حصار وتجويع.. غزة تكسر صمت العالم وتفضح انهيار النظام الإنساني الدولي

حصار وتجويع.. غزة تكسر صمت العالم وتفضح انهيار النظام الإنساني الدولي
تردي الأوضاع الإنسانية في غزة

أكّد تقرير التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC) الأسبوع الماضي أن غزة تشهد رسميًا مجاعة، في سابقة هي الأولى من نوعها في الشرق الأوسط، وبحسب التقييم الأممي، يواجه أكثر من نصف مليون شخص ظروفًا "كارثية" تتمثل في الحرمان الغذائي الحاد، وسوء التغذية، والوفيات المرتبطة بالجوع.

هذه النتائج التي نقلتها "واشنطن بوست" واعتبرتها الغارديان "لحظة فارقة" في مسار الحرب، أثارت ردود فعل غاضبة داخل المجتمع الدولي، في مقابل نفي رسمي إسرائيلي متواصل، أما صحيفة "بوليتيكو" فقد أبرزت صوتًا أمميًا حادًا من اليونيسف يصف الجدل حول حجم الأزمة بأنه "أمر مشين"، في وقت يموت فيه الأطفال يوميًا بسبب الجوع.

وذكرت "واشنطن بوست" أن منظمة رصد الجوع العالمية، المدعومة من الأمم المتحدة، أكدت الجمعة وجود مجاعة في مدينة غزة والمناطق المحيطة بها، مع توقع انتشارها قريبًا إلى دير البلح في الوسط وخان يونس في الجنوب، ويُقدّر التقرير أن عدد المتأثرين سيصل إلى 641 ألف شخص بحلول نهاية سبتمبر، أي نحو ثلث سكان القطاع.

تعني المجاعة، وفقًا للتصنيف المرحلي المتكامل، أن أسرة واحدة على الأقل من كل خمس أسر تعاني نقصًا حادًا في الغذاء، إلى درجة تؤدي إلى سوء تغذية حاد وارتفاع معدلات الوفاة، وفي غزة، توافرت هذه المعايير الثلاثة مجتمعة، وهو ما يجعل الوضع غير قابل للتأويل.

وبحسب التقرير ذاته، فقد أدت الحرب المستمرة منذ 22 شهرًا، والنزوح، والقيود الإسرائيلية المشددة على إدخال الغذاء والمساعدات الأخرى، إلى "أشد تدهور" تشهده غزة منذ بدء الرصد عام 2023.

إنكار إسرائيلي

حللت "الغارديان" الوضع معتبرة أن إعلان المجاعة نقطة تحول في الحرب، لكنه في الوقت ذاته يكشف عن تجاهل إسرائيلي صريح للواجب الإنساني.

ولفتت الصحيفة البريطانية إلى أن إسرائيل سارعت إلى إنكار التقرير، متهمة اللجنة الأممية بالتلاعب وبأنها واقعة تحت نفوذ حماس، لكن "الأدلة المتراكمة"، تُفنّد هذا النفي.

وثّقت منظمات الإغاثة، بما فيها منظمة "أطباء بلا حدود"، حالات سوء تغذية حاد متزايدة، وأطباء وصحفيون محليون رووا قصصًا عن أسر بقيت أيامًا دون طعام،  وفي ظل هذا الواقع، بدأ الضعفاء ـ من الأطفال وكبار السن والمرضى ـ يفقدون حياتهم بالفعل.

ورغم التحذيرات الأممية المتكررة، منعت إسرائيل دخول مساعدات كافية، وفرضت قواعد تسجيل جديدة أعاقت عمل وكالات الإغاثة، كما منعت الصحفيين الدوليين من دخول غزة، بينما سمحت فقط لـ"مؤثرين متعاطفين" بالمجيء لتصوير رواية مغايرة.

تؤكد "الغارديان" أن الكارثة الحالية كانت "قابلة للتجنّب بالكامل" لو سمحت إسرائيل بمرور المساعدات بشكل منتظم، وهو واجب قانوني عليها باعتبارها قوة احتلال تسيطر عسكريًا على معظم أراضي القطاع.

نجادل بينما يموت الأطفال

وعلى شاشة برنامج واجه الأمة على قناة CBS، عبّرت المديرة التنفيذية لليونيسف، كاثرين راسل،  عن استيائها من الجدل حول المنهجية العلمية للتقرير الأممي، قائلة: "من المشين أن نجري هذه النقاشات بينما نعلم أن الأطفال يموتون".

وبحسب ما نقلته صحيفة "بوليتيكو"، أوضحت راسل أن التصنيف المرحلي المتكامل أعدّه خبراء تقنيون لا سياسيون، وأن على إسرائيل أن تفتح الباب للصحافة الدولية كي تتحقق بنفسها من حقيقة الوضع، لكنها أشارت إلى أن المنع الإسرائيلي يترك الصحفيين المحليين وحدهم في الميدان، فيما تُظهر لقطاتهم المئات من الأطفال الهزلى الذين يواجهون الموت جوعًا.

قدرت اليونيسف أن نحو 18 ألف طفل لقوا حتفهم بالفعل منذ بدء الحرب في غزة، أي بمعدل 28 طفلًا يوميًا، وهو ما يعادل "فصلًا دراسيًا من الأطفال يموتون كل يوم"، كما قالت راسل

أرقام صادمة وشهادات إنسانية

من جانبها، قدّمت "واشنطن بوست" صورة تفصيلية عن حجم الكارثة، إذ وثّقت وفاة 271 شخصًا بسبب سوء التغذية منذ أكتوبر 2023، بينهم 112 طفلًا، معظمهم خلال الشهر الأخير فقط.

وفي مستشفى ناصر بخان يونس، صرّح طبيب الأطفال أحمد فرا أن العيادة الخارجية سجلت مستويات "غير مسبوقة" من حالات سوء التغذية الحاد،فيما روت أم لطفلة تُدعى آمال البيوك (7 سنوات) كيف فقدت ابنتها وزنها حتى بات جلدها مشدودًا على عظامها، وهي تتوسل قائلة: "يا رب، لا تدعني أموت حتى آكل الدجاج والسمك".

إلى جانب ذلك، أشار التقرير إلى أن نحو 86% من الأراضي الزراعية في غزة دُمرت بسبب العمليات العسكرية الإسرائيلية، ما جعل معظمها غير صالح للزراعة.

كما تعاني كل الأسر تقريبًا من انعدام الأمن المائي بدرجات متفاوتة، مع تفشي أمراض مثل الإسهال والتهابات الجهاز التنفسي، وهو ما يضاعف من مخاطر سوء التغذية الحاد بين الأطفال.

الموقف الدولي

وصف الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الوضع في غزة بأنه "كارثة من صنع الإنسان" و"اتهام أخلاقي"، داعيًا إلى وقف فوري لإطلاق النار وضمان وصول المساعدات بلا قيود.

أما المفوض السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك فكان أكثر صراحة، مؤكدًا أن استخدام التجويع كأداة حرب يعد جريمة حرب، وأن الوفيات الناجمة عنه قد تُصنف أيضًا كـ"قتل عمد"، وهو ما قد يعرّض المسؤولين الإسرائيليين للمساءلة أمام المحكمة الجنائية الدولية.

ورغم هذه التحذيرات، نفت إسرائيل مرارًا ما خلصت إليه تقارير الأمم المتحدة، وفي ردّ من ثماني صفحات على تقرير التصنيف المرحلي، قالت وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية (COGAT) إن الاستنتاجات "تعتمد على بيانات جزئية ومتحيزة"، مضيفة أن الوضع الإنساني قد تحسن في الأشهر الأخيرة.

غير أن الأرقام الأممية، كما نقلت "واشنطن بوست"، تشير إلى أن نحو 2000 فلسطيني قُتلوا أثناء محاولتهم الحصول على المساعدات منذ مايو الماضي، وأن أكثر من 15 ألفًا جُرحوا في ظروف مماثلة.

بين شهادات الأطباء، وصور الأطفال الذين يتضورون جوعًا، وتحذيرات الأمم المتحدة من كارثة وشيكة، يتضح أن مجاعة غزة ليست مجرد أزمة إنسانية طارئة، بل كارثة مصنوعة بقرارات بشرية، وبينما يواصل المسؤولون الإسرائيليون إنكار الواقع، يرى مسؤولو الأمم المتحدة أن كل يوم تأخير يعني المزيد من الأرواح المهدورة. 

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية