الخبز بطعم الدخان والبلاستيك المحروق.. نساء وأطفال غزة بين نار الحرب واختناق الحياة
الخبز بطعم الدخان والبلاستيك المحروق.. نساء وأطفال غزة بين نار الحرب واختناق الحياة
في جنوب قطاع غزة، حيث نزحت آلاف الأسر هرباً من القصف، تتصاعد سحب دخان سوداء من أفران بدائية، النساء هنّ من يتولين تشغيل هذه الأفران باستخدام البلاستيك والكرتون وقوداً، في محاولة لتأمين لقمة العيش، لكن كل نفس يملؤه هذا الدخان يحمل معه خطراً جديداً على الصحة العامة، خصوصاً في ظل غياب الأدوية الأساسية ونقص أجهزة التنفس في المستشفيات.
أم محمد: "الفرن يقتلني ببطء"
أم محمد المصري، نزحت من بيت حانون إلى جنوب قطاع غزة، وفق موقع أخبار الأمم المتحدة، تصف حياتها اليومية بأنها معركة مع الدخان والمرض تعاني من الربو ولا يفارق يدها بخاخ الاستنشاق.
تقول بصوت متهدج: "أستخدم الجهاز أكثر من 15 مرة يومياً، الطبيب أخبرني أنه يكفيني 15 يوماً، لكنه لا يصمد سوى ثلاثة، الدخان يملأ خيمتي، ومع ذلك لا أستطيع التوقف عن العمل، لدي أبناء يحتاجون الطعام ولا خيار آخر".
عائشة: "أنا حامل وأمضي يومي أمام النار"
عائشة الراعي، في شهرها الثامن من الحمل، تجلس ساعات طويلة أمام فرنها الطيني، الدموع لا تفارق عينيها وهي تروي قصتها: "أستيقظ مع بناتي في الصباح لجمع الكرتون والبلاستيك، لا نملك خياراً آخر، زوجي مصاب ولا يستطيع العمل، أجلس طول اليوم أمام النار والدخان وأنا حامل، نتمنى فقط أن تُرفع عنا هذه المحنة".
أم محمد أبو زعيتر: "النار أكلتنا"
أما أم محمد أبو زعيتر، فتدير مع زوجها فرناً بدائياً منذ عام ونصف العام، إصابتها بجلطة لم تثنها عن مواصلة العمل. تقول: "النار أكلتنا، لكننا مضطرون، لدينا أبناء وبنات مرضى، توقفنا أسبوعاً عن العمل، لكن عدنا لأننا لا نملك مصدراً آخر للرزق، كل ما نريده أن نحيا بكرامة".
أفران الموت وغياب الدواء
بحسب وزارة الصحة في قطاع غزة، أدى استخدام البلاستيك والورق في الأفران إلى تفشي أمراض الجهاز التنفسي، مثل الالتهاب الرئوي والربو، ويؤكد الدكتور خليل الدقران، المتحدث باسم الوزارة، أن المستشفيات عاجزة عن تقديم العلاج مضيفاً: "نقص الأدوية والمستلزمات الطبية يحرم آلاف المرضى من العلاج، استمرار إغلاق المعابر ومنع دخول الوقود والغاز فاقم الأزمة، الوضع يتطلب تدخلاً عاجلاً لإدخال الأدوية والوقود لإنقاذ الأرواح".
صرخة للإنقاذ
هذه المشاهد تكشف صورة مأساوية لمعاناة المدنيين في غزة، حيث تتحول أبسط الحقوق –كالحصول على الخبز– إلى معركة يومية ضد المرض والموت، فالنساء النازحات يجدن أنفسهن عالقات بين توفير لقمة العيش وتعريض أجسادهن وأطفالهن لأبخرة سامة.
الأمم المتحدة تؤكد استعدادها لإدخال المساعدات العاجلة، لكن العراقيل ما زالت تمنع وصولها، وبينما يتفاقم الاختناق داخل الخيام، يظل الأمل معلقاً على تدخل دولي يضمن تدفق الدواء والوقود والغذاء إلى المحاصرين.
الحرب في غزة وأثرها الإنساني
منذ اندلاع الحرب في غزة في أكتوبر 2023، يعيش القطاع واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، حيث يوجد أكثر من مليوني شخص محاصرون في شريط ساحلي ضيق، يعانون نقصاً حاداً في الغذاء والوقود والدواء.
القصف المتواصل دمّر البنية التحتية الأساسية، بما في ذلك المستشفيات وشبكات المياه والكهرباء، كما شرد القتال مئات الآلاف، الذين اضطروا إلى الاحتماء في مدارس مكتظة أو خيام مؤقتة.
المنظمات الدولية تحذر من أن القيود على دخول المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة تفاقم الأوضاع بشكل كارثي، فغياب الوقود يعني توقف الأفران والمخابز والمستشفيات ومحطات المياه، ووسط هذه الظروف، يتزايد اعتماد السكان على وسائل بدائية للبقاء على قيد الحياة، حتى لو كانت على حساب صحتهم.
تُظهر أزمة غزة بجلاء أن الحرب لا تدمر فقط المباني، بل تفتك بالحياة اليومية للمدنيين، وخاصة النساء والأطفال، الذين يجدون أنفسهم في مواجهة قاسية مع الجوع والمرض والحرمان من أبسط مقومات العيش الكريم.