من صناديق الاقتراع إلى الكرامة.. هل تنجح مالاوي في استعادة الحريات الأساسية؟

من صناديق الاقتراع إلى الكرامة.. هل تنجح مالاوي في استعادة الحريات الأساسية؟
الاقتراع في مالاوي - أرشيف

تستعد مالاوي لإجراء انتخابات عامة في 16 سبتمبر 2025، في ظل أجواء مشحونة بالتوترات السياسية والاجتماعية، وتراجع ملموس في الحريات المدنية وحقوق الإنسان، هذه الانتخابات ليست مجرد استحقاق ديمقراطي روتيني، بل اختبار حقيقي لإرادة القيادة المقبلة في مواجهة إرث طويل من الانتهاكات والإفلات من العقاب.

منظمات حقوقية محلية ودولية، وعلى رأسها منظمة العفو الدولية، شددت على أن الاستحقاق الانتخابي المقبل يمثل فرصة تاريخية لإصلاحات جذرية، تبدأ من إعادة بناء الثقة بين المواطن والدولة، وتمر عبر حماية الحقوق الأساسية في حرية التعبير والتنظيم، وصولاً إلى ضمان العدالة الاجتماعية وصيانة كرامة الفئات المهمشة.

في بيان أصدرته منظمة العفو الدولية، الخميس، قبيل الانتخابات، تم تحديد ثماني أولويات ينبغي أن تكون في صلب أجندة الحكومة المقبلة، أبرزها الحق في الغذاء، وحماية النساء وذوي الإعاقة، وضمان حرية التعبير والتجمع السلمي، وإلغاء عقوبة الإعدام، غير أن واقع الولاية الأولى للرئيس لازاروس تشاكويرا جاء مخيباً للآمال، إذ اتسمت بالفشل في تنفيذ وعود الإصلاح، مع استمرار القوانين المقيدة للحريات واستخدام التشريعات الرقمية لملاحقة الصحفيين والمعارضين.

أزمة الحريات العامة

من أبرز المؤشرات على التراجع الحقوقي في مالاوي دخول مشروع قانون تعديل المنظمات غير الحكومية حيز التنفيذ في مايو 2022، وهو تشريع وصفه الحقوقيون بأنه يقيد حرية تكوين الجمعيات ويخنق عمل المجتمع المدني، إضافة إلى ذلك، ظل قانون المعاملات الإلكترونية والأمن السيبراني لعام 2016 أداة لتكميم الأفواه وقمع الانتقادات السلمية.

هذا التضييق على الفضاء المدني يعاكس التزامات مالاوي الدولية، خاصة مع توقيعها على العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يكفل حرية الرأي والتجمع السلمي. المنظمات الأممية دعت مراراً إلى مراجعة هذه التشريعات بما يضمن بيئة سياسية مفتوحة وآمنة.

ما تزال النساء في مالاوي يعانين من ثغرات تشريعية وتنفيذية تتركهن عرضة للعنف الجنسي والمنزلي، في ظل ضعف آليات الحماية القانونية. كما يواجه ذوو الإعاقة، بمن فيهم المصابون بالمهق، تمييزاً ممنهجاً يحد من مشاركتهم الفاعلة في المجتمع.

القانون الدولي كمرجعية

تستند المطالبات الحقوقية إلى مبادئ راسخة في القانون الدولي، منها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين، وتفرض هذه المرجعيات التزاماً على الدولة المالاوية بحماية الحقوق دون تمييز، كما أن اللجنة الإفريقية لحقوق الإنسان والشعوب التي تنتمي إليها مالاوي بوصفها دولة عضواً، طالبت مراراً بمواءمة التشريعات الوطنية مع المعايير الإفريقية، بما يضمن الحقوق الأساسية للجميع.

تشير خبرات السنوات الماضية إلى أن استمرار التضييق على الحريات قد يؤدي إلى تصاعد الاحتجاجات، وربما اندلاع مواجهات بين القوى الأمنية والمتظاهرين. ففي انتخابات 2020 وثقت منظمات محلية حالات عنف سياسي واعتقالات تعسفية، وهو ما يثير مخاوف من تكرار السيناريو نفسه إذا لم تتخذ السلطات إجراءات وقائية.

الانتخابات المقبلة يمكن أن تشكل فرصة لإعادة صياغة العقد الاجتماعي، لكنها قد تتحول أيضاً إلى عامل تفجير إذا ما استُخدمت أدوات القمع ذاتها التي جربها المالاويون سابقاً.

مواقف المنظمات الحقوقية

أجمعت تقارير العفو الدولية وهيومن رايتس ووتش ومنظمات محلية في مالاوي على ضرورة ضمان الشفافية والنزاهة في العملية الانتخابية، وتوفير بيئة آمنة للمرشحين والناخبين على حد سواء، كما دعت هذه المنظمات إلى مساءلة جدية عن انتهاكات حقوق الإنسان التي ارتُكبت في الماضي، باعتبار أن إنهاء الإفلات من العقاب شرط أساسي لاستعادة الثقة في الدولة.

الأمم المتحدة، من جانبها، أكدت في تقارير سابقة أن حماية حقوق الإنسان شرط جوهري لنجاح التنمية المستدامة، وهو ما ينطبق بشكل مباشر على مالاوي، حيث يعيش أكثر من 70 في المئة من السكان تحت خط الفقر، بحسب إحصاءات البنك الدولي لعام 2024.

الديمقراطية الهشة

منذ نهاية حكم هاستينغز باندا في 1994، دخلت مالاوي مرحلة جديدة من التعددية السياسية، لكنها ظلت ديمقراطية هشة عرضة للتراجع. فتقلبات السلطة بين الأحزاب المتنافسة لم تنجح في ترسيخ مؤسسات قوية قادرة على حماية الحقوق والحريات. الانتخابات الرئاسية عام 2020 التي فاز بها لازاروس تشاكويرا بعد إبطال نتائج سابقة بسبب التزوير، عُدّت نقطة تحول تاريخية. لكن الآمال سرعان ما تبددت مع استمرار الفساد والتضييق على المجتمع المدني.

تؤكد المنظمات الحقوقية أن الانتخابات العامة المقبلة تمثل لحظة فاصلة في تاريخ مالاوي، فهي إما أن تفتح الباب أمام مسار إصلاحي شامل يضع حقوق الإنسان في صلب العمل السياسي، أو تكرّس واقعاً من القمع والتهميش. المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية سيظلان في حالة متابعة دقيقة، لكن الكلمة الفصل تبقى بيد الناخب المالاوي وقدرة القيادة المقبلة على تحويل الوعود إلى واقع ملموس، إصلاح التشريعات القمعية، تعزيز الحريات الأساسية، حماية الفئات المهمشة، ومساءلة المسؤولين عن الانتهاكات السابقة ليست خيارات سياسية فحسب، بل واجبات قانونية وإنسانية تفرضها مبادئ العدالة والديمقراطية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية