الجوع في مدارس إيران.. إغماءات الطلاب تكشف فقر الريف الإيراني وسوء التغذية
الجوع في مدارس إيران.. إغماءات الطلاب تكشف فقر الريف الإيراني وسوء التغذية
على طرق ترابية تمتد بين القرى والجبال، يغادر أطفال المدارس في الريف الإيراني منازلهم مع الفجر، يسيرون بين عشرين دقيقة وساعة ونصف، كثيرون منهم بلا إفطار، في طوابير الصباح، يتهاوى بعضهم من الإعياء.
شهادات معلمين ونشطاء اجتماعيين نشرتها صحيفة شرق الإيرانية رسمت ملامح أزمة صامتة في مدارس عشائرية ونائية تجمع بين فقر الأسرة وغياب الوجبة المدرسية وسوء التغذية، وتحوّل الإغماءات إلى إشارة إنذار مبكر على هشاشة الوضع الصحي والتعليمي للأطفال في إيران.
وينقل التقرير عن ناشطين اجتماعيين وصف المشاهد بأنها مفجعة حين يفقد تلاميذ الوعي في طابور المدرسة، فيما يعجز المعلمون ومديرو المدارس عن توفير طعام لافتقار القرى إلى متاجر قريبة أو إمكانات إغاثة سريعة، ويتكرر المشهد لدى أطفال يكتفون بقطعة خبز جاف وقليل من الكشك في طريقهم إلى الدرس، ثم يغادر بعضهم صفوفهم باكراً بسبب الضعف العام وآلام المعدة، فيخسرون ساعات تعليمية ثمينة.
تأتي هذه الشواهد في ظل تضخم مرتفع يلتهم دخول الأسر الريفية على نحو خاص، وتظهر الأرقام الرسمية الصادرة عن مركز الإحصاء الإيراني أن التضخم السنوي بلغ حوالى خمسة وثلاثين في المئة في يوليو، ما يعني قفزات كبيرة في تكاليف السلة الغذائية الأساسية، وهو ما ينعكس مباشرة على قدرة العائلات على تأمين إفطار بسيط لأطفالها قبل المدرسة.
قراءة صحية وتربوية
الإغماء في الصف أو الساحة ليس مرضاً بحد ذاته، لكنه علامة أزمة معيشية تتجسد في حرمان غذائي أو جفاف أو إرهاق مزمن، وتشير دراسات حديثة داخل إيران إلى أن أنماط سوء التغذية لدى الأطفال تتباين بين الولايات، مع تسجيل اتجاهات مقلقة لزيادة الهزال ونقص الوزن في بعض الأقاليم خلال السنوات الأخيرة، ما يضاعف أثر أي وجبة فائتة على الأداء المدرسي والانتباه والتحصيل.
وفي المقابل، تكشف مراجعات بحثية وطنية قديمة نسبياً عن تقدم في بعض المؤشرات مثل قصر القامة على المدى الطويل، لكن هذا التقدم لا يلغي مخاطر موجات التضخم الغذائي الحالية على صحة الأطفال.
الفقر في الأرياف والعشائر لا يعني الدخل المتدني فقط، بل يشمل المسافة الطويلة إلى المدرسة، وضعف النقل العام، ونُدرة المرافق الصحية والمتاجر، ومحدودية المياه النظيفة، لذلك تتضاعف احتمالات الإغماء لدى أطفال يقطعون مسافات طويلة على معدة خاوية، ويقضون ساعات الدوام بلا وجبة أو ماء كافٍ، وتعكس شهادات صحيفة "شرق" هذا الواقع في مدارس بلا بقالة قريبة، ومعلمون يصطدمون بإمكانات معدومة للتدخل السريع.
المنظمات الأممية
تضع اليونيسف تغذية الطفل في صلب تدخلاتها في إيران، مع تركيز على تحسين الأنظمة الغذائية وخدمات التغذية للأمهات والأطفال، محذرة من أن الأزمات والتوترات تزيد هشاشة الأسر وتهدد رفاه الأطفال، وعلى المستوى الإقليمي، تؤكد تحليلات اليونيسف أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تواجه عبئاً مزدوجاً من سوء التغذية ونقص المغذيات، مع حاجة ملحّة لتمويل وسياسات مستدامة، وهذه الخلاصات تضيء على خلفية عامة تجعل أي صدمة سعرية في الغذاء ذات أثر متضاعف على التعلم والصحة.
وتنص اتفاقية حقوق الطفل، التي تعد إيران دولة طرفاً فيها، على حق كل طفل في التمتع بأعلى مستوى صحي يمكن بلوغه، وفي غذاء كافٍ، وعلى حقه في التعليم. كما يقر العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية الحق في الغذاء الكافي والمستوى المعيشي الملائم، وبناء على هذه الالتزامات، تُعد الوجبة المدرسية، والمياه الآمنة، وبرامج الكشف المبكر عن سوء التغذية، جزءاً من واجب الدولة في تهيئة بيئة تعليمية صحية وآمنة. وفق المفوضية السامية لحقوق الإنسان.
