منظمات أممية: غياب العدالة الصحية يقوّض جهود حماية الأطفال من الأوبئة

منظمات أممية: غياب العدالة الصحية يقوّض جهود حماية الأطفال من الأوبئة
الرعاية الصحية للأطفال - أرشيف

شهدت أوروبا وآسيا الوسطى تصاعدًا غير مسبوق في حالات الإصابة بمرض الحصبة، لتبلغ أعلى مستوياتها منذ عام 1997، بحسب ما أفادت به صحيفة "فايننشيال تايمز" في تقرير نُشر، اليوم الثلاثاء، استنادًا إلى بيانات منظمة الصحة العالمية (WHO) وصندوق الأمم المتحدة للطفولة (اليونيسف).

وارتفعت الإصابات المُبلّغ عنها من 60756 حالة في عام 2023 إلى 148974 حالة بنهاية 2024، في منطقة منظمة الصحة العالمية الأوروبية التي تضم 53 دولة، من بينها عدة دول في آسيا الوسطى.

ووفقًا للصحيفة البريطانية، فإن هذه الزيادة الحادة تأتي في ظل انخفاض معدلات التطعيم إلى ما دون مستويات ما قبل الجائحة، الأمر الذي يُهدد الإنجازات التي تحققت بجهد طويل في إطار برامج التحصين الجماعي.

وقالت مديرة قسم أوروبا وآسيا الوسطى في اليونيسف، ريجينا دي دومينيسيس: "من نواحٍ عدة، كان التطعيم ضحيةً لنجاحه.. لم يشهد جيل اليوم الأثر المدمر للأمراض التي يمكن الوقاية منها باللقاحات، مما أدى إلى التراخي وسهّل انتشار المعلومات المضللة".

عبء صحي يتفاقم

في تحليل مشترك صادر في مارس 2025 عن منظمة الصحة العالمية واليونيسف، ورد أن 40% من حالات الإصابة سُجلت بين الأطفال دون سن الخامسة، وأكثر من نصف الحالات تطلّبت دخول المستشفى، فيما بلغت الوفيات المؤكدة 38 حالة حتى مطلع مارس، بحسب ما نشرته منظمة الصحة العالمية بتاريخ 13 مارس 2025.

وفي تصريحات مشتركة من جنيف وكوبنهاغن، حذّر المدير الإقليمي لمنظمة الصحة العالمية في أوروبا، الدكتور هانز هنري ب. كلوغ، من أن "كل إصابة واحدة بالحصبة يجب أن تكون بمثابة دعوة للتحرك"، وأضاف: "فيروس الحصبة لا يهدأ أبدًا، ونحن كذلك يجب ألا نهدأ".

وأكد المركز الأوروبي للوقاية من الأمراض والسيطرة عليها (ECDC) في تقريره الصادر في مايو 2025 أن رومانيا سجّلت وحدها 87% من إجمالي الحالات الأوروبية خلال عام 2024، بما يعادل 30692 حالة، مع 22 حالة وفاة، معظمها لأطفال دون الخامسة، ما يعكس هشاشة المنظومة الوقائية الصحية هناك، كما سُجّلت أرقام مرتفعة في كازاخستان (28147 حالة)، والنمسا، وبلجيكا، وأيرلندا.

وحذّر المركز من أن "العودة إلى الأنماط الموسمية للحصبة، ولكن بمستويات مرتفعة على نحو ملحوظ، تشير إلى ضعف استجابة الأنظمة الصحية بعد الجائحة"، وذلك في تقرير نشره الموقع الرسمي للمركز الأوروبي للوقاية من الأمراض ومكافحتها  ECDC بتاريخ 29 مايو 2025.

أمريكا ليست بمنأى عن الخطر

شهدت الولايات المتحدة بدورها حالات متزايدة، فقد سُجّلت 900 إصابة بالحصبة خلال الربع الأول من عام 2025، وفقًا لتحديثات مركز الأبحاث والأمراض المعدية بجامعة مينيسوتا (CIDRAP) بتاريخ 15 أبريل 2025، وذكرت المنظمة أن الحالات الأمريكية تضاعفت 11 مرة مقارنة بنفس الفترة من عام 2024.

ورغم الجهود المبذولة، تستمر تحديات الوصول إلى المهاجرين، والمجتمعات المهمّشة، والمترددين في تلقي اللقاحات، ما يؤدي إلى بقع غير محصّنة في المجتمعات، ويسمح بعودة تفشيات أمراض كانت شبه منقرضة.

وأشارت منظمة الصحة العالمية في تقريرها الصادر في 28 مايو 2025 إلى أن "الارتفاع الكبير في حالات الحصبة يُعدّ مؤشرًا مقلقًا على تراجع تغطية اللقاحات عالميًا، وليس فقط في أوروبا".

وفي عام 2023، فات نصف مليون طفل في أوروبا الجرعة الأولى من لقاح الحصبة (MCV1)، وهي الجرعة الأساسية في التحصين ضد المرض.

وتُعد هذه الأرقام مثيرة للقلق على نحو خاص في السياق الحقوقي، إذ تُظهر إخفاق الدول في ضمان حق الطفل في الصحة، المنصوص عليه في المادة 24 من اتفاقية حقوق الطفل التي تنص على "الحق في التمتع بأعلى مستوى من الصحة يمكن بلوغه"، بما في ذلك الوقاية من الأمراض المعدية من خلال برامج تطعيم شاملة وعادلة.

وقالت ريجينا دي دومينيسيس في بيان صحفي صادر عن اليونيسف بتاريخ 28 مايو 2025: "لحماية الأطفال من هذا المرض المُنهك، نحتاج إلى إجراءات حكومية عاجلة، بما في ذلك الاستثمار المستدام في العاملين في مجال الرعاية الصحية، وسدّ فجوات التغطية، وتعزيز الثقة في اللقاحات".

التردد في تلقي اللقاحات

أحد المحاور البارزة التي رصدتها "فايننشيال تايمز" هو تصاعد ظاهرة التردد في تلقي اللقاحات، والتي تضرب حتى الدول ذات الدخل المرتفع، فوفقًا للصحيفة، فإن تعيين روبرت إف كينيدي، المعروف بتشككه في اللقاحات، في منصب وزير الصحة الأمريكي، زاد من المخاوف بشأن انتشار المعلومات المضللة وتأثيرها في الصحة العامة.

كينيدي كان قد أثار جدلًا واسعًا بتشكيكه في سلامة لقاح السعال الديكي، رغم أن المرض عاد بقوة إلى أوروبا، إذ سُجّل 300 ألف حالة خلال عام 2024، بحسب منظمة الصحة العالمية.

ويوصي خبراء الصحة العامة بضرورة اتخاذ عدة تدابير عاجلة، منها: تعزيز حملات التطعيم المجتمعية،سدّ الفجوات المناعية في صفوف الأطفال واللاجئين، مواجهة المعلومات المضللة من خلال حملات توعية مدعومة بالأدلة، استثمار الحكومات في البنية التحتية الصحية للوصول إلى الفئات المحرومة.

وقال الدكتور ديفيد إليمان، الأستاذ الفخري بكلية لندن الجامعية: "المطلوب ليس فقط لقاحًا متاحًا، بل أيضًا ثقة عامة، ومهنيون صحيون مدربون قادرون على شرح فوائد اللقاحات وتبديد المخاوف المشروعة".

ومع استمرار انتشار الحصبة في أوروبا وأمريكا، وتزايد الحالات بين الأطفال غير المُطعّمين، أصبح من الضروري النظر إلى التلقيح كحق أساسي من حقوق الإنسان وليس فقط أداة طبية، إن فشل الدول في ضمان تغطية تطعيم شاملة للجميع، خاصة للأطفال والمجتمعات الضعيفة، يُشكل انتهاكًا واضحًا للحق في الصحة ويعرّض حياة الملايين للخطر.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية