"صوت هند رجب".. فيلم يحمل وجع غزة إلى العالم عبر مهرجان البندقية

بدعم من براد بيت وخواكين فينيكس

"صوت هند رجب".. فيلم يحمل وجع غزة إلى العالم عبر مهرجان البندقية
الطفلة الشهيدة هند رجب

لم تعد أصوات الفلسطينيين مجرّد صدى محلي للحزن والخذلان، بل غدت مصدر إلهام يفرض حضوره في المهرجانات السينمائية الكبرى. واليوم، تحمل المخرجة التونسية كوثر بن هنية صرخة طفلة من ضحايا إسرائيل في قطاع غزة إلى قلوب المشاهدين في العالم، عبر فيلمها الجديد "صوت هند رجب"، الذي يُعرض لأول مرة ضمن المسابقة الرسمية لمهرجان البندقية السينمائي في نسخته الثانية والثمانين، المستمرة حتى التاسع من سبتمبر 2025.

الفيلم يروي الساعات الأخيرة من حياة الطفلة هند رجب، ابنة الست سنوات، التي قُتلت برصاص القوات الإسرائيلية في يناير 2024، بعدما بقيت عالقة داخل سيارة محاطة بجثث أقاربها الذين سبقوها إلى الموت، وما جعل قصتها أيقونة للبراءة المستهدفة هو صوتها الصغير المسجّل الذي انتشر عالميًا وهي تستغيث طلبًا للنجاة.

من تسجيل صرخة إلى مشروع سينمائي عالمي

تقول بن هنية، المرشحة مرتين لجائزة الأوسكار، إنها لم تستطع أن تتجاهل هذه الصرخة، فقد حصلت على تسجيل مدته سبعون دقيقة من الهلال الأحمر الفلسطيني يوثّق آخر لحظات الطفلة هند رجب، لتصف تجربتها بالقول: "شعرتُ وكأن الأرض تهتز تحت قدمي، لم أتمكّن من مواصلة أي مشروع آخر، كان عليّ أن أروي هذه القصة".

الفيلم لم يقتصر على استعادة اللحظة، بل جاء بوصفه عملًا فنيًا يجمع بين الوثائقي والدرامي، ليضع المشاهد وجهًا لوجه أمام عجز الطفولة وصرامة الموت، وليقدّم للعالم ما تعجز الإحصاءات عن نقله؛ ذلك الوجع الإنساني الذي يختصر حياة كاملة انتهت قبل أن تبدأ.

دعم عالمي غير مسبوق

قبل عرضه في فينيسيا بأيام قليلة، انضم نجوم عالميون إلى الفيلم بوصفهم منتجين منفذين، من بينهم براد بيت وخواكين فينيكس، إضافة إلى أسماء لامعة مثل ألفونسو كوارون وروني مارا وجوناثان جلازر وكاثرين بيجلو، وهذا الدعم غير المسبوق يعكس تحوّل قصة هند إلى قضية ضمير عالمي، تتجاوز حدود الجغرافيا والسياسة لتصبح جزءًا من الذاكرة الإنسانية المشتركة.

وسيخوض الفيلم منافسة قوية على جائزة الأسد الذهبي إلى جانب أعمال لعمالقة السينما مثل جييرمو ديل تورو وبارك تشان ووك، ما يمنحه مكانة خاصة بين أبرز إنتاجات العام.

كلمات أمّ لا تنكسر

والدة هند، وسام حمادة، عبّرت عن مشاعرها تجاه العمل فقالت: "رغم الألم وثقل الفقدان، شعرت أن صوت هند بحاجة إلى أن يُسمع، لا شيء سيشفي جرح فقدانها، لكن معرفة أن صوتها سيصل إلى العالم يمنحني قوة".. كلماتها لم تكن مجرد شهادة شخصية، بل إعلان أن صوت طفلة من غزة قادر على ملامسة ملايين البشر، حتى بعد رحيلها.

السينما الفلسطينية مقاومة بالذاكرة

لا يأتي فيلم "صوت هند رجب" من فراغ. فمنذ عقود، باتت السينما الفلسطينية وسيلة مقاومة ثقافية في مواجهة محاولات المحو، فقد أسهمت أفلام، مثل "عمر" لهاني أبو أسعد و"200 متر" لأمين نايفة، إلى جانب عشرات الأفلام الوثائقية القصيرة، في إيصال صورة الحياة اليومية تحت الاحتلال إلى الشاشات العالمية.

وقد اعتادت المهرجانات الكبرى، من "كان" إلى "برلين" و"فينيسيا"، على أن تفتح شاشاتها أمام الحكايات الفلسطينية، لكن خصوصية فيلم بن هنية تكمن في أنه ينقل تجربة صوت حيّ، توثيقاً مباشراً للحظة موت لم يُسمح لها بالتحوّل إلى مجرد رقم في قائمة ضحايا النزاع.

بين غزة وفينيسيا.. ذاكرة لا تُمحى

السينما قادرة على أن تكون أكثر من فن، إنها أداة لحفظ الذاكرة ومقاومة النسيان، في قاعة سينمائية بمدينة البندقية الإيطالية، سيجلس جمهور عالمي ليستمع إلى آخر كلمات طفلة كانت تحلم بالحياة. وبذلك، تتحوّل قصة هند من مأساة محلية إلى شهادة إنسانية خالدة.

هذا الفيلم، بما يحمله من أصوات وأوجاع وصور، يضع المجتمع الدولي أمام مسؤوليته الأخلاقية، فإذا كان الموت في غزة يتكرر يوميًا بلا حساب، فإن الفن يصرّ على أن يحاسب بذاكرته، أن يوثّق، وأن يذكّر بأن لكل رقم وجهًا وصوتًا واسمًا.

تاريخيًا، ارتبطت السينما الفلسطينية بمحاولة الحفاظ على الهوية في مواجهة المحو، فمنذ تأسيس وحدة السينما الفلسطينية التابعة لمنظمة التحرير في ستينيات القرن الماضي، مرورًا بأفلام رشيد مشهراوي وهاني أبو أسعد، وصولًا إلى جيل جديد من المخرجين، كانت الشاشة دائمًا وسيلة لكسر الحصار الثقافي.

مهرجان فينيسيا السينمائي الذي يُعد من أقدم وأعرق المهرجانات السينمائية في العالم منذ تأسيسه عام 1932 كان منصة عرضت أعمالًا فلسطينية في محطات مختلفة، لكنها المرة الأولى التي يُعرض فيها فيلم يحوّل صوت طفلة ضحية إلى شهادة بصرية مؤثرة على هذا المستوى.

وفق إحصاءات منظمات حقوقية، استشهد آلاف الأطفال الفلسطينيين خلال عام 2024 وحده، وهو ما يجعل قصة هند واحدة من آلاف القصص التي لم تجد من يوثقها، لكن السينما، بقدرتها على الجمع بين الذاكرة والوجدان، تجعل من صوتها علامة فارقة في الضمير الإنساني.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية