قضية إبستين.. ترامب يصعّد معركته ضد الإعلام الأمريكي ويطالب بتعويضات
قضية إبستين.. ترامب يصعّد معركته ضد الإعلام الأمريكي ويطالب بتعويضات
سجّلت الولايات المتحدة قضية جديدة في سلسلة النزاعات التي تعكس التوتر المتزايد بين الصحافة والسلطة السياسية، بعدما اتهم الرئيس دونالد ترامب صحيفة "وول ستريت جورنال" بتشويه سمعته عبر نشر تقرير يشير إلى مراسلة مزعومة بينه وبين جيفري إبستين، المتهم بالاتجار الجنسي بالأطفال.
القضية، التي رفعها ترامب في محكمة فيدرالية بفلوريدا، ليست مجرد خلاف قانوني، بل هي نموذج حي لمعركة أوسع تدور حول حدود حرية التعبير، واستغلال القضاء أداةً لتقويض الصحافة الناقدة.
ووسط تصاعد دعاوى التشهير ضد وسائل الإعلام، تطرح هذه القضية تساؤلات عميقة حول مستقبل العمل الصحفي في بيئة سياسية شديدة الاستقطاب، وحول قدرة الشخصيات العامة على اللجوء إلى القانون لحماية سمعتها دون تقويض المصلحة العامة.
واستند ترامب في دعواه إلى أن المقال المنشور "شَوّه سمعته أمام الرأي العام، وألحق أضرارًا مهنية وسياسية فادحة به"، واعتبر أن ما نُشر يتجاوز حرية التعبير إلى ما وصفه بـ"النية الخبيثة"، مؤكدًا أن الرسالة موضوع التقرير لا وجود لها أصلًا.
بحسب ما نقلته صحيفة "فايننشال تايمز"، طالب ترامب بتعويضات لا تقل عن 10 مليارات دولار، متهمًا الصحيفة وشركتها الأم "نيوز كورب"، بالإضافة إلى ناشرها "داو جونز"، ومالكها روبرت مردوخ، بـ"أفعال متعمدة تنطوي على سوء نية وتشويه متعمَّد للحقائق".
مواجهة شاملة ضد الإعلام
سعى ترامب، وفق نص الدعوى، إلى عقد جلسات محاكمة أمام هيئة محلفين فيدرالية، معلنًا أن قضيته لا تخصه وحده، بل تمثّل، على حد تعبيره، "مواجهة شاملة ضد ما وصفه بالإعلام الكاذب الذي دأب على اغتيال السمعة دون تحقق ولا مساءلة".
وتحتوي الشكوى، كما أوردت "بوليتيكو"، على اتهامات مباشرة ضد صحفيي "وول ستريت جورنال" خديجة صفدار وجو بالازولو، اللذين كتبا التقرير الذي زعم أن ترامب أرسل لإبستين، بمناسبة عيد ميلاده الخمسين، بطاقة تحوي "رسمًا فاحشًا" وعبارة تقول: "أتمنى أن يكون كل يوم سرًا رائعًا آخر".
واتهم ترامب فريق التحرير بـ"التدليس المقصود"، مشيرًا إلى أنه مارس ضغوطًا مباشرة على إدارة الصحيفة لمنع النشر قبل خروج التقرير للعلن، واعتبر، في منشورات لاحقة، أن الأمر لا يتعلق بخطأ عارض بل بـ"تصفية حسابات إعلامية يقودها مردوخ"، مؤسس "نيوز كورب".
وأوردت "الغارديان" أن ترامب لم يكتفِ بالدعوى، بل طالب المدعية العامة بام بوندي بتحريك طلب رسمي إلى المحكمة الفيدرالية للكشف عن محاضر هيئة المحلفين الكبرى في قضية إبستين، مؤكدًا أن ما يجري "جزء من محاولة لإخفاء معلومات عن الرأي العام".
الصحيفة تتمسك بمصداقيتها
وفي أول رد رسمي، قالت شركة "داو جونز"، الناشرة لـ"وول ستريت جورنال"، إنها "واثقة تمامًا من دقة تقاريرها" وإنها "ستدافع بقوة عن حقها في النشر"، مشددة على أن التقرير استند إلى مصادر موثوقة، وجاء في إطار تحقيق صحفي مشروع.
وأكدت "فايننشال تايمز" أن الصحيفة رفضت التراجع أو الاعتذار، ما يزيد من احتمالات تصعيد القضية نحو مواجهة قضائية طويلة الأمد بين مؤسسة إعلامية نافذة ورئيس سابق يعتزم الترشح مجددًا للبيت الأبيض.
وبينما ينظر فريق ترامب إلى الدعوى كخطوة لاستعادة "شرف سياسي مُنتهك"، رأت مؤسسات حقوقية وصحف دولية أن الدعوى تندرج ضمن ما يُعرف بدعاوى SLAPP، أي "الدعاوى القضائية الاستراتيجية ضد المشاركة العامة"، وهي قضايا تُستخدم لترهيب وسائل الإعلام واستنزافها ماليًا ومعنويًا.
وفقًا لتحليل "الغارديان"، فإن محاولة ترامب لمنع النشر ثم المطالبة بالتعويض تمثل نموذجًا واضحًا لهذا النوع من الدعاوى، الذي بات يُعد خطرًا متزايدًا على الصحافة الاستقصائية في الولايات المتحدة.
تحديات قانونية أمام ترامب
تشير الدعوى إلى خرق محتمل لمعايير التحقق الصحفي، لكنها تضع ترامب أمام اختبار صعب، فلكي يكسب قضية تشهير يجب عليه بموجب القانون الأمريكي إثبات أن "وول ستريت جورنال" نشرت القصة بمعرفة مسبقة بأنها كاذبة أو في ظل تجاهل متعمد للحقيقة، وهو ما يُعرف قانونيًا بـ"النية الفعلية" (Actual Malice).
نقلت "بوليتيكو" عن خبراء قانونيين قولهم إن "ترامب سيواجه صعوبة كبيرة في إثبات هذا المعيار الصارم، ما لم يتمكن من كشف تواطؤ داخلي أو تزييف صريح".
وكان إبستين، الذي توفي في زنزانته عام 2019، معروفًا بعلاقاته الواسعة مع شخصيات بارزة، من بينهم ترامب، الذي استقبل إبستين في منتجع مار-إيه-لاغو مرات عدة في بداية الألفية، إلا أن ترامب أنكر لاحقًا وجود أي علاقة شخصية، ووصف إبستين بـ"الشخص المزعج".
مراجعة رسمية سابقة
بحسب "فايننشال تايمز"، فإن وزارة العدل الأمريكية أوضحت، في مراجعة رسمية سابقة، أنها لم تعثر على "قائمة عملاء" أو أدلة تُثبت ابتزاز إبستين لشخصيات عامة، وهو ما شكك فيه بعض مؤيدي ترامب، معتبرين أنه تم التستر على وثائق حساسة.
بالنظر إلى المسار العام للدعوى، يبدو أن القضية تتجاوز مجرد "رسالة مشكوك في صحتها"، لتتحول إلى معركة رمزية على من يتحكم في سردية الحقيقة، فبالنسبة لترامب، فإن الإعلام السائد هو خصم سياسي يُمكن مقاضاته وتحميله مسؤولية كل أزمة تواجهه، أما بالنسبة للصحافة فالدعوى تشكل تهديدًا مباشرًا لحق الجمهور في المعرفة، ولحرية النشر والبحث.