أليس بيالياتسكي.. سجين الحرية الذي وحد الحركة الحقوقية في بيلاروسيا
أليس بيالياتسكي.. سجين الحرية الذي وحد الحركة الحقوقية في بيلاروسيا
في الرابع من أغسطس كل عام، يقف المدافعون عن حقوق الإنسان في بيلاروسيا وحول العالم في لحظة تضامن صامتة وصاخبة في آن، إنه اليوم الدولي للتضامن مع المجتمع المدني وحركة حقوق الإنسان في بيلاروسيا، يومٌ اختير ليُخلّد ذكرى اعتقال أليس بيالياتسكي عام 2011، المدافع الذي كان صوته صوتًا للآخرين، قبل أن يُسكتوه خلف القضبان.
تتذكر المدافعة ألينا لابتسيوناك تلك الفترة المضطربة فتقول وفقاً لموقع "spring96": "اعتقل أليس في أغسطس 2011 مع بداية انحسار موجة القمع التي أعقبت الانتخابات الرئاسية في بيلاروسيا خلال ديسمبر 2010.
وقتها، اعتُقل عشرات النشطاء السياسيين، من بينهم مرشحون للرئاسة، واحتُجزوا على ذمة تهم جنائية ملفقة. بدا وكأن النظام يريد طي الصفحة مع حلول الصيف، فأُطلق سراح بعضهم بعفو رئاسي، لكن في تلك اللحظة تحديدًا، جاء اعتقال أليس، لم يكن منطقيًا، لكنه كان رسالة صارخة بأن القمع لم ينتهِ، بل سيطول كل من يجرؤ على الدفاع عن الآخرين".
وتابعت: "ولأنهم أرادوا إخفاء الدوافع الحقيقية، وُجهت له تهمة جنائية، لا صبغة سياسية لها -ظاهريًا- لكن في الواقع، كانت جريمته الوحيدة دفاعه عن حقوق الإنسان".
إرث من التضامن
بعد محاكمة غير عادلة، حُكم على أليس بالسجن أربع سنوات ونصف السنة، وخلال وجوده خلف القضبان، أعاد المجتمع الدولي انتخابه نائبًا لرئيس الاتحاد الدولي لحقوق الإنسان لولاية ثالثة استثنائية، لكن لأنه لم يكن قادرًا على أداء مهامه، استُبعد لاحقًا.
وبدعم واسع من منظمات دولية، أُعلن عام 2012 عن إطلاق اليوم الدولي للتضامن مع المجتمع المدني في بيلاروسيا، ليصبح الرابع من أغسطس رمزًا للتحدي، وللذكرى وللرفض الجماعي للصمت.
تروي ألينا: "حين أُطلق هذا اليوم، كان بمنزلة موعد سنوي نُذَكّر فيه العالم بأن النظام البيلاروسي لا يزال يسجن الناس بسبب آرائهم، وأن النضال من أجل الديمقراطية لم يتوقف، ومع مرور الوقت، دخلت بيلاروسيا في فترة بدا فيها وكأن هناك دفئاً نسبيّاً وعلاقات أكثر تعاونًا مع الغرب، فخفّ بريق هذا اليوم قليلًا. لكن بالنسبة لنا نحن المدافعين عن حقوق الإنسان، ظل هذا التاريخ يحمل معنى عميقًا: أن القمع منهجي ومتجذر، ولا يرتبط بلحظة سياسية واحدة".
اليوم، لا يزال أليس مسجونًا مجددًا بسبب عمله في الدفاع عن الحقوق. لم يتغير الشيء الأهم: إرادة الدولة في إخماد أصوات الناشطين، وإصرار هؤلاء على عدم السكوت.
قمع لا ينتهي
بعد احتجاجات 2020 الواسعة التي هزّت بيلاروسيا مطالبة بالتغيير الديمقراطي، دخلت البلاد مرحلة جديدة من القمع الممنهج. في 14 يوليو 2021، اعتُقل أليس مرة أخرى برفقة عدد من المدافعين عن حقوق الإنسان. وفي فبراير 2021، شُنّت أكثر من مئة حملة مداهمة وتفتيش استهدفت ناشطين سياسيين ومدنيين.
لكن الرابع من أغسطس يذكّر الجميع بأن جذور هذا القمع أعمق من تلك التواريخ الأخيرة، تقول ألينا: "علينا أن نوضح لجيل الشباب الذي كان حينها -طفلًا كان أو مراهقًا- أن حلم التغيير والديمقراطية في بيلاروسيا لم يولد عام 2020؛ بل هو أقدم، وامتداد لنضال استمر لعقود".
مركز فياسنا لحقوق الإنسان، الذي أسسه أليس ورفاقه، سيكمل قريبًا عامه الثلاثين، ثلاثون عامًا من العمل لتوثيق الانتهاكات، ومساندة الضحايا، والدفاع عن أبسط الحقوق في مواجهة منظومة لا تقبل النقد، عمر فياسنا يقارب عمر بيلاروسيا المستقلة نفسها، كأنهما توأمان أحدهما يدافع، والآخر يضيق صدره بالنقد.
إن سرد قصة أليس ورفاقه ليس مجرد استعادة تاريخ مظلم، بل تذكير أن المدافعين عن حقوق الإنسان ليسوا أرقامًا أو عناوين في تقارير إخبارية، بل أشخاص ضحّوا بحريتهم دفاعًا عن حرية الآخرين، هو أيضًا تذكير بأن حقوق الإنسان لا تُهدى، بل تُنتزع بالتضحيات والشجاعة.
تقول ألينا: "اليوم، هناك كثير من الأسماء الجديدة في قوائم السجناء السياسيين، لكن لا يجوز أن ننسى أولئك الذين سبقوهم، الذين دفعوا الثمن ليبقى صوت المجتمع المدني حاضرًا".
ذاكرة تُقاوم النسيان
يستمر هذا اليوم، بعد أكثر من عقد على إطلاقه، جسراً بين الماضي والحاضر، بين سجناء الأمس وسجناء اليوم. هو شهادة على أن المعركة من أجل العدالة في بيلاروسيا ليست وليدة لحظة أو أزمة راهنة، بل مسار طويل من المقاومة والصمود.
والأهم، أنه يعلّم الأجيال الجديدة أن التضامن ليس فقط كلمة أو شعارًا، بل فعلٌ متجدد، وأن الدفاع عن الحقوق، حتى في وجه السجن والقمع، يترك أثرًا أبعد من جدران الزنازين.