التقارير الحقوقية والإعلامية داخل إيران تُظهر قلقاً متزايداً من آثار الغلاء على الأطفال، وتدعو إلى تدابير عاجلة تشمل دعم الأسر الأشد فقراً وتوسيع شبكات الحماية الاجتماعية.
في تقرير صحيفة "شرق"، يلفت النشطاء إلى عجز المدارس نفسها عن توفير وجبة إسعافية، ما يحوّل الإغماءات من حوادث معزولة إلى ظاهرة تستدعي استجابة مؤسسية، وخارج إيران، تنبّه تقارير البنك الدولي إلى أن تضخم أسعار الغذاء يفاقم انعدام الأمن الغذائي في كثير من اقتصادات المنطقة، وهو ما ينعكس على مؤشرات صحة الطفل وقدرته على التعلم.
فجوة السياسة العامة
لا تتوافر بيانات حكومية علنية عن نطاق الإغماءات المرتبطة بالجوع في المدارس، لكن المعطيات المتقاطعة من الإعلام المحلي والمؤشرات الاقتصادية تسمح باستنتاج فجوة في سياسات التغذية المدرسية والحماية الاجتماعية الموجهة للأطفال في الأرياف.
بحسب بيانات البنك الدولي ، تُظهر برامج التغذية المدرسية المنتظمة، ولو بتكلفة متواضعة للوجبة في تجارب دولية مردوداً تعليمياً وصحياً مرتفعاً، خاصة عندما تُرفق بالكشف المبكر والعلاج المجاني لسوء التغذية الخفيف والمتوسط داخل المدرسة، كما أن الاستثمارات الصغيرة في نقاط ماء آمن داخل المدارس ومجموعات الإسعاف الغذائي السريع يمكن أن تخفف من الإغماءات وتبعاتها على التحصيل الدراسي.
وتوصي منظمات أممية وإنسانية بإطلاق مسح وطني مدرسي سريع يرصد حالات الإغماء وأسبابها، ويتتبع مؤشرات الجوع الخفي ونقص المغذيات الدقيقة لدى التلاميذ، بالتعاون مع وزارتي التعليم والصحة واليونيسف والجامعات المحلية، وتوفير وجبة إفطار مدرسية بسيطة مدعومة في المدارس الريفية والأشد فقراً، مع إعطاء الأولوية للمناطق التي تُسجل أطول مسافات سير إلى المدرسة.
وأكدت ضرورة تدريب الكوادر التعليمية على بروتوكولات التعامل مع الإغماء والجفاف، وتزويد كل مدرسة بكِت إسعاف غذائي ومياه آمنة، بجانب ربط الأسر الأشد هشاشة ببرامج تحويلات نقدية مشروطة بالحضور المدرسي والفحوص التغذوية الدورية، مع ضبط أسعار الأغذية الأساسية عبر أدوات الدعم المؤقتة الموجهة، بالتوازي مع إصلاحات أوسع للحد من التضخم الذي يقوّض قدرة الأسر على إطعام أطفالها بانتظام، مشددة على أن كل دقيقة تغيب فيها الطاقة عن طفل جائع في الصف تعني فرصة تعلم مهدورة، وكل إغماءة غير معالجة قد تُترجم انسحاباً تدريجياً من المدرسة.
وتشير اليونيسف إلى أن الاستثمار في التغذية يحقق عوائد اقتصادية وتعليمية ضخمة، فيما تربط الأدلة الدولية بين الوجبات المدرسية وانخفاض التسرب وتحسن النتائج في القراءة والحساب، وبالنسبة إلى إيران، يمثل سد فجوة الإفطار المدرسي في الريف خطوة عملية لحماية رأس المال البشري في وقت تضغط فيه التحديات الاقتصادية بقوة على الأسر، بحسب البنك الدولي.
موجات تضخم مزمن
شهدت إيران خلال السنوات الأخيرة موجات تضخم مزمن وتذبذباً في القدرة الشرائية للأسر، ما زاد كلفة الغذاء الأساسية وأضعف قدرة العائلات الفقيرة، خصوصاً في الأرياف، على تأمين وجبات منتظمة لأطفالها، وتربط تقارير اقتصادية دولية الضغوط على معيشة الإيرانيين بتداخل عوامل داخلية وخارجية، من اختناقات الإنتاج إلى القيود على التجارة والعقوبات، فيما تؤكد تحديثات البنك الدولي الإقليمية أن تضخم أسعار الغذاء يفاقم انعدام الأمن الغذائي في المنطقة.
وفي المقابل، تعمل اليونيسف في إيران على برامج تغذية الطفل وجمع البيانات وتحسين الخدمات الأساسية، مؤكدة أن تدهور أوضاع المعيشة يهدد حقوق الأطفال في الصحة والتعليم، وفي هذا السياق، تصبح المدرسة في القرى مساحةً يجب أن تضمن الحد الأدنى من التغذية والماء الآمن والرعاية الأولية، والتزاماً باتفاقية حقوق الطفل والعهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وتحصيناً لمسار التعلم من تداعيات الفقر وسوء التغذية.