بين أنياب الحرب.. 160 ألف انتهاك حوثي يعمق المأساة الإنسانية في اليمن

بين أنياب الحرب.. 160 ألف انتهاك حوثي يعمق المأساة الإنسانية في اليمن
عناصر من ميليشيا الحوثي اليمنية

وثّقت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات أكثر من 160 ألف واقعة انتهاك ارتكبتها ميليشيا الحوثي منذ اجتياحها العاصمة صنعاء في سبتمبر 2014 وحتى النصف الأول من عام 2025، التقرير الصادر بالتزامن مع الذكرى الحادية عشرة لانقلاب الجماعة، كشف صورة قاتمة لما وصفه مراقبون بأنه "إحدى أسوأ الكوارث الحقوقية والإنسانية في اليمن خلال العصر الحديث".

وبحسب الإحصاءات الواردة في التقرير الصادر يوم الأحد، بلغ عدد القتلى المدنيين نحو 21 ألفاً و946 شخصاً، بينهم أكثر من أربعة آلاف امرأة وما يقارب أربعة آلاف طفل، أما الإصابات المتنوعة التي طالت مدنيين كثيرين فأوصلت عدد الجرحى إلى أكثر من 33 ألفاً، بينهم نساء وأطفال أصيب بعضهم بإعاقات دائمة.

انتهاكات متعددة الوجوه

لم تتوقف الجرائم الموثقة عند القتل والإصابة، بل شملت أنماطاً مختلفة من الانتهاكات الممنهجة، إذ بلغ عدد حالات الاختطاف أكثر من 21 ألفاً و700، بينهم أطفال ونساء، بينما سُجلت 2678 حالة إخفاء قسري، كما تعرض نحو ألفي شخص لشتى أنواع التعذيب النفسي والجسدي داخل السجون، أفضى بعضها إلى الوفاة، بينهم موظف أممي.

الانتهاكات طالت كذلك الممتلكات والأعيان المدنية، حيث وثّق التقرير أكثر من 71 ألف واقعة تتراوح بين نهب واقتحام وتفجير، إضافة إلى استهداف المساجد والمرافق الصحية والمدارس والمقار الحكومية في اليمن، ولم تسلم المؤسسات الإعلامية من القمع، إذ أُغلقت قنوات وصحف وإذاعات، وتم حجب مئات المواقع، فضلاً عن مقتل 65 إعلامياً وإصابة واعتقال آخرين.

تعود جذور هذه الانتهاكات إلى التحولات التي شهدها اليمن مع سقوط العاصمة صنعاء بيد الحوثيين عام 2014، فسيطرة الجماعة المسلحة على مؤسسات الدولة خلقت فراغاً أمنياً وانهياراً لمنظومة العدالة، وهو ما فتح الباب واسعاً أمام سياسة ممنهجة تقوم على القمع وتصفية الخصوم والسيطرة بالقوة.

من جهة أخرى، أسهم طول أمد الحرب وتعدد الأطراف الإقليمية والدولية المتدخلة في تعقيد الأزمة، ما جعل المدنيين الحلقة الأضعف، وغياب المحاسبة الدولية الصارمة وضعف آليات الردع عزّزا من استمرار هذه الممارسات بلا خوف من العقاب.

التداعيات الإنسانية

انعكست الانتهاكات الحوثية على حياة اليمنيين بشكل مباشر؛ مئات الآلاف من الأسر تعيش مأساة يومية، حيث فقدت معيلها أو عانت من إصابات دائمة أو اضطرت للنزوح بعد تدمير منازلها، الأطفال، الذين يشكلون 15% من ضحايا القتل الموثقين، يواجهون مستقبلاً غامضاً مع الحرمان من التعليم وتفاقم الأوضاع النفسية.

التداعيات الصحية بدورها فادحة، فإلى جانب الضحايا المباشرين للقصف والاغتيالات، أدى استهداف المرافق الصحية إلى انهيار المنظومة الطبية، فيما فاقمت الحرب انتشار الأوبئة وسوء التغذية، ووفق تقارير الأمم المتحدة، يعيش أكثر من 21 مليون يمني اليوم بحاجة إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، بينهم 12 مليون طفل.

