بين الاستيطان والقصف.. ما الذي تبقى من أفق الدولة الفلسطينية؟

بين الاستيطان والقصف.. ما الذي تبقى من أفق الدولة الفلسطينية؟
الاستيطان الإسرائيلي

 

 

حذرت الأمم المتحدة مجدداً من ذروة التدهور السياسي والإنساني المتزامنة في الأراضي الفلسطينية الواقعة تحت السيطرة الإسرائيلية، لافتة إلى أن الخطوات المتسارعة لبناء مستوطنات في منطقة "إي 1" شرقي القدس من شأنها أن تقطع الضفة الغربية إلى شطرين وتدمر إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة، وفي الوقت نفسه تتصاعد العمليات العسكرية والقصف على قطاع غزة بما يهدد بكارثة إنسانية أوسع وما يترتب عليه من انتهاكات لقواعد حماية المدنيين. 

منطقة "إي 1" هي شريط أرضي بين شرق القدس ومستوطنة معاليه أدوميم، وقد ظل مشروع البناء فيها محل خلاف دولي لعقود لأن أي تطوير واسع فيها سيقطع المساحة الجغرافية المتاحة للضفة الغربية إلى شمال وجنوب، ويعزل القدس الشرقية عن بقية الضفة، والإعلان الأخير عن خطط لبناء آلاف الوحدات السكنية في “إي 1” أُعلن عنه رسمياً من قِبل مسؤولين إسرائيليين، ما أثار استنكاراً دولياً واسعاً رأى فيه الكثيرون نهاية فعلية لإمكانية حل الدولتين. وفق "أسوشيتدبرس"

البعد القانوني

المحكمة الدولية أصدرت في 19 يوليو 2024 رأياً استشارياً يؤكد أن سياسات التوسع الاستيطاني والملحقات المرتبطة بها تنتهك القانون الدولي وتترتب عليها التزامات للدول والأمم المتحدة بعدم تقديم دعم أو شرعية لهذه الممارسات، وعلى ضوء ذلك تؤكد الأمم المتحدة أن مواصلة البناء في منطقة "إي 1" لا تتناقض فقط مع قواعد الاحتلال بل تُعد إجراءً يمس جوهر حل الدولتين، ودعت إلى التراجع الفوري عن أي خطوات تنفيذية، والإدانة هنا ليست انعكاساً لقرار سياسي فحسب بل لبُعد قانوني صريح يضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية فعلية لمنع تداعيات يصعب عكسها. 

التأثير السياسي والجيواستراتيجي

تحويل "إي 1" إلى نواة للتوسع الاستيطاني يعني خلق وقائع على الأرض تحول دون التوصل إلى تسوية تُكفل دولة فلسطينية متصلة جغرافياً، وهذه الخطوة لا تؤثر على خرائط وحدها، بل تعيد تشكيل التوازن السياسي، إنها تقوّي رواية ضمّ تدريجي وتفرض وقائع جديدة أمام أي مفاوضات مستقبلية، وتشير ردود الفعل الدولية من حكومات ومنظمات أوروبية ودولية إلى رفض واسع، لكن غياب آلية إنفاذ فعّالة يرفع التساؤل عن قدرة المجتمع الدولي على منع أو عكس مثل هذه الخطوات. 

التداعيات الإنسانية في غزة

في الوقت ذاته تشهد غزة تكثيفاً للقصف والعمليات العسكرية البرية المحتملة، وهو ما يحوّل الأرض إلى مسرح نزوح جماعي. التقارير الأممية تؤكد أن منذ منتصف مارس صدرت أوامر نزوح لمساحات شاسعة من القطاع تغطي نسبة تتراوح بين ما يقارب أربعة أخماس إلى أكثر من أربعة أخماس المساحة الكلية (تُذكر أرقام بين 81 و86 في المئة بحسب تحديثات مختلفة)، وأن الملايين واجهوا نزوحاً متكرراً وفقدان أماكن اللجوء الآمنة، وتحذر الأمم المتحدة من أن أي عملية برية واسعة ستدفع آلاف العائلات التي تعيش ظروفاً إنسانية مروعة إلى حافة الانهيار، مع نقص خطير في إمكانية وصول المساعدات والإمدادات. 

حقوقيون محليون ودوليون.. لغة اتهام وتوصيات عاجلة

وقد رفعت منظمات حقوقية دولية ومحلية على رأسها "هيومن رايتس ووتش" و"العفو الدولية" و"بتسليم" لهجة الانتقاد إلى درجة الاتهام أحياناً، فقد وصفت منظمات إسرائيلية محلية ووطنية مثل بتسيلم الوضع في غزة بأنه أقرب إلى وصف الإبادة أو الجريمة ضد الإنسانية في تقييمات حملت نبرة الاستعجال للمساءلة، بينما طالبت منظمات دولية مثل العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش بفتح تحقيقات مستقلة ومحاسبة المسؤولين عن استهداف المدنيين والبنية التحتية وشل وصول المساعدات، كذلك دعت منظمات فلسطينية حقوقية إلى توسيع الجهود لدعم المسارات القانونية أمام المحاكم الدولية والضغط الدبلوماسي لوقف عمليتي التهجير وقضم الأراضي في الضفة، وهذه المواقف تعكس قلقاً قانونياً وعملياً من تآكل حماية المدنيين ومن ممارسات تهدد استحالة الحل السياسي.

واقع متأزم

أبرز الأرقام التي تُحدّد أفق الأزمة اليوم هي مئات آلاف النازحين داخلياً في قطاع غزة جراء أوامر النزوح المتتالية، وتشير تقديرات “الأونروا” و"أوتشا" إلى أن نحو أربعة أخماس القطاع صار داخل مناطق عسكرية أو خاضعاً لأوامر نزوح، كما تشير تقارير صحفية ورسمية إلى خطط بناء ثلاثة آلاف وحدة سكنية أو أكثر في منطقة "إي 1" تستهدف ترسيخ وجود استيطاني كبير، كما يظل عدد المستوطنين في الضفة والقدس في مستوى يفوق مئات الآلاف، ما يزيد من حجم البدائل الواقعية لمساحة الدولة الفلسطينية. 

يذكر أن مشروع “إي 1” ليس جديداً، لقد ظل على جدول الأجندة الإسرائيلية منذ التسعينيات كوسيلة لربط القدس الشرقية بمعاليه أدوميم، وتوسيع الاستيطان في “إي 1” لا ينسجم مع أي استراتيجية لإقامة دولة فلسطينية متصلة، بينما القتل والتدمير في غزة يعززان الشروخ ويزيدان من احتمالات العنف المستمر، وبحسب منظمة العفو الدولية والأمم المتحدة فإنه أمام المجتمع الدولي ثلاثة خيارات فعلية تشمل تكثيف الضغوط الدبلوماسية والمؤسساتية لوقف البناء، زحماية ممرات إيصال المساعدات وإنهاء أوامر النزوح الجماعي، ودعم آليات محاسبة دولية ذات مصداقية. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية