حراس النشء الرقمي.. اقتراح فرنسي بحظر منصات التواصل على الأطفال يثير الجدل
حراس النشء الرقمي.. اقتراح فرنسي بحظر منصات التواصل على الأطفال يثير الجدل
أوصت لجنة تحقيق برلمانية فرنسية شكلت لدراسة الآثار النفسية لمنصة تيك توك، بتشديد قيود استخدام شبكات التواصل على القاصرين، ومن ذلك حظر نهائي على من هم دون سن الـ15، وفرض "حظر رقمي ليلي" على مستخدمي الفئة العمرية بين 15 و18 عاماً.
جاءت التوصيات من تحقيق استمرّ عدة أشهر بعد رفع سبع عائلات دعوى قضائية عام 2024 ضد المنصة، ورافقها اقتراحات أوسع لفرض التحقق من العمر وتقوية المساءلة القانونية للمنصات الرقمية، وأعادت هذه التوصيات إلى الواجهة جدلاً مجتمعياً وقانونياً بين مَن يراها وقاية ضرورية لمصلحة الأطفال، ومن يحذر من مخاطر التقييد المسبق على الحقوق الرقمية والحريات الأساسية وفق وكالة أنباء رويترز.
خريطة استخدام الإنترنت لدى الشباب تبين أن الاعتياد على الفضاء الرقمي متأصل، وتشير المقاييس الأوروبية الأخيرة إلى أن نحو 97% من الشباب بين 16 و29 سنة يستخدمون الإنترنت يومياً، وأن وسائل التواصل الاجتماعي باتت جزءاً محورياً من تجربتهم اليومية، كما تظهر بيانات منظمة التعاون والتنمية أن نسبة مرتفعة جداً من المراهقين يستخدمون الشبكات الاجتماعية بانتظام، ما يجعل أي إجراء تنظيمي واسع النطاق أمراً ذا تأثير مباشر في نمط حياة شريحة كبيرة من المواطنين وسبل تواصلهم وتعلمهم.
الحماية والخصوصية
هذه الحقائق تضع المشرّعين أمام معادلة صعبة: حماية الصحة العامة العقلية والبدنية للأطفال من جهة، والحفاظ على حقوقهم في الوصول إلى المعلومات والخصوصية والتعبير من جهة أخرى.
الدوافع العلمية والاجتماعية للتشديد تنطلق من مخاوف موثقة بشأن تأثير الاستخدام المفرط للشاشات ووسائل التواصل في النوم والتركيز والصحة النفسية لدى الأطفال والمراهقين، وقد دفعت حالات انتحار وشواهد ألمت بعائلات أمام محتوى يحضّ على إيذاء النفس أو يعزّز سلوكيات خطرة، ذوي الضحايا للمطالبة بمساءلة المنصات الإلكترونية، كما دفعت البرلمان الفرنسي لفتح تحقيق معمق.
في المقابل، تقول شركات التواصل إن لديها آليات لإزالة المحتوى الضار بسرعة، وإنها تعمل على أدوات للتحقق من العمر وحماية القاصرين، ولكن جلسات الاستماع البرلمانية أبرزت ثغرات تقنية وقيوداً في التحقق من الهوية والمكافحة الفعالة للمحتوى الضار.
القوة التشريعية الأوروبية
القوة التشريعية الأوروبية تشكل الإطار الذي تتحرك ضمنه باريس، فقانون الخدمات الرقمية في الاتحاد الأوروبي ومبادرات حماية الأطفال الرقمية فتحا الباب أمام تنظيم وطني أكثر صرامة، في حين تبنت فرنسا بالفعل قانوناً عام 2023 أعطى أولوية لحماية القصر عبر آليات موافقة الأهل على فتح حسابات قبل سن الخامسة عشرة، لكن التطبيق العملي لقيود العمر يتصادم مع وسائل التثبت التقنيّة، ومع تدفق منصات عالمية تتخذ مقار متباينة، ومع تحدّيات تتعلق بالخصوصية وحماية البيانات، لذا فإن أي خيار تشريعي فرنسي واسع النطاق يحتاج إلى تواؤم مع قواعد الاتحاد وإيجاد حلول تقنية وقضائية فعالة.
تداعيات الحظر المحتمل اجتماعيًا واقتصاديًا وثقافياً لا يمكن إغفالها، فمن الناحية التعليمية، يعتمد كثير من المراهقين على المحتوى الرقمي بما فيه من أدوات للتعلّم والمواطنة الرقمية، وقد يفاقم الحظر الفجوات بين طبقات اجتماعية، إذ إن البدائل التعليمية المتاحة في المنازل تختلف بحسب موارد الأسرة، في حين قد تلجأ فئات من الشباب إلى أدوات التهرب الفني أو إلى منصات أقل رقابة وأكثر خطورة.
اقتصادياً، سيواجه منظمو السوق آثاراً في نماذج عمل منصات تستهدف جماهير شابة، وقد تتصاعد معارك قانونية مع شركات تقنية دولية، وإنسانياً، هناك احتمال أن يشعر المراهقون بالوصم أو فقدان المساحة العامة للتعبير إذا ما فُرِضت قيود حادة دون برامج مصاحبة ودعم تربوي ونفسي.
ردود الفعل الحقوقية
منظمات حماية الطفل تدعم تدابير أقوى لضمان بيئة رقمية آمنة، وتطالب بحلول شاملة تشمل التثقيف الرقمي ودعم الصحة النفسية المدرسية، ومنظمات الدفاع عن الحريات المدنية تحذر من أن الحظر المطلق لمنصات التواصل الاجتماعي قد يمس حرية التعبير وحق الوصول إلى المعلومات ويفتح باباً للمراقبة الرقمية المكثفة، وفي المحافل الدولية، دعا عدد من خبراء الأمم المتحدة إلى نهج متوازن يحمي الأطفال دون التضحية بالحقوق الأساسية، ويشدّدون على أن الحلول التقنية وحدها غير كافية من دون سياسات تعليمية وعائلية ومجتمعية مصاحبة.
الجانب العملي للتنفيذ يواجه تحديات تقنية وقانونية كبيرة، فآليات التحقق من العمر عبر الوثائق أو تقنيات التعرف الوجهي تثير مسائل خصوصية وشرعية، كما أن الكثير من الأطفال يتجاوزون قواعد التسجيل عبر تقديم أعمار مزيفة أو استخدام حسابات آبائهم، ما يجعل فرض الحظر اعتماداً على مجرد شرط التسجيل أمراً هشاً، لذلك تبرز الحاجة لتقنيات تحقق موثوقة تحفظ الخصوصية، إلى جانب برامج رقابة أبوية أكثر واقعية ودعماً تربوياً. تقنين مسؤولية المنصات عن المحتوى الذي يصل إلى القصر يبقى أداة أساسية، لكن يتطلب تنسيقاً دولياً لضمان تطبيق متجانس.
خلاصة التحليل تشير إلى أن فرنسا على مفترق طرق فهناك إجماع واسع على أن حماية الأطفال من مخاطر منصات التواصل ضرورية، لكن الخلاف يتضح حول الوسائل والحدود، وعمل حظر كامل لمن هم دون 15 عاماً قد يقدّم حماية مباشرة، لكنه ليس حلاً سحرياً بمفرده؛ وهنا التحدي يكمن في الجمع بين تشريعات قوية قابلة للتطبيق، بنية تقنية تراعي الخصوصية، حملات توعية وتدريب للأهالي والمدرّسين، وآليات دعم نفسي فعّالة للأطفال، وتوصيات خبراء حقوق الطفل تكون أكثر واقعية إذا ما اقترنت بخطة متكاملة تشمل تعليم الإعلام، مساعدة نفسية، وأطراً للتعاون الدولي لضمان التزام منصات عالمية بمعايير موحّدة لحماية القاصرين.