بعد طرد السفير.. كيف فجّرت اتهامات معاداة السامية مواجهة دبلوماسية بين أستراليا وإيران؟
بعد طرد السفير.. كيف فجّرت اتهامات معاداة السامية مواجهة دبلوماسية بين أستراليا وإيران؟
في خطوة غير مسبوقة منذ أكثر من سبعة عقود، أعلنت أستراليا طرد السفير الإيراني أحمد صادقي وثلاثة من دبلوماسيي بلاده، متهمة طهران بالضلوع المباشر في هجومين معاديين للسامية شهدتهما مدينتا سيدني وملبورن خلال عام 2024.
وجاء القرار الذي وصفته الحكومة الأسترالية بـ"الخطوة الاستثنائية" على خلفية ما كشفته أجهزة الاستخبارات من أدلة حول وقوف الحرس الثوري الإيراني وراء حرائق متعمدة استهدفت مقهى يقدم أطعمة "كوشر" في سيدني وكنيس "أداس إسرائيل" في ملبورن.
ورغم أن الهجومين لم يسفرا عن ضحايا بشرية، فإن تداعياتهما السياسية والأمنية تواصل إشعال أزمة دبلوماسية مرشحة للتصعيد بين كانبيرا وطهران، وسط ردود فعل غاضبة من المنظمات اليهودية وترحيب إسرائيلي رسمي، مقابل رفض إيراني وتهديد برد مماثل.
الهجمات ونتائج التحقيقات الاستخباراتية
بحسب ما أعلنه رئيس الوزراء الأسترالي أنتوني ألبانيزي، فإن التحقيقات الأمنية التي أجرتها أجهزة الاستخبارات الوطنية خلصت إلى أن "الحرس الثوري الإيراني دبّر هجومين على الأقل على أهداف يهودية في أستراليا، وربما كان وراء هجمات أخرى"، وأوضح مدير الاستخبارات مايكل بورغيس أن إيران اعتمدت على شبكة معقدة من الوكلاء لإخفاء ضلوعها، مؤكداً أن هذه الأفعال "عرضت حياة مواطنين للخطر وزرعت الخوف في المجتمع الأسترالي".
وشدد ألبانيزي على أن هذه الأعمال "لم تكن مجرد جرائم كراهية، بل اعتداءات ممنهجة من قبل دولة أجنبية تهدف إلى تقويض التماسك الاجتماعي وزرع الفتنة".
الانعكاسات الدبلوماسية والحقوقية
إعلان السفير الإيراني شخصاً غير مرغوب فيه ترافق مع خطوات تصعيدية أخرى، أبرزها سحب السفير الأسترالي من طهران وتعليق أعمال البعثة الدبلوماسية هناك، في إشارة إلى تجميد عملي للعلاقات السياسية بين البلدين، كما أعلنت وزيرة الخارجية بيني وونغ أن الحكومة الأسترالية ستباشر إجراءات لتصنيف الحرس الثوري الإيراني "منظمة إرهابية"، في خطوة ستكون لها تبعات على مستوى التحالفات الأمنية والسياسات الإقليمية.
وأكدت وونغ أن "الرسالة الأوضح الآن هي: على الأستراليين الموجودين في إيران أن يغادروا فوراً إذا كان ذلك آمناً".
في المقابل، نفت وزارة الخارجية الإيرانية الاتهامات بشكل قاطع، ووصفتها بأنها "مرفوضة بالكامل"، معتبرة أنها محاولة للتغطية على "الانتقادات التي وجهتها أستراليا لإسرائيل بسبب حرب غزة"، ومتعهدة بالرد بالمثل على أي خطوات دبلوماسية عدائية.
ردود فعل
سارعت إسرائيل إلى الترحيب بالخطوة الأسترالية، معتبرة أنها "انتصار للعدالة وموقف شجاع ضد الإرهاب الإيراني"، وأكدت سفارة إسرائيل في كانبيرا أن القرار "طالما كان مطلباً ملحاً"، مشيرة إلى أن "النظام الإيراني لا يشكل تهديداً لليهود فقط، بل للعالم الحر بأكمله".
في المقابل، عبّر المجلس التنفيذي لليهود الأستراليين عن ارتياحه لتقدم التحقيقات، لكنه أبدى قلقاً عميقاً من أن "مجتمعهم كان هدفاً مباشراً لقوة أجنبية عنيفة ومدروسة بسبب الهوية الدينية".
توترات تتجاوز الحادثة
ورغم أن العلاقات بين أستراليا وإيران لم تكن يوماً في مستوى التعاون الوثيق كما هي الحال مع قوى إقليمية أخرى، فإن هذه الأزمة تأتي في وقت شديد الحساسية، فالعلاقات بين أستراليا وإسرائيل نفسها تمر بمرحلة توتر، خاصة بعد إعلان كانبيرا نيتها الاعتراف بدولة فلسطين، وهذا الموقف أثار انتقادات حادة من رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي وصف ألبانيزي بـ"السياسي الضعيف"، في حين رد مسؤولون أستراليون بانتقادات لاذعة ضد سياسات إسرائيل في غزة.
ويرى خبراء أن الأزمة الحالية قد تُستغل لتوجيه رسائل سياسية متعددة: فمن جانب، تظهر أستراليا موقفاً صارماً ضد أي تدخل خارجي يستهدف نسيجها الاجتماعي، ومن جانب آخر، تعيد التموضع في مشهد إقليمي ودولي مضطرب، خاصة في ظل تزايد الاتهامات الدولية لإيران باستخدام وكلاء خارجيين في تنفيذ عمليات هجومية أو تخريبية.
أبعاد قانونية وحقوقية
من الناحية القانونية، يشكل تصنيف الحرس الثوري الإيراني "منظمة إرهابية" نقلة نوعية في التعامل الأسترالي مع إيران، لما يحمله من تبعات على الصعيدين الاقتصادي والأمني، بما في ذلك العقوبات وملاحقة أي تعامل مالي أو لوجستي مع جهات مرتبطة به، ويشير خبراء القانون الدولي إلى أن هذه الخطوة قد تُعتبر "سابقة" في تعامل الدول الغربية مع قوى إقليمية، خاصة أن الحرس الثوري يشكل جزءاً من مؤسسات الدولة الإيرانية الرسمية.
أما على المستوى الحقوقي فإن استهداف منشآت يهودية يثير قلقاً بشأن تزايد مظاهر معاداة السامية عالمياً، وهو ما اعتبرته منظمات حقوقية "مؤشراً خطيراً" يتطلب حماية أكثر صرامة للجاليات الدينية في الغرب، في وقت تتصاعد فيه التوترات بسبب حرب غزة وتصاعد الاستقطاب السياسي.
التداعيات المحتملة
رغم أن العلاقات بين أستراليا وإيران كانت محدودة بالأساس في مجالات التجارة والتعليم وبعض القنوات الدبلوماسية، فإن قرار الطرد وسحب البعثات سيؤدي إلى جمود شبه كامل في هذه الروابط، ويرجح محللون أن تتأثر الجالية الإيرانية في أستراليا بهذه التطورات، كما قد تتعرض المصالح الأسترالية القليلة في إيران إلى مخاطر أمنية أو انتقامية.
في المقابل، يتوقع أن تسعى إيران إلى التقليل من شأن الخطوة الأسترالية باعتبارها انعكاساً "لضغوط داخلية وخارجية"، لكنها قد تواجه في الوقت نفسه عزلة أوسع مع انضمام دول أخرى إلى نهج تصنيف الحرس الثوري منظمة إرهابية، على غرار ما تفعله الولايات المتحدة وبعض الدول الأوروبية.
لا تقف أزمة طرد السفير الإيراني عند حدود خلاف دبلوماسي ثنائي بين كانبيرا وطهران، بل تكشف تداخلات أعقد بين الأمن القومي الأسترالي، وصعود معاداة السامية، والتوترات الشرق أوسطية، والعلاقات المضطربة بين الغرب وإيران، وفي الوقت الذي يحذر فيه خبراء من أن الخطوة قد تزيد من عزلة طهران، فإنها في المقابل قد تدفع إيران إلى انتهاج سياسات أكثر تحدياً، مما ينذر بمزيد من التصعيد في المشهد الإقليمي والدولي.