الصمت الدولي ومسؤولية الحماية.. ما تداعيات فشل الاستجابة الإنسانية على حياة المدنيين في غزة؟

الصمت الدولي ومسؤولية الحماية.. ما تداعيات فشل الاستجابة الإنسانية على حياة المدنيين في غزة؟
فلسطينيون بين الأنقاض في غزة

 

أطلق تقرير خبراء الأمم المتحدة حول الحملة العسكرية في قطاع غزة موجة جديدة من الدعوات الدولية، حيث وجّهت أكثر من عشرين منظمة إغاثية عالمية الأربعاء من بينها "أنقذوا الأطفال" و"أطباء بلا حدود" و"أوكسفام" و"المجلس النرويجي للاجئين" نداءً عاجلاً لقادة العالم لاتخاذ خطوات فورية لوقف الحرب وإنقاذ المدنيين.

جاء ذلك وفق بيان أصدرته منظمة "أنقذوا الأطفال" قبيل انعقاد جلسات الجمعية العامة للأمم المتحدة، مع تحذير واضح من أن استمرار التقاعس سيؤدي إلى مزيد من الوفيات وتفاقم كارثة إنسانية لا تمكن المعالجة لاحقاً، ويتناول هذا التقرير أسباب صدور نداءات الإغاثة وتداعياتها القانونية والإنسانية والسياسية، مع استعراض الخيارات المتاحة أمام المجتمع الدولي.

الأدلة والنتيجة الأممية وما أثارته من ردود أفعال

خلصت لجنة الخبراء إلى أن أنماط القصف، وقيود إدخال المساعدات، وتدمير البنى التحتية الحيوية أدت إلى خلق ظروف قد ترقى إلى مستوى الإبادة الجماعية من حيث "إحداث ظروف معيشية محسوبة على تدمير جزء من مجموعة وطنية"، وهذا التقييم دفع منظمات الإغاثة إلى القول إن واجب الحماية الدولي قد تُرك دون تنفيذ، وأن الدول الأعضاء في الأمم المتحدة تتعامل مع التزاماتها القانونية على أنها اختيارية.

ردت إسرائيل برفض نتائج التقرير واعتبرت أن عملياتها تستهدف حركة مسلحة وتقتضيها الضرورة الأمنية، فيما انقسمت المواقف الدولية بين تأييد استنتاجات اللجنة ورفضها، ما أعاد إلى السطح تجارب سابقة في كيفية تعامل المجتمع الدولي مع ادعاءات الإبادة أو الانتهاكات الواسعة أثناء الصراعات.

الأساس القانوني والالتزامات الدولية

بحسب اللجنة فإن تصنيف أعمال من شأنها أن ترقى إلى إبادة جماعية يضع التزامات واضحة على الدول: منع الجريمة ومحاسبة مرتكبيها، وتؤكد اتفاقية منع الإبادة لعام 1948 والتطورات اللاحقة في القانون الدولي أن للدول واجباً الوقوف عاجلاً لوقف أعمال توصف بأنها تهدف إلى تدمير جزء من مجموعة قومية أو عرقية أو دينية، وعلى مستوى الإجراءات، تفتح مثل هذه التوصيفات الباب أمام طلبات إحالة إلى المسارات الجنائية الدولية، وفرض عقوبات مستهدفة، ومراجعة التعاون العسكري والاقتصادي مع الأطراف المتورطة، فضلاً عن اتخاذ تدابير لحماية المدنيين فوراً.

ماذا تطالب المنظمات الإغاثية عملياً؟

نداءات المنظمات اشترطت تفعيل جميع الأدوات السياسية والاقتصادية والقانونية المتاحة، والقوائم المطروحة تشتمل على: فرض وقف فوري ومستدام لإطلاق النار، فتح ممرات إنسانية آمنة برعاية دولية تضمن إيصال الغذاء والدواء والوقود، فرض حظر عملي على صادرات أسلحة قد تُستخدم في انتهاكات جسيمة، تنفيذ تحقيقات دولية مستقلة ومساءلة المسؤولين، ودعم جهود الإجلاء والإيواء الطبي للمدنيين الأكثر تضرراً، وأكدت المنظمات أيضاً الحاجة الملحة لإعادة تقييم سياسات المانحين وتوجيه الموارد الإنسانية عبر قنوات محمية تضمن الحياد والوصول.

الأثر الإنساني المباشر 

المنظمات قدمت شواهد ميدانية مؤلمة منها أسر تضطر إلى استهلاك علف حيواني أو أوراق شجر لإطعام أطفالها، وحالات سوء تغذية متزايدة، ونقص أدوية أساسية وإغلاق مستشفيات، ومئات آلاف النازحين داخل قطاع غزة، هيئات أممية وإغاثية أخرى وثقت وجود مجاعة مؤكدة في مناطق، وارتباطاً بذلك ارتفعت وفيات الأطفال والحوامل، وهذه المؤشرات هي ما دفع المجتمع الإغاثي للشعور بأن التدخل العاجل لا يكتفي بخطاب إدانة بل يحتاج إجراءات ملموسة وفورية.

فشل المجتمع الدولي في إصدار استجابة منسقة سيخلق سابقة خطيرة تتمثل في أولاً، يعزز منطق الإفلات من العقاب، ما قد يشجع لاعبين آخرين على تجاهل التزامات القانون الدولي، وثانياً، يزيد من حدة الاستقطاب الدبلوماسي والاحتقان الإقليمي، ويطيل أمد النزاع ويعوق أي فرصة لحلول تفاوضية، وثالثاً، تُضعف مصداقية المنظمات الدولية والدول التي ترنو إلى القيم الإنسانية، ما ينعكس لاحقاً على قدرة النظام الدولي على التدخل في أزمات مستقبلية.

خيارات المساءلة والوسائل العملية المتاحة

قنوات المساءلة تتعدد وتشتمل على المسارات الجنائية الدولية والآليات الوطنية للولاية القضائية العالمية، والتحقيقات التي تقودها هيئات أممية مستقلة، وسياسياً، يمكن للدول فرض عقوبات مستهدفة أو تعليق التعاون العسكري وتجميد صفقات أسلحة، وإنسانياً، يمكن تفعيل أطر حماية مدنية مثل إنشاء ممرات إنسانية محمية من قبل بعثة دولية أو فرق أممية متخصصة، مع تكثيف دعم المنظمات العاملة على الأرض، وتتطلب كل هذه المسارات إرادة سياسية وإجراءات تنسيق دولية، وهو ما تفتقده حالياً الجهود المتفرقة.

دور المجتمع المدني والمنظمات الإغاثية 

المنظمات الإغاثية لا تكتفي بالتوثيق، بل تلعب دوراً ضاغطاً عبر حملات التوعية الدولية، وتوفير شهادات مباشرة إلى هيئات الأمم المتحدة والمؤسسات القضائية، وتنسيق جهود الإغاثة الطارئة، وتستهدف دعواتها أصلاً إثارة مسؤولية المواطنين والمؤسسات المالية لتغيير موازين القوى السياسية عبر ضغط شعبي ودبلوماسي.

تقرير لجنة الخبراء ونداءات المنظمات الإغاثية يضعان المجتمع الدولي أمام اختبار حقيقي للالتزام بواجب منع الإبادة وحماية المدنيين منوها بأن هناك إجراءات قابلة للتنفيذ فوراً تشتمل على فرض وقف إطلاق نار دائم، وإنشاء وتسيير ممرات إنسانية محمية، وتجميد مبيعات الأسلحة ذات الصلة، وفتح تحقيقات مستقلة، واستهداف تمويل إنساني مباشر عبر قنوات محايدة. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية