شبكات الكراهية على فيسبوك.. خطاب اليمين المتطرف يهدد الحقوق الأساسية

في تحقيق أجرته "الغارديان" على مدار عام

شبكات الكراهية على فيسبوك.. خطاب اليمين المتطرف يهدد الحقوق الأساسية
الكراهية على فيسبوك - أرشيف

كشفت صحيفة "الغارديان" البريطانية، في تحقيق استغرق عامًا كاملًا، عن شبكة من مجموعات فيسبوك التي تُروّج لمشاعر مناهضة للهجرة ومعلومات مضللة تسهم -وفق التحليل- في تكريس أيديولوجيات اليمين المتطرف وانتشارها.

اعتمد التحقيق على منهجية رصد بياناتية وتحليل محتوى شمل مئات المجموعات العامة، وبلغ إجمالي أعضاء الشبكة أكثر من 611 ألف عضو حتى نهاية يوليو  2025.

ويتمثل أحد أركان التحليل في انعدام الثقة المؤسسية الواسع بين أعضاء هذه المجموعات، فقد أظهرت العينة أن نحو اثنين من كل خمسة منشورات عبرت عن نقد واسع ومتشدد للمؤسسات الحكومية والشخصيات العامة، مستخدمةً ألفاظًا ازدرائية أو مهينة تجاه الأحزاب السياسية والشرطة والقضاء ووسائل الإعلام، بل ودوائر إنقاذ الحياة، التي وُصفت في بعض المنشورات بأنها "خدمة سيارات أجرة" للمهاجرين،هذه اللغة ليست مجرد تعبيرات عابرة، إنها تؤسس لرواية متكاملة مفادها أن المؤسسات خائنة وعدوة للشعب.

وتبرز في سياق هذا الانحدار خطابات تصف الأحزاب التقليدية بـ"الخونة" و"الغادرين"، بينما يُتهم الإعلام بأنه "مسيطر عليه"، مثل هذه السرديات المشحونة عاطفيًا والخالية من الأدلة الموثقة لا تقتصر على تقويض ثقة الأفراد بالمؤسسات، بل تفتح الباب أمام شرعنة العنف ضد من يُعتبرون ممثلين لهذه المؤسسات.

يؤكد خبراء أن هذا النمط لا يظل محصورًا في الكلام فحسب، بل يمتد تأثيره إلى الشارع، حيث يوضح أستاذ علم النفس الاجتماعي، ساندر فان دير ليندن، أن تقويض مؤسسات الحقيقة والتعليم يُستخدم لتفتيت المواطنة المستنيرة، مشيرًا إلى أن بعض الفاعلين السياسيين يستلهمون أساليب فاشية قديمة لإيهام الجمهور بأن المؤسسات "تخونهم" وتبيع مصالحهم، هذا الاستخدام المتعمد للغة الخيانة يخلق شعورًا دائمًا بالتهديد الوجودي، وهو ما يحفز الأفراد على التفكير في ردود فعل عنيفة.

منشورات مرتبطة بالهجرة

كشفت العينة عن حجم ملحوظ من المنشورات المرتبطة بالهجرة، إذ شكّلت نحو واحد من كل سبعة منشورات، بينما صُنِّفت منشورات مهينة أو عنصرية صريحة ضمن حوالي واحد من كل عشرة من العينة.

وبلغ عدد المنشورات المعادية للمهاجرين أكثر من 4700 منشور، تعكس كيف أصبح المهاجرون كبش فداء للأزمات الاقتصادية والاجتماعية، بدلًا من مناقشة السياسات العامة أو التوزيع غير العادل للموارد.

وتتضح خطورة هذه البيئة الرقمية حين يُربط خطاب الكراهية بالفعل الميداني،حيث رصدت "الغارديان" أن أعمال الشغب التي اندلعت في مناطق من المملكة المتحدة صيف 2024 كانت مُغذّاة بموجات من المعلومات المضللة على شبكات التواصل.

استهدفت بعض الهجمات طالبي اللجوء والمسلمين تحديدًا، منها واقعة إتلاف فندق كان يأوي طالبي لجوء، في تلك الأحداث، لم تكن الكلمات مجرد تعبيرات على الإنترنت، بل أصبحت ذريعة لاعتداءات حقيقية هددت الحق في السكن والأمان لمئات البشر.

رغم ذلك، تضمنت العينة مشاركات تُدين العنصرية، وأشارت الصحيفة إلى أن التواجد في هذه المجموعات لا يعني بالضرورة الانتماء لليمين المتطرف أو ارتكاب مخالفات، غير أن بعض التعليقات حملت علامات يمينية متطرفة واضحة، بما فيها تبريرات لأعمال العنف أو إضفاء شرعية على استهداف الأقليات.

مجموعة مستضعفة أو مهددة

وبرز أيضًا خطاب يصور "البريطانيين البيض" كمجموعة مستضعفة أو مهددة، إذ تبين أن نحو واحد من كل 25 منشورًا يندرج تحت هذا الإطار، هذه السردية التي تعكس شعورًا زائفًا بالضحية تُحوِّل الأغلبية إلى أقلية متخيلة وتستحضر روايات "الاستبدال الكبير".

اعتبرت الباحثة جوليا إبنر أن الأحزاب الشعبوية مثل حركة "الإصلاح" تستفيد من هذه الخطابات التي تغذي التطرف عبر الإنترنت وتشرعن له على أرض الواقع.

كما أظهرت العينة تكرارًا بارزًا لنظريات مؤامرة مثل "إعادة الضبط الكبرى" أو الادعاء بأن منتدى الاقتصاد العالمي يملي السياسات، وظهر هذا النمط في نحو واحد من كل عشرين منشورًا.

تُضعف هذه السرديات الثقة في الخبراء والعلوم وتفتح الباب أمام التضليل، إن تحويل مبادرات اقتصادية أو بيئية إلى "مؤامرات" يسهم في نشر الخوف ويحول الانتباه بعيدًا عن النقاشات الحقيقية التي تخص المواطنين.

وتؤكد الأمثلة التي ذكرتها الصحيفة أن التكرار المستمر لهذه الرسائل يُفعل آلية "حقيقة الوهم"، حيث يزداد قبول العقل لأي سردية كلما تكررت أمامه، بمعنى أن منشوراً واحداً فقط ضد الحكومة في أكتوبر 2024 حقق أكثر من 32 ألف تعليق، مما يعكس حجم التفاعل الذي يولده هذا الخطاب، مثل هذه المنشورات تخلق وهمًا زائفًا بالإجماع، حيث يظن المشاركون أن آلاف التعليقات تعني أن الجميع يوافق على الرأي نفسه، مما يضاعف تأثير الكراهية.

كما أوضحت ممثلة منظمة "أمل لا كراهية"، أنكي ديو، أن حزب "الإصلاح" كان المستفيد الرئيسي من فقدان الثقة في المؤسسات، وأن مجموعات فيسبوك وفرت بيئة خصبة لتجنيد الساخطين، هذه العملية لا تتوقف عند حدود الحوار الرقمي، بل تنتقل إلى الحملات الانتخابية وصناديق الاقتراع، مما يمنح الخطاب المتطرف مساحة أكبر في المجال العام.

منشورات بها محتوى عدائي

وأشارت "الغارديان" إلى أن فيسبوك ترك بعض المنشورات التي تحتوي على محتوى عدائي حتى منتصف مايو 2025، رغم إرشادات ميتا حول خطاب الكراهية.

وقد أثار إعلان الشركة عن تخفيف سياسات الإزالة قلقًا واسعًا لدى خبراء وحقوقيين، الذين اعتبروا أن هذا التراجع يعكس تضاربًا بين السعي وراء الربح وحماية المجتمعات من خطاب العنف.

ولا تتحمل شركات التكنولوجيا هنا مسؤولية تقنية فقط، بل مسؤولية حقوقية تتعلق بواجب العناية وحماية المستضعفين، حيث تثير هذه الوقائع أسئلة حقوقية عن مسؤولية الدولة في الحماية، وعن واجب شركات التكنولوجيا في الرقابة ومنع التحريض، وعن الحقوق المهددة للمهاجرين والأقليات الذين يواجهون تهديدًا مباشرًا لأمنهم وكرامتهم، وإذا فشلت الدولة والمنصات في التصدي لهذه الخطابات، فإن نتائجها لن تقتصر على الكراهية الرقمية، بل ستمتد إلى الشوارع والأحياء.

كما كشفت الصحيفة البريطانية عن أمثلة صارخة تربط الخطاب بالفعل، مثلا:  لوسي كونولي، مربية أطفال وزوجة عضو مجلس محلي، حُكم عليها بالسجن أكثر من عامين ونصف بعد دعوتها إلى إحراق فنادق تؤوي طالبي لجوء، هذه القضية تظهر الخط الفاصل بين الكلام المسموم وتبعاته القانونية، وهي ليست مجرد حادثة فردية، بل نموذجًا لما قد يحدث عندما تتحول الكلمات إلى أفعال، وحين يُصبح خطاب الكراهية مقدمة للعنف المادي.

تنتهي "الغارديان" إلى أن الشبكة تضم أكثر من 611 ألف عضو، مع احتمال وجود حسابات مزدوجة، لكنها تظل ذات تأثير واسع، وتدعو الصحيفة صانعي السياسات وشركات التكنولوجيا والمجتمع الحقوقي إلى تبني سياسات شفافة لإزالة المحتوى التحريضي، وتحسين آليات الإبلاغ، ودعم التعليم الرقمي، وحماية الفئات الأكثر تعرضًا للخطر.

لا تُعد هذه التوصيات ترفًا، بل ضرورة لحماية النسيج الاجتماعي وضمان الحقوق الأساسية للجميع.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية