منيبة مزاري.. فنانة باكستانية وحقوقية تدافع عن أهداف التنمية المستدامة
منيبة مزاري.. فنانة باكستانية وحقوقية تدافع عن أهداف التنمية المستدامة
في صباحٍ غارقٍ بالضوء، تجلس منيبة مزاري أمام لوحةٍ لم تكتمل بعد، ألوانها تتسرب من حدود الإطار، كما لو أنها ترفض القيود، تمامًا كما رفضت صاحبتها أن تُحاصر في حدود الإعاقة.
منيبة التي تُعرف اليوم بلقب "المرأة الحديدية الباكستانية"، لم تكن تبحث عن بطولة، بل عن معنى جديد للحياة بعد أن سلبها حادث سير في باكستان في الحادية والعشرين من عمرها القدرة على المشي، لكنها لم تفقد قدرتها على الحلم، من رماد المحنة، بدأت تبني ذاتها من جديد، لتصبح فنانة وناشطة ومدافعة عن كرامة الإنسان بكل أشكاله وقدراته وفق موقع أخبار الأمم المتحدة.
واليوم، وبصوتٍ مفعم بالصلابة والحنان في آن واحد، تتحدث بوصفها مدافعة عن أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، امرأة تعيش على كرسي متحرك لكنها ترفع العالم من حولها إلى مستوى أعلى من الإنسانية.
تجربة وليست شعارات
تقول منيبة بابتسامتها الهادئة: "تعلمتُ أن الشجاعة ليست في غياب الخوف، بل في السير رغم وجوده، إذا واجهتَ محنتك بشغفٍ وإصرار، فإن الحواجز تتحول إلى جسور، والمحن إلى فرص".
لم تكن الكلمات شعارًا، بل تجربة حيّة، فمن فتاة كسرت الحادثة عمودها الفقري، إلى أول مذيعة تلفزيونية في باكستان تستخدم كرسياً متحركاً، إلى فنانة تعرض أعمالها في معارض عالمية، إلى وجه إنساني يمثل صوت الملايين ممن لا تُسمع أصواتهم.
تقول وهي تتأمل رحلتها: "الإعاقة الحقيقية هي أن يسمح الإنسان للآخرين أن يُعرّفوه، لا أن يكتشف هو ذاته".
شمول يتجاوز التعاطف
بالنسبة لمنيبة، لا يعني الدمج التعاطف، بل المساواة الحقيقية، تقول: "لا نريد الشفقة، نريد الفُرص، المجتمع الشامل لا يُبنى على العطف، بل على قبول الاختلاف بوصفه قيمة".
ترى أن الشمول يبدأ من المدرسة والبيت، من طريقة التربية، ومن لغة الحوار مؤكدة أن المجتمع الشامل هو الذي يشعر فيه أفراد الجميع أنهم مرئيون ومسموعون ومرحّب بهم، ليس لأنهم يشبهون الآخرين، بل لأنهم أنفسهم.
الفن بالنسبة لمنيبة ليس مهنة، بل شفاء، حيث تقول: "وسط هذا العالم المثقل بالألم، الفن هو طوق نجاة، إنه لغة يمكنها أن تُعيد للناس إيمانهم بأنفسهم".
خلال سنواتها الأولى بعد الحادث، كانت الريشة واللون طريقها للتعبير، وسلاحها ضد العزلة. اليوم، تستخدم الفن أداة للتغيير الاجتماعي، لتروي من خلاله قصص الأمل، وتُذكّر الناس أن الجمال ليس نقيض الألم، بل يولد منه.
رجال لا يخافون نجاح النساء
تضحك منيبة وهي تتحدث عن ابنها الذي نشأ في بيتٍ مختلف: "يعرف أن والدته لا تطبخ، لكنها تعمل طوال اليوم بشغف وتساعد الآخرين. هذا طبيعي بالنسبة له".
وتضيف بابتسامة تحمل حكمة: “علينا ألا نربي فقط فتيات قويات، بل فتياناً أقوياء أيضاً، والرجل القوي هو الذي لا يشعر بالتهديد حين يرى امرأة تنجح”.
تتذكر منيبة بداياتها حين قيل لها: “ستكونين أول امرأة على كرسي متحرك تعمل في الإعلام الباكستاني، وستكون الأمور صعبة”، وتقول: "حينها قلت لنفسي: قد أكون الأولى، لكنني بالتأكيد لن أكون الأخيرة".
كانت تلك الجملة وعداً، وعدٌ قطعته على نفسها ووفَت به، حين فتحت الطريق أمام جيل جديد من ذوي الإعاقة ليتقدموا بخطواتٍ واثقة حتى لو لم يستطيعوا المشي.
منيبة مزاري لا تتحدث عن الأمل بوصفه ترفاً، بل ضرورة للبقاء، رؤيتها للمستقبل بسيطة وعميقة: "أريد عالماً يقبل الناس كما هم. عالماً لا يَسأل عن الشكل، بل عن القيمة".
وفي كل مرة تُمسك فيها بالفرشاة، أو تصعد إلى المسرح لتتحدث، تذكّر العالم أن القوة لا تأتي من العضلات، بل من الإيمان بأن الإنسان قادر على إعادة تعريف نفسه مهما كانت القيود.










