صربيا على شفا انفجار جديد.. الشرطة تلجأ للقمع مع عودة الاحتجاجات
صربيا على شفا انفجار جديد.. الشرطة تلجأ للقمع مع عودة الاحتجاجات
عاد آلاف المعترضين مجددا إلى الشوارع في بلغراد ونوفي ساد ومدن أخرى، في استمرار لموجة احتجاجات بدأت قبل نحو تسعة أشهر وطفا عليها غضب شعبي جديد بعد اشتباكات عنيفة خلال الأيام الماضية بين محتجين ومؤيدي الرئيس ألكسندر فوتشيتش، والشرطة.
تصاعد التوتر بعدما احتدمت المواجهات خلال الأيام السابقة وأُبلغ عن إصابات واحتجاز عشرات الأشخاص، فيما استخدمت قوات مكافحة الشغب الغاز المسيل للدموع لحمل المتظاهرين على التراجع في مواقع عدة، وفق "أسوشيتد برس".
الشرارة المباشرة كانت انهيار سقف محطة قطار مجددة في نوفي ساد، ما أدى إلى مقتل 16 شخصًا وأشعل غضبًا واسعًا اتهم الناس فيه السلطات بالإهمال والفساد، وطالب الطلاب والمجتمع المدني بإجراءات فورية ومحاسبة المسؤولين، وسرعان ما امتدت الاحتجاجات، التي قادها في البداية طلاب الجامعات، لتشمل قطاعات أوسع تطالب بإجراء انتخابات مبكرة ووضع حد لما يعتبرونه حكمًا استبداديا.
توسع الانتشار وقسوة الرد الأمني
الاحتجاجات لم تقتصر على العاصمة، حيث أكدت وزارة الداخلية أن التظاهرات شملت نحو تسعين موقعًا في أنحاء البلاد، بينما أفادت تقارير صحفية بتوقيفات وإصابات في مواجهات متفرقة، واندلاع أعمال تكسير واعتداء على مكاتب حزب السلطة في نوفي ساد، وأظهرت مشاهد على مواقع التواصل ضربات عنيفة تعرض لها متظاهرون، بمن في ذلك شخصيات معارضة أُصيب رأسها، فيما وصف بعض المشاركين الليالي الأخيرة بأنها الأكثر عنفًا منذ انطلاق الحركة الاحتجاجية.
المتظاهرون يرفعون شعارات توحّد بين المطالبة بالتحقيق في كارثة نوفي ساد ومحاسبة الفاسدين، ونداءات لإطلاق سراح المعتقلين وضمان حرية الإعلام والمجتمع المدني، الحركة بقيت في جوهرها طلابية ومدنية، لكن الدخول العنيف لمؤيدي السلطة واستعمال القوة من قبل عناصر الأمن أظهرا تحولًا في ديناميكيات الشارع، وتحويل المطالب المدنية إلى ما يشبه صراع وجودي على شكل الحكم في دولة صربيا المعاصرة.
ردود فاعلة من منظمات حقوقية وهيئات أممية
لم تغب الأصوات الحقوقية، فقد أدانت منظمات دولية مثل "منظمة العفو الدولية" و"هيومن رايتس ووتش" استخدام القوة المفرطة وطلبت فتح تحقيقات سريعة ومحايدة في ما ورد من انتهاكات، كما حثت مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان صربيا على احترام الحق في التجمع والسلمية ووقف القمع.
كما طالب خبراء أمميون الحكومة بإنهاء المحاولات القمعية ضد الحركة الطلابية وبتعزيز حماية الحق في الاحتجاج وضمان عدم الإفلات من العقاب بالنسبة لمن يمارسون العنف ضد المتظاهرين، وتضيف هذه التحذيرات الدولية ضغطًا على السلطات وتدفع النقاش الدولي إلى اعتبار ما يجري اختبارًا لالتزامات صربيا بحقوق الإنسان.
اتهامات وتأهب أمني
السلطات وصفت الاحتجاجات في كثير من المناسبات بأنها مدفوعة بتأثيرات خارجية أو مستغلة لمنفذين عنف، فيما توعد مسؤولو الأمن باتخاذ خطوات صارمة ضد من يخرقون القانون، هذه اللغة الأمنية رافقتها عمليات توقيف وحملات استدعاء ومزيد من الوجود الشرطي في الشوارع، ما عزز مخاوف ناشطين من تحول الدولة إلى آلية قمع أكثر انتظامًا ضد المعارضة السلمية، المقاربة الأمنية قد تؤدي إلى مزيد من التصعيد بدل احتواء الغضب الشعبي إذا لم يقترن ذلك بخطوات سياسية لمعالجة المطالب الأساسية.
الاضطرابات ليست فقط تصادمًا بين متظاهرين وشرطة، بل مؤشراً على أزمة ثقة أعمق في مؤسسات القضاء، والإعلام، والهياكل الرقابية، وأثارت سنوات من شكاوى عن تزايد نفوذ السلطة التنفيذية على الإعلام والقضاء وسياسات اقتصادية سخط فئات واسعة، كما يعرقل استمرار القمع ومشاهد العنف في الشوارع فرص الحوار ويقوّي سردية الاستقطاب، ويهدد نهج الانتقال الديمقراطي الذي كانت تربطه صربيا بطموح الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي.
الالتزامات الدولية وقواعد التقيّد بالقوة
القانون الدولي لحقوق الإنسان يفرض على الدول مبدأ التناسب والضرورة في استعمال القوة وواجب حماية حرية التجمع السلمي. منظمات حقوقية طالبت بضمان تحقيقات فعالة ومستقلة في حالات العنف الشرطي، وبحماية خصوصية الطلاب والناشطين من ممارسات انتقامية مثل الاعتقالات التعسفية والملاحقات القضائية الانتقائية، وعدم الامتثال لهذه المعايير قد يعرّض صربيا لمزيد من نقد شركائها الأوروبيين وقد يؤثر على علاقاتها ومكانتها أمام آليات حقوق الإنسان الدولية، وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
توصيات حقوقية
لإنهاء الأزمة أوصت منظمات أممية وحقوقية منها المفوضية السامية لحقوق الإنسان ومنظمة العفو الدولية بفتح تحقيقات مستقلة وسريعة في الانتهاكات الميدانية التي سببت إصابات واعتقالات، مع ضمان حماية الشهود والضحايا، كما حثت السلطات على الاستجابة لمطلب الشفافية في ملف انهيار محطة نوفي ساد وتقديم جدول زمني لمحاسبة المتورطين بناء على نتائج تحقيقات فنية ومحايدة، وأكدت أنه ينبغي على شركاء صربيا الأوروبيين والحقوقيين مطالبتها بوقف العنف ضد المتظاهرين والدفع بخطوات ملموسة نحو إصلاحات مؤسساتية تعيد بناء الثقة، إلى جانب تشجيع حوار وطني يشمل طلابًا ومجتمعًا مدنيًا وأحزابًا مع ضمان معايير حرة ونزيهة للانتخابات.
تعود جذور الحركة الاحتجاجية الحالية إلى حادثة سقوط سقف محطة قطار مجددة في نوفي ساد التي قتلت 16 شخصًا، ما جلب إلى السطح شكاوى أوسع حول الفساد والإهمال المؤسسي، ومنذ ذلك الحين تظاهر طلاب الجامعات ومجموعات مدنية تطالب بإصلاحات سياسية ومساءلة المسؤولين التنفيذيين والبلديين.
وقد وثقت تقارير حقوقية سنوية وصادرة عن مؤسسات مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمات أممية في السنوات الماضية تزايدًا في القيود على الحريات الإعلامية والحقوق المدنية في صربيا، وهو ما يفسر حساسية الساحة تجاه أي استخدام غير متناسب للقوة، التوترات الحالية تجري في سياق بلد يسعى رسمياً إلى مسار انضمام أوروبي لكنه يحتفظ بعلاقات ثنائية قوية مع قوى إقليمية مختلفة، مما يعقد حسابات الضغط الخارجي والدوافع الداخلية للإصلاح.