وسط الركام والانتهاكات.. هل تلقى مطالبات المدافعين عن الحقوق والحماية في غزة آذاناً مصغية؟

وسط الركام والانتهاكات.. هل تلقى مطالبات المدافعين عن الحقوق والحماية في غزة آذاناً مصغية؟
من بين الأنقاض في غزة فلسطينيون يحاولون إنقاذ الضحايا

 

تصاعدت في الأشهر الأخيرة نداءات المدافعين عن الحقوق المدنية والمجتمع المدني الدولي للمطالبة بمساءلة فورية وحماية عاجلة للمدنيين في قطاع غزة، تأتي هذه المطالبات في ظل تدهور إنساني واسع تجرعه ضحايا متعددون من المدنيين، وهجمات على مرافق إنسانية وإعلامية، وتضع أسئلة حرجة عن جدوى آليات المساءلة الدولية في ظل ضغوط سياسية وقيود تشغيلية. في التقرير التالي تستعرض “جسور بوست” أسباب هذه الدعوات، وتداعيات غياب الحماية والمساءلة، وردود فعل الفاعلين الأمميين والحقوقيين، والأطر القانونية الدولية.

المدافعون عن الحقوق يبررون تصاعد نداءاتهم بصورة واقع مؤلمة تتجسد في نزوح جماعي شبه كامل لسكان قطاع غزة، وتدمير واسع للمستشفيات والمدارس، وقيود صارخة على وصول المساعدات الإنسانية التي تحولت إلى مسألة حياة أو موت لآلاف المدنيين.

 المنظمات الأممية والحقوقية ومنها مفوضية الشؤون الإنسانية وهيومن رايتس ووتش توثّق تكرار حوادث أدت إلى مقتل مدنيين أثناء محاولاتهم الوصول إلى مساعدات غذائية أو أثناء وجودهم بالقرب من مرافق طبية، فضلاً عن هجمات على الصحفيين والعاملين في المجال الإنساني، وهذه المعطيات تدفع المدافعين إلى المطالبة بوقف فوري لإطلاق النار، وحماية قانونية واضحة للمدنيين، وضمان وصول إنساني غير مشروط.

تداعيات غياب الحماية الفعلية والمساءلة

ويؤكد حقوقيون أن غياب حماية فعالة ومساءلة سريعة يترك أثرًا مضاعفًا، حيث يؤدي إلى استمرار عمليات القتل والإصابة والتهجير، مع آثار نفسية واجتماعية طويلة الأمد، خاصة على الأطفال والنساء وكبار السن الموجودين في قطاع غزة، كما يخلق تراكماً للأدلة في ظروف يصعب استعادتها لاحقاً، ما يقوّض فرص تقديم قضايا جنائية متماسكة أمام هيئات دولية، ويغذي الإفلات من العقاب مناخًا سياسياً يشرعن أعمال عنف مستقبلية ويقوّي خطاب التطرف والانتقام لدى المتضررين ويحذر المدافعون عن الحقوق من أن أي تعطيل لمسارات التحقيق والمحاكمة هو دعوة ضمنية لاستمرار الانتهاكات الإسرائيلية

دعوات حقوقية ومدنية

المدافعون عن الحقوق المدنيّة والمنظمات الدولية كررت دعواتها إلى استخدام كل الآليات المتاحة للمساءلة، بدءًا من التحقيقات المستقلة التي تيسّرها الأمم المتحدة، وصولاً إلى دعم تحقيقات مكتب المدعي العام في المحكمة الجنائية الدولية، وقد أطلقت المحكمة الجنائية الدولية إجراءات ذات صلة بالوضع في فلسطين وصدر عنها قرار باستمرار الملاحقات، ما عزّز آمال بعض الفاعلين في أن تكون ثمة آليات قضائية مستقلة، لكنها تواجه بدورها عقبات سياسية وقانونية معارضة، وفي هذا الإطار، تطالب منظمات الحقوق بتوفير الحماية للمدافعين عن الحقوق والصحفيين وضمان حماية الشهود والضحايا الذين يقدمون أدلة قد تكون محورية في قضايا لاحقة. 

القيود العملية والسياسية 

على الرغم من الإدانة الواسعة، تواجه دعوات المساءلة قيودًا عملية وسياسية، فعلى المستوى السياسي، تتباين مواقف الدول الكبرى تجاه آليات التحقيق والملاحقة، ما يؤثر في قدرة مجلس الأمن أو الآليات الدولية على التحرك الحاسم، وعملياً، يواجه الموثقون ومحققو الأمم المتحدة صعوبات في الوصول إلى المشاهد، وفي حماية الشهود، وفي حفظ الأدلة الرقمية والمادية في بيئة دمار مستمر، كما تُثقل أعباء التمويل والقدرات اللوجستية كاهل الجهود الدولية، ما يجعل النتائج المرجوة بطيئة أو جزئية، بحسب خبراء حقوقيين. 

المدافعون عن الحقوق وأولوياتهم 

تتمثل مطالب منظمات الدفاع المدني في أربع نقاط متداخلة تتضمن وقفاً فورياً شاملاً لإطلاق النار، وضمان حماية المنشآت المدنية (المستشفيات والمدارس)، وحرية عمل المنظمات الإنسانية، وفتح ممرات آمنة وبدون قيود لتوصيل المساعدات، وإطلاق تحقيقات مستقلة ومحايدة تضمن حفظ الأدلة وحماية الشهود. وتؤكد المنظمات ضرورة حماية المدافعين عن الحقوق والصحفيين الذين يواجهون مخاطر مباشرة أثناء توثيق الانتهاكات. 

الإطار القانوني الدولي

القانون الدولي الإنساني ومواثيق حقوق الإنسان يضعان حدوداً واضحة تتمثل في أن حماية المدنيين واجبة، وأن تجويع السكان وسيلة للحرب محظور، وتتمثل كذلك في التهجير القسري والعقاب الجماعي، وتدعو منظمات حقوقية دولية إلى أن تُترجم التهم والتقارير إلى إجراءات قضائية عبر محاكم وطنية ذات نزاهة أو عبر محاكم دولية حينما تعوق الانقسامات السياسية المسار الوطني، كما تؤكد قرارات أممية وبيانات خبراء الأمم المتحدة ضرورة احترام إجراءات القانون الدولي ووجوب فتح تحقيقات فعالة ومستقلة.

المدافعون يدعون إلى خطوات فورية قابلة للتنفيذ منها إلغاء العوائق أمام دخول المساعدات الإنسانية، وفتح ممرات آمنة، وحماية المنشآت المدنية، وتثبيت آليات لحماية الإعلاميين والموثقين، ودعم مالي وتقني لفِرَق التحقيق لتمكينها من حفظ الأدلة وإجراءات حماية الشهود، وتعزيز التعاون الدولي مع المحكمة الجنائية الدولية، وفتح تحقيقات أممية مستقلة، كما يطالبون بتعزيز الشفافية في تقارير الأمم المتحدة وإتاحة المعلومات للمنظمات غير الحكومية التي توثق الانتهاكات. تنفيذ هذه التوصيات يعد مطلبًا إنسانيًا وقانونيًا لحماية المدنيين واستعادة ثقة المجتمعات المتضررة في إمكانية الوصول إلى العدالة. 

المطالب التي يرفعها المدافعون عن الحقوق المدنية في غزة ليست مجرد شعارات قانونية، إنها مناشدات إنسانية عاجلة ترتكز على معطيات ميدانية صادمة، وتحويل هذه المطالب إلى إجراءات فعلية يتطلب قرارًا سياسيًا دوليًا ملموسًا، وتمويلاً فوريًا لآليات التوثيق والتحقيق، وتحصينًا قانونيًا لمن يحاولون كشف الحقائق، ودون ذلك، ستبقى معاناة المدنيين شاهدة على فشل المجتمع الدولي في حماية من هم في أمس الحاجة إلى الحماية، وستعاني آفاق المساءلة من فراغ لا يعوضه الزمن وفق منظمة "اليونيسف".

يذكر أنه على مدى العامين الماضيين تفاقمت الأوضاع الإنسانية في قطاع غزة بفعل تصاعد العمليات العسكرية والقيود على دخول المساعدات، ما أدى إلى خسائر بشرية واسعة ونزوح لملايين السكان، وقد وثقت الأمم المتحدة ومنظماتها الإنسانية مستويات عالية من التهجير، ونقصاً حاداً في الغذاء والدواء، وتأثيرات صارخة على الأطفال بما فيها من آثار نفسية طويلة الأمد. وفي السياق القانوني، استُخدمت أدوات دولية عدة، من قرارات مجلس الأمن إلى إجراءات لدى المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، مسارات محتملة للمساءلة، لكن نجاحها مرتبط بملاءة سياسية ومالية وقدرة على الوصول الميداني وحفظ الأدلة. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية