منظمة حقوقية تتهم فيتنام بشن حملة قمع موسّعة على المعارضين

منظمة حقوقية تتهم فيتنام بشن حملة قمع موسّعة على المعارضين
قوات الأمن في فيتنام

في السادس من أكتوبر 2025، اعتقلت السلطات الفيتنامية الزعيم المعارض المعروف هوينه نغوك توان في مقاطعة داك لاك، متهمة إياه بالدعاية ضد الدولة استنادًا إلى المادة 117 من قانون العقوبات، على خلفية منشوراته وتعليقاته على مواقع التواصل الاجتماعي.

وبحسب تقرير هيومن رايتس ووتش الصادر حديثًا، فإن هذه الحملة تمثل تصعيدًا في قمع الأصوات المعارضة في مرحلة حاسمة تسبق انعقاد المؤتمر الرابع عشر للحزب الشيوعي، المقرّر في يناير 2026، وإجراء انتخابات وطنية في مارس.

وقد دفعت هذه الاعتقالات الحقوقيين الدولي والمحلي إلى إصدار تحذيرات من محاولات مزيد من خنق الحقوق الأساسية في بلد يُعد من النظم الشيوعية الأكثر تقييدًا.

الاعتقال والقوانين المستخدمة

تواجه هوينه نغوك توان، البالغ من العمر 62 عامًا، حكمًا قد يصل إلى 12 سنة سجناً إذا ثبتت إدانته، ومنذ اعتقاله، يُسمَح للسلطات بمنعه من الاستعانة بمحامٍ أو استقبال زيارات عائلية خلال التحقيق، وهو أمر قانوني بموجب التعديلات التي تجيز هذا الحرمان في بعض الجرائم الأمنية.

يُعد هذا الاعتقال امتدادًا لمسار طويل من ملاحقة السلطات له، بدءًا من سجنه السابق عام 1992 لعشر سنوات بتهمة نشر أعمال كانت تُعد معارضة، وسجنه لأكثر من عقد مع مناشداته لحرية التعبير والعدالة الاجتماعية، كما أن عائلته تعرضت لضغوط متكررة: في 2021، قضت ابنته هوينه ثوك في بالسجن 30 شهرًا بتهمة إهانة العلم الوطني، بينما مُنع ابنه من السفر في 2025 لأسباب أمنية مزعومة.

لكن هوينه ليس وحده في دائرة الاستهداف الحديث، ففي 7 أكتوبر، اعتقلت السلطات الفيتنامية قسًا محليًا يُدعى إي نوين أيون في المرتفعات الوسطى، متهمة إياه باستخدام المادة 116، وهي تهمة شائعة تُستخدم لتجريم التعبير الديني أو الانتقادات الموجهة إلى السلطة، وفي مقاطعات أخرى مثل جيا لاي ونغي آن، طالت الاعتقالات ناشطين في حقوق الأراضي ومدونين بدعوى إساءة استخدام الحق في التعبير والدعاية ضد الدولة بموجب المادة 331 و117، وهو ما يعكس توسيع نطاق المطاردة القانونية ضد المعارضين والنشطاء.

وقد سجلت في الأشهر العشرة الأولى من 2025 أكثر من 40 حالة اعتقال لأشخاص انتقدوا الحكومة أو شاركوا في أنشطة دينية مستقلة، مُوجَّه إليهم اتهامات تتراوح بين “إساءة استخدام الحق في التعبير وتقويض سياسة الوحدة والدعاية ضد الدولة.

ردود هيومن رايتس

قالت باتريشيا غوسمان، المديرة المساعدة لقسم آسيا في هيومن رايتس ووتش، إن اعتقال هوينه يكثف من نمط مضطهِد يُمارَس ضده منذ عقود بسبب كشفه الظلم الاجتماعي في فيتنام، مضيفة أن “الحكومة لا تستطيع احتمال أي نقد، لذا تسعى لإسكاته.

هيومن رايتس ووتش راجعت مقاطع فيديو متعددة تُظهر استخدامًا متهورًا للقوة، مثل إطلاق الغاز المسيل للدموع بشكل مباشر نحو المتظاهرين والمنازل، وتفريق سلمي للمتظاهرين بطريقة لا تلتزم بالمعايير الدولية. وأشارت المنظمة إلى أن السلطات أوقفت وكالات إعلام محلية، وعلّقت عملها مؤقتًا، وشرّعت قوانين تسمح بتجميد حسابات المنظمات أو إلغاء تراخيصها بحجة خروقات جسيمة.

في عام 2025، حُكِم بموجب المادة 331 على ما لا يقل عن 124 شخصًا في قضايا تتعلق بحرية التعبير، وفقاً لتقرير هيومن رايتس ووتش الصادر في أبريل 2025. 

كما حذرت المنظمة من أن المادة 331 تُستخدم على نطاق واسع كأداة قانونية لشل أي انتقاد للحكومة أو محليًّا لأي شخص يعبّر عن مظالمه على الإنترنت أو في المجتمع المدني.

منظمات حقوقية ومحلية في فيتنام، مثل "The 88 Project"، عززت هذه التحذيرات، مشيرة إلى أن الضغط على النشطاء السياسيين والدينيين تضاعف في 2025، مع اعتقالات باستخدام مواد قانونية غامضة، وعمليات تعطيل لمجتمع المدافعين عن الحقوق. 

على الصعيد الدولي، أعرب الاتحاد الأوروبي، خلال جلسة مجلس حقوق الإنسان في مارس 2025، عن قلقه الشديد إزاء الاعتقالات المتكررة للمدافعين عن حقوق الإنسان والمدافعين البيئيين في فيتنام ودعا إلى احترام حرية التعبير والتجمع في البلاد. 

تحليل قانوني وحقوقي

تُعدّ فيتنام طرفاً في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، الذي يُلزِمها بضمان الحريات العامة كالتعبير والتجمع، مع الشروط المقبولة قانونًا فقط، لكن القانون الجنائي الفيتنامي، وخصوصًا المواد 116 و117 و331، تُصاغ بلغة غامضة تُتيح للسلطات ملاحقة منتقديها على التهم الأمنية أو السياسية.

المادة 117 تُجرّم “الدعاية ضد الدولة”، والمادة 331 تُوجّه ضد من “يستخدم الحق في التعبير للدخول في أفعال ضارة بمصالح الدولة”، في حين أن المادة 116 تُستخدم غالبًا لاستهداف القادة الدينيين أو النقاد الدينيين، هذه المواد تُستخدم في غياب معايير واضحة تُميز بين التعبير السلمي الذي يجب حمايته وبين النشاطات التي تُشكِّل تهديدًا فعليًا.

كما أن الحرمان القانوني من الاستشارة القانونية أو الزيارات العائلية في التحقيقات، وهو ما يسمح به القانون الفيتنامي في هذه الحالات، يُعد مخالفة لحق الدفاع العادل والإجراءات القانونية الدولية.

غياب شفافية المحاكمات والعمليات القضائية التي تُعقد بشكل سريع أحيانًا، وفي غياب رقابة مستقلة، يُثير شبهة أن هذه المحاكمات تُستخدَم رادعاً ضد أي معارضة، لا كآليات محاكمة عادلة.

التضييق على الحريات العامة

شهدت فيتنام على مدى عقود أطوارًا من التضييق على الحريات العامة حيث تم اعتماد قانون العقوبات لعام 1999 وتعديلاته لاحقًا، والذي يتضمّن مواد السرية الوطنية والتشهير والدعاية المعروفة بتوظيفها ضد المدافعين عن حقوق الإنسان.

منذ تبنّي قانون العقوبات لعام 2015، وسعت السلطات استخدام المواد 117 و331 و116 لاستهداف النشطاء والمدونين وحتى النقاد الحكوميين العاديين. 

وفق تقرير هيومن رايتس ووتش الصادر في أبريل 2025، تحت عنوان "We’ll All Be Arrested Soon" استخدمت السلطات المادة 331 لاعتقال نشطاء تعبير سلمي من أصحاب مطالب اجتماعية وحقوقية لم يشكّل معظمهم تهديدًا حقيقيًا للسيادة. 

علاوة على ذلك، غالبًا ما يُوضع النشطاء تحت الإقامة الجبرية أو المراقبة الأمنية لمنعهم من حضور الفعاليات أو السفر أو اللقاء مع آخرين، وهي ممارسة توثّقها منظمات دولية منذ سنوات. 

تداعيات ميدانية وإنسانية

الاعتقالات تستهدف النشطاء من كبار السن، والقساوسة، والمعارضين البيئيين، والمدونين، مما يُخلف أثرًا مدمرًا على المجتمع المدني في فيتنام، وكثيرون يعيشون في خوف من الملاحقة أو ترك الأحباء خلف القضبان.

على سبيل المثال، مع استهداف هوينه نغوك توان، يُهدد إغلاق صوت بارز بسنوات من التوثيق والمعاناة التي كان ينشرها حول القضايا الاجتماعية، كما تعاني العائلات ممن يُمنع عنها الزيارات أو تُفرض عليها قيود السفر، ما يُخلّف آثارًا نفسية مهمة.

كما أن الاعتقالات في سياق الانتخابات أو المؤتمرات الحزبية تُرسّخ فكرة أن النظام يعزز الاستبداد في أوقات الاستحقاقات السياسية، ما يُقوّض أي أمل في تغيير داخلي سلمي أو إصلاح تدريجي.

نداء للمساءلة والإصلاح

يُطالب تقرير هيومن رايتس ووتش الحكومة الفيتنامية بـالإفراج الفوري عن هوينه نغوك توان وفِكّ جميع التهم الباطلة، وضمان حقه في المحاكمة العادلة والتمثيل القانوني، كما دعت المنظمة إلى إلغاء أو مراجعة المواد 116 و117 و331 التي تُستخدم كآليات قانونية لقمع التعبير، وتعديل قانون الإجراءات الجنائية لضمان حقوق الدفاع والشفافية.

على المستوى الدولي، حُثّت الدول والشركاء في فيتنام، مثل الاتحاد الأوروبي والدول التي تربطها اتفاقيات تجارية بها بنود حقوقية، إلى الضغط على هانوي لوقف الاعتقالات السياسية، ورفع ملف حقوق الإنسان في المفاوضات الدولية.

وفي هذا السياق، ينبغي التذكير بأن فيتنام عضو مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، ما يضع على عاتقها التزامًا دوليًا باحترام حقوق الإنسان والحريات العامة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية