صرخات خلف جدران الاعتقال.. نساء الفاشر في مواجهة العنف الممنهج
صرخات خلف جدران الاعتقال.. نساء الفاشر في مواجهة العنف الممنهج
في قلب مدينة الفاشر، عاصمة ولاية شمال دارفور، تختبئ قصص مأساوية خلف جدران منشآت تحولت إلى مراكز اعتقال سرية، حيث تُحتجز عشرات النساء والفتيات في ظروف قاسية، ويُجبر بعضهن على الزواج القسري أو يتعرضن لانتهاكات جنسية أفضت إلى حالات حمل غير طوعي.
هذه ليست حوادث فردية، بل -وفق تقارير حقوقية- سياسة ممنهجة تمارسها قوات الدعم السريع لإخضاع المجتمعات المحلية عبر استهداف النساء، بما يمثّل انتهاكًا صارخًا للقانون الإنساني الدولي.
وكشف مرصد شمال دارفور لحقوق الإنسان في بيان، الأحد، أن قوات الدعم السريع تحتجز النساء في موقعين رئيسيين يخضعان لسيطرتها منذ بدء حصار الفاشر في أبريل 2024، مقر الإمدادات الطبية جنوب شرق المدينة، ومعسكر جديد السيل في طرفها الشرقي.
وبحسب شهادات محلية وتحقيقات ميدانية، فإن بعض النساء أجبرن على الزواج القسري داخل هذه المراكز، فيما أكدت تقارير أخرى تعرض محتجزات لاغتصاب أدى إلى حالات حمل.
وأشار المرصد إلى أن العدد الدقيق للمحتجزات يظل مجهولًا، بسبب الحصار الأمني الصارم الذي تفرضه القوات على المدينة، والتكتم الذي يسود حتى بين العائلات خوفًا من الانتقام.
العنف الجنسي كسلاح حرب
أدان المرصد استخدام العنف الجنسي كأداة لإرهاب المجتمعات وتفكيك نسيجها الاجتماعي، مؤكدًا أن استهداف النساء بهذا الشكل يضرب أحد أهم ركائز الاستقرار الإنساني.
واعتبر البيان أن هذه الانتهاكات قد ترقى إلى جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، وهو ما يستدعي تحقيقًا دوليًا عاجلًا ومستقلًا.
تأتي هذه الكارثة الإنسانية بعد أسابيع من تقرير وحدة مكافحة العنف ضد المرأة والطفل في السودان، التي وثّقت في يوليو الماضي 1385 حالة اغتصاب ارتكبت في مناطق كانت تحت سيطرة قوات الدعم السريع، بما في ذلك معسكر زمزم للنازحين، الذي شهد موجات واسعة من العنف الجنسي ضد النساء والفتيات.
مأساة متعددة الأبعاد
لا تقتصر معاناة النساء على الانتهاكات داخل مراكز الاحتجاز، بل تمتد إلى الظروف المعيشية القاسية التي فرضها الحصار الخانق على الفاشر، آخر معقل حضري في دارفور لا يزال تحت سيطرة الجيش السوداني.
ومع استمرار النزوح الجماعي وتدهور الوضع الإنساني، تتفاقم المخاطر على النساء والفتيات، اللاتي يجدن أنفسهن بين خيارين أحلاهما مر.. البقاء تحت الحصار أو الفرار عبر طرق محفوفة بالخطر.
وطالب المرصد المجتمع الدولي، وعلى رأسه الأمم المتحدة واللجنة الدولية للصليب الأحمر، بالتحرك الفوري للكشف عن مصير المحتجزات وضمان سلامتهن النفسية والجسدية، إضافة إلى توفير ممرات آمنة لإجلاء المدنيين، ومساءلة المسؤولين عن هذه الجرائم أمام المحاكم الدولية.
هذه الشهادات ليست مجرد أخبار عابرة، بل نداء استغاثة من نساء حوصرن بين جدران الاعتقال وصمت العالم. كل يوم يمر دون تدخل، يعني مزيدًا من المعاناة، ومزيدًا من الأرواح التي تتحطم بصمت في قلب دارفور.