أثارت هذه الأرقام ردود فعل واسعة بين المنظمات المحلية والدولية، ودعت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات المجتمع الدولي إلى "تحرك عاجل لوقف مسلسل الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين"، وطالبت منظمة "هيومن رايتس ووتش" في تقارير سابقة بإحالة ملف اليمن إلى المحكمة الجنائية الدولية، مشيرة إلى أن "الانتهاكات الحوثية ترقى إلى جرائم حرب".

من جهتها، وصفت منظمة العفو الدولية سياسة الحوثيين في اليمن بأنها "استراتيجية تقوم على إرهاب السكان المدنيين"، فيما شدد مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة في دورات سابقة على ضرورة فتح تحقيقات مستقلة وشفافة.

موقف القانون الدولي

وفق القانون الدولي الإنساني، تعد الانتهاكات الموثقة جرائم جسيمة، فالقتل خارج نطاق القانون، والتعذيب، والإخفاء القسري، وتجنيد الأطفال جميعها أفعال تندرج تحت جرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية، واتفاقيات جنيف تحظر استهداف المدنيين أو الأعيان المدنية بشكل مباشر، وهو ما تجاهلته الممارسات الحوثية المتكررة.

رغم ذلك، فإن غياب آلية دولية فعالة للمحاسبة جعل تطبيق العدالة مسألة مؤجلة، فمجلس الأمن اكتفى بقرارات تدين السلوك الحوثي وتفرض عقوبات على قيادات محدودة، بينما ظلت معظم الجرائم بلا عقاب، ما فاقم الإحباط لدى الضحايا وأسرهم.

تجربة اليمن مع الانتهاكات ليست وليدة الحرب الأخيرة، منذ حروب صعدة الست بين الحوثيين والحكومة اليمنية في العقد الأول من الألفية، تراكمت ممارسات عنف وعمليات تهجير وقتل، إلا أن الانقلاب على السلطة الشرعية عام 2014 وما تبعه من حرب أهلية شاملة، فتح الباب أمام أوسع موجة انتهاكات في تاريخ البلاد الحديث.

مقارنة مع أزمات سابقة في المنطقة، يضع المراقبون مأساة اليمن في سياق واحد مع المآسي الكبرى مثل دارفور وسوريا، حيث التداخل بين النزاعات الداخلية والتدخلات الخارجية أنتج بيئة خصبة لانتهاكات حقوق الإنسان.

الحاجة إلى تحرك دولي

تؤكد التقارير الحقوقية أن استمرار الوضع الحالي دون محاسبة جدية يشجع على تكرار الانتهاكات ويعمق مأساة المدنيين، الدعوات تتزايد لتشكيل آلية دولية خاصة باليمن شبيهة بالآلية التي أُنشئت لسوريا، تكون مهمتها جمع الأدلة تمهيداً للمساءلة القضائية.

كما تطرح منظمات أممية مقترحات بزيادة الضغط الدبلوماسي وفرض عقوبات أوسع على قيادات حوثية متورطة في الانتهاكات، إلى جانب تعزيز الدعم الإنساني للمدنيين المتضررين.

الأرقام الواردة في التقرير الأخير ليست مجرد إحصاءات، بل قصص آلاف الأسر التي فقدت أحبتها أو عاشت معاناة الاعتقال والتعذيب والنزوح. مع ذلك، تبقى المطالبة المستمرة بالعدالة والمساءلة بارقة أمل للضحايا.

يبقى التحدي الأكبر أمام المجتمع الدولي هو الانتقال من مرحلة التوثيق والإدانة إلى مرحلة المحاسبة الفعلية، بما يضمن وقف الانتهاكات وحماية المدنيين. فاليمن، الذي يعاني من واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم، يحتاج إلى أكثر من بيانات إدانة، يحتاج إلى خطوات ملموسة تضع حداً لنزيف المعاناة المستمر منذ أكثر من عقد.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية