استهداف المستشفيات والعاملين بالطب.. كيف دمرت الحرب النظام الصحي في اليمن؟

استهداف المستشفيات والعاملين بالطب.. كيف دمرت الحرب النظام الصحي في اليمن؟
آثار استهداف مستشفى في اليمن

كشف تقرير حديث للشبكة اليمنية للحقوق والحريات تسجيل نحو 5,423 انتهاكًا حوثياً طال القطاع الصحي في اليمن خلال الفترة 2017–2024، تشمل عمليات قتل واعتقالاً وإخفاءً قسرياً واستهدافاً مباشراً للمرافق الطبية وتحويلها إلى ثكنات عسكرية، ونهباً للمستلزمات الطبية. 

وتؤكد أرقام التقرير أن الكلفة البشرية بلغت 62 قتيلًا من منتسبي القطاع، إلى جانب عشرات من الإصابات والاعتقالات، بالإضافة إلى مئات حالات الإغلاق والتدمير الجزئي والكلي للمستشفيات والعيادات، وفق "سبأ نت".

أسباب الانتهاكات

تتعدد أسباب استهداف القطاع الصحي في اليمن، وتتشابك فيها دوافع عسكرية واستراتيجية وسياسية، ويشير توثيق المشاريع البحثية ومنظمات الرصد إلى أن بعض الأطراف المسلحة تستخدم المنشآت الصحية لأغراض عسكرية أو تستغلها لتأمين ممرات علاج لمقاتليها، ما يحوّل هذه المواقع هدفًا محتملاً للضربات والاقتحامات.

كما تسهم سياسات الاحتكام إلى القوة والانتقام المحلي، إلى جانب النقص الحاد في الرقابة والآليات القضائية المستقلة، في إفلات مرتكبي الانتهاكات من المساءلة، ما يعزز تكرار الانتهاكات، كما تشير تقارير التحالف الدولي لرصد الهجمات على الرعاية الصحية إلى تصاعد حوادث العنف والاعتداءات على المرافق الصحية عالميًا وفي اليمن على نحو يهدد الحماية القانونية للمواطنين والكوادر الطبية. 

ويوضح تقرير الشبكة أن الانتهاكات الموثقة تنوعت بين قتل مباشر وقنص وألغام وقصف استهدف منشآت ومركبات إسعاف، ووصلت إلى تفخيخ وتفجير منشآت طبية، إضافة إلى استيلاء على مستلزمات طبية وبيعها في السوق السوداء، وسجل التقرير 1,240 حالة انتهاك للمرافق الصحية شملت اقتحامات وإغلاقات وتدميرًا جزئيًا وكليًا، و137 حالة تحويل منشآت إلى مواقع عسكرية، و29 حالة استهداف لسيارات الإسعاف، إلى جانب 167 حالة اعتقال واختطاف للعاملين في المستشفيات، وتُعد هذه الإحصاءات مادة دامغة للاعتبار بأن الأثر لا يقتصر على خسائر فورية بل يمتد لتقويض قدرة المجتمع على مواجهة الأوبئة والأمراض المزمنة. 

تداعيات إنسانية

نتيجة لهذه الانتهاكات والتراكمات الأمنية والاقتصادية، تحوّل اليمن إلى واحد من أكثر بؤر الأزمة الصحية في العالم، فعدد كبير من المرافق إما مغلق أو يعمل جزئيًا، والكادر الطبي يعاني من نقص حاد في الحماية والأجور والموارد، ما دفع أعدادًا كبيرة من المهنّيين إلى الهجرة أو الخروج عن منظومة العمل الصحي، وتشير تقارير منظمة الصحة العالمية والبحوث العلمية إلى أن أكثر من نصف المنشآت الصحية تعرض لأضرار أو توقف عن العمل، وأن ملايين اليمنيين باتوا محرومين من خدمات أساسية كالتوليد والرعاية الطارئة والأمراض المُعدية، ويفاقم ضعف النظام الصحي مخاطر انتشار الأوبئة وارتفاع وفيات الأمهات والأطفال ويطيل أمد الأزمة الإنسانية وفق منظمة الصحة العالمية.

أعادت تقارير الشبكة الحقوقية وحصيلة التوثيق موجة مطالبات من منظمات دولية ومحلية بفتح تحقيقات فورية ومستقلة ومحاسبة المسؤولين عن الانتهاكات، وحددت منظمات حقوق الإنسان، مثل هيومن رايتس ووتش ومنظمات أخرى، أن استمرار الاعتداءات والتحقيقات غير المستقلة يعزز إفلات مرتكبي الانتهاكات من العقاب ويشكل خرقًا واضحًا للقانون الدولي، كما دعت منظنات أممية عدة، منها مفوضية حقوق الإنسان والجهات المعنية بالأمم المتحدة، إلى حماية المرافق الصحية بشكل عملي وضمان وصول المساعدات، في حين وثقت جهات أممية حالات وفاة وتوقّف خدمات طبية أساسية بسبب الحصار والقيود الأمنية. مؤخرًا نبهت منظمات مثل العفو الدولية إلى حالات اعتقال للعاملين الإنسانيين وطلبت تحرّيات مستقلة؛ ونشطاء حقوقيون طالبوا بتدابير ضغط دولي لوقف نهب الإمدادات الطبية والتحويلات العسكرية للمستشفيات.

ويحمي القانون الدولي الإنساني الأطراف المدنية والعاملين في المجال الطبي والمنشآت الصحية تحصينًا ضد الاستهداف، وتؤكد اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها والقاعدة العرفية أن المستشفيات وفرق الإسعاف يجب أن تُحترم وتُحمى في جميع الأوقات، إلا إذا كانت تُستخدم لأغراض عسكرية؛ إذ يشكل ذلك تحوّلًا في وضعها القانوني، وتضع الوثائق الدولية التزامات واضحة للدول والأطراف المسلحة بالتحقيق في الانتهاكات ومعاقبة المسؤولين، ودعت المنظمات الدولية والهيئات القضائية مرارًا إلى تفعيل هذه الآليات، لكن التطبيق على الأرض يواجه عقبات سياسية وقانونية وتجذر الإفلات من العقاب، بحسب اللجنة الدولية للصليب الأحمر.

بماذا تطالب المنظمات الحقوقية؟

تتفق التوصيات الحقوقية والأممية على نقاط عملية: حماية فورية للمرافق الصحية، ووقف استخدام المستشفيات لأغراض عسكرية، وإطلاق سراح المعتقلين من الكوادر الصحية، وإتاحة وصول آمن ومنتظم للمساعدات الطبية، وإجراء تحقيقات وطنية ودولية مستقلة، وفرض عقوبات مستهدفة ضد من يثبت تورطهم في جرائم ضد الرعاية الصحية، كما دعت التحالفات الطبية الدولية إلى تعزيز آليات التوثيق المستقل للانتهاكات وتوسيع الضغوط الدبلوماسية لوقف نهب الإمدادات الطبية والاعتداء على الطواقم. وثمة تقارير موثقة من جمعيات طبية دولية تؤكد أن الحماية القانونية وحدها غير كافية من دون إرادة سياسية ومساءلة فعلية. 

تعود جذور الأزمة الحالية إلى سنوات من الصراع الممتد في اليمن منذ 2014، حيث شهدت البلاد تدهورًا تدريجيًا في البنية التحتية الصحية نتيجة القتال المتكرر، وفرض حصص السيطرة من قبل فصائل عدة، وفرض قيود على استيراد الأدوية والمعدات. وعلى مرّ السنوات تشكلت أنماط جديدة من استهداف قطاعات الصحة سواء عبر القصف أو الاقتحام أو الحجز أو التحويل العسكري للمنشآت، ما جعل حماية هذا القطاع ميدانًا مركزيًا في الصراع القائم. 

ما توثّقه الأرقام والإحصاءات ليس مجرد دفاتر أعداد؛ إنه وجعٌ يومي يكشفه مريض لا يجد سريرًا للعلاج، وطفلٌ يُحرم من لقاحٍ بسيط، وممرّض يدفن زميله بعد قنص أو تفجير. وحماية الصحة في وقت الحرب ليست ترفًا أخلاقيًا بل شرط محوري لاستمرارية الحياة والكرامة الإنسانية، وتكرس التوصيات الحقوقية والدولية أن معالجة هذا الملف تتطلب تضافرًا فعليًا بين الضغوط الدولية، وآليات المساءلة، والالتزام المحلي بحماية المستشفيات والكوادر، قبل أن تتحول الخسارة الصحية إلى كارثة بشرية لا رجعة عنها. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية