطر على عدة مناطق بالبلاد.
وأوضح عبد الصمد، في تصريح لـ"جسور بوست"، أن التوترات والمناوشات بين إثيوبيا والصومال هي أقرب إلى صراع على الأجندات السياسية، لكن المشتركات والتوافقات التي تجمع البلدين أكبر من هذا النطاق الضيق من التجاذبات، مؤكدا أن السلطة في الصومال وإثيوبيا يجب أن تدرك الانعكاسات السلبية لهذه التوترات على الأمن السياسي والاجتماعي في البلدين والذي ينعكس بطبيعة الحال على الأوضاع في منطقة القرن الإفريقي.
وأضاف: "الصومال يعاني من ضعف وهشاشة التنمية وتدهور حاد في أوضاع حقوق الإنسان، لا سيما النساء والأطفال والمعاقين، وذلك نتيجة لعدم الاستقرار السياسي والاضطرابات الأمنية، الأمر الذي يجعل البلد الإفريقي يتحول إلى بيئة جاذبة للتنظيمات الإرهابية وطاردة للتنمية والحقوق والحريات والديمقراطية، ما ساهم بشكل مباشر في تدهور وتأخر الصومال في استعادة عافيته السياسية والأمنية.
ومضى الخبير الإثيوبي قائلا: "آليات مواجهة هذه التحديات المعقدة والمتشابكة في الصومال تحتاج إلى تنسيق إقليمي فاعل بين جميع دول الجوار، وهي جيبوتي وإثيوبيا وكينيا، إلى جانب الدول الأخرى الفاعلة إقليميا مثل تركيا والإمارات وقطر ومصر، بالإضافة إلى القوى الدولية مثل الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي".
وتابع: "تنسيق الجهود من شأنه التغلب على هذه التحديات ومعالجة الأزمات التي يشهدها الصومال، لبناء دولة على الأسس الديمقراطية السليمة، حتى يستعيد البلد الإفريقي زمام الأوضاع السياسية والأمنية والعافية الاقتصادية والاجتماعية".