حين تصبح الحرب روتيناً.. كيف يعيش الأوكرانيون تحت القصف والنار؟

حين تصبح الحرب روتيناً.. كيف يعيش الأوكرانيون تحت القصف والنار؟
عروسان يحتفلان بزفافهما في مدينة سلوفيانسك الأوكرانية

في ظهيرة مشمسة على شاطئ بحيرة في مدينة سلوفيانسك الأوكرانية، ارتسمت مشاهد متناقضة تكاد تُلخّص يوميات الحرب، كان الأطفال يسبحون، والعائلات تتشمس، ورجل يبيع العنب يقرأ كتابًا في هدوء، وفجأةً دوّى انفجار مدفعي قريب، ارتفع الدخان وتطاير البطّ مذعورًا، أما رواد البحيرة فقد اكتفوا بنظرة عابرة للسماء قبل أن يعودوا إلى سباحتهم، بالنسبة لهم، لم يعد الرعب استثناءً، بل جزءًا من حياة اعتادت على الحرب بين روسيا وأوكرانيا منذ أكثر من عقد.

تقول أليونا، متقاعدة جاءت لتستمتع بالسباحة: "لم يعد شيء يُفاجئنا، لدينا ملاجئ قريبة، وإذا كانت القذائف بعيدة نكمل حياتنا كما هي" وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية، كلماتها تختصر التعايش القسري مع أصوات الانفجارات التي تلاحق سكان المدينة منذ عام 2014، عندما تحولت سلوفيانسك إلى إحدى أولى الجبهات في حملة موسكو للسيطرة على دونباس.

لكن القرب من الموت ليس تفصيلًا عابرًا، فقبل أسابيع فقط، استهدفت طائرات مسيرة روسية الطريق السريع المحيط بالمدينة، فأصابت حافلات وسيارات، تاركة قتيلًا وعشرة جرحى، على الطرقات، نُصبت شبكات وقائية وأجهزة حرب إلكترونية لحماية الممر الحيوي الذي يربط سلوفيانسك بجاراتها في شمال دونيتسك، فالمدينة لا تُعد مجرد موقع استراتيجي، بل رمزًا ذا قيمة تاريخية وسياسية لموسكو وكييف على حد سواء.

بين الخطر واستمرار الحياة 

رغم اقتراب الخطر، يتحدث عمدة المدينة، فاديم لياخ، بتفاؤل حذر: "قد يستغرق الجيش الروسي عامًا أو أكثر للوصول إلينا، حياتنا مستمرة هنا، ولدينا مستقبل"، حديثه لا ينفي قسوة الواقع فالروس لا يبعدون سوى 25 كيلومترًا، والمدينة لا تزال مهددة في أي لحظة.

منذ الغزو الروسي الشامل في 2022، فقدت سلوفيانسك آلافًا من سكانها، لكن العدد عاد ليرتفع إلى نحو 50 ألف نسمة، مدعومًا بتدفق جنود ونازحين من مناطق مجاورة، والمستشفى الوحيد للولادة في المنطقة ما زال يعمل رغم كل شيء، يولد فيه ما بين 40 و50 طفلًا كل شهر، في الوقت نفسه، ما زالت المدارس مغلقة وتعتمد على التعليم عن بُعد، العائلات التي لديها أطفال لم تُجبر بعد على الإخلاء، فالمدينة تحاول أن توازن بين الخطر واستمرار الحياة.

ملامح التناقض

الحياة اليومية في أوكرانيا تحمل ملامح التناقض القاسي ففي الحدائق، تُقام حفلات زفاف، ويلتقط الأزواج صورهم تحت أشجار الصفصاف، وفي المقاهي، تُقدَّم المعكرونة الإيطالية وحساء ميلانو، وفي الشوارع الجانبية، تقف منازل محطمة بفعل القصف، مثلما حدث حين دمّر صاروخ روسي مصنع كعك وأودى بحياة مراهق في السابعة عشرة من عمره، وفي مشهد آخر، تُطفأ الأنوار ليلًا لتفادي الطائرات المسيّرة، تاركة السماء مرصعة بنجوم تبدو كأنها تعاند عتمة الحرب.

المدينة تحتفظ أيضًا بذاكرة دامية. ففي 2014 احتلتها ميليشيات موالية لروسيا لثلاثة أشهر، قتل خلالها سياسيون محليون واختُطف أجانب، قبل أن تستعيدها القوات الأوكرانية، منذ ذلك الحين، لم تخرج سلوفيانسك من دائرة الاستهداف، اليوم، يرى البعض أن موسكو تريد استعادتها للانتقام الرمزي، فيما يذكّر آخرون بحاجتها الماسة لموارد المياه التي تمر عبر قنواتها التاريخية.

رغم كل الخراب يصر السكان على أن "الحياة يجب أن تستمر"، في حديقة سلوفيانسك، يلعب الأطفال بينما يودع جندي عروسه الجديدة قبل أن يعود إلى الجبهة، في الأحياء المحطمة، ترفض نساء مسنات مغادرة بيوتهن التي لم يتبق منها سوى الجدران، وبينما يرفع العمدة شعار التفاؤل، يُدرك الجميع أن الحرب لم تنتهِ، وأن أي تفاوض على مستقبل المدينة لن يُغير إصرار الناس على التشبث بأرضهم.

سلوفيانسك، المدينة التي تأسست قبل 380 عامًا واشتهرت بملحها وغاباتها، تعيش اليوم على الحد الفاصل بين الحياة والموت، إنها صورة مكثفة لأوكرانيا بأكملها، وطن يحاول أن يرقص في الأعراس بينما يسمع دويّ المدافع، ويزرع الأمل رغم أن الأرض من حوله مليئة بالحفر والرماد.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية