في ظل تكرار الحوادث.. مخاوف في بريطانيا من تنامي مظاهر العنف

في ظل تكرار الحوادث.. مخاوف في بريطانيا من تنامي مظاهر العنف
الشرطة البريطانية في أحد مواقع جرائم الطعن الأخيرة

في غضون أقل من أسبوع، هزّت بريطانيا حادثتا طعن جماعيتان أثارتا موجة من الذعر العام: الأولى، في 27 أكتوبر بمنطقة أكسبريدج، حين شنّ شاب (22 عاماً) هجوماً قتل فيه رجلًا يبلغ من العمر 49 عامًا أثناء تجواله مع كلبه، وأصاب صبيًا في الرابعة عشر ورجلًا في الخامسة والأربعين.

والثانية، في أوائل نوفمبر، على متن قطار بين بيتربورو وهانتينغدون في مقاطعة كامبريدجشاير، حيث أصيب نحو 11 شخصًا بجروح تتراوح بين الخطيرة والخفيفة، وأُلقي القبض على مشتبه به (32 عاماً). 

غالبًا ما تؤكد الشرطة أنه لا دلائل على "دوافع إرهابية" في تلك الحوادث، لكن وقعها النفسي على الجمهور كان كبيرًا فالمواطنون بدؤوا يتساءلون عمّا إذا كان التجول في الأماكن العامة أو ركوب القطار لا يزال آمنًا، وتحدّث بعض الشخصيات العامة عن رغبتهم في مغادرة البلاد حفاظًا على سلامتهم وفق "فايننشال تايمز".

بيانات الجرائم وأرقام الطعن

في مقابل التصاعد النفسي للقلق، تُظهر الإحصائيات الرسمية في بريطانيا أن جرائم الطعن في إنجلترا وويلز عموماً في تراجع طفيف في بعض المؤشرات، ووفق بيانات مكتب الإحصاء البريطاني في العام المنتهي مارس 2025، سجلت حوالي 53,047 جريمة باستخدام السكاكين أو الأدوات الحادة، بانخفاض قدره 1% عن العام السابق، مع تراجع عدد جرائم القتل بواسطة الطعن إلى 204 حالات (انخفاض بمعدل 23%) — وهو أدنى مستوى منذ مارس 2014 تقريبًا.

كما شهدت خدمات الصحة الوطنية (NHS) انخفاضًا بحوالي 10٪ في عدد القادمين إلى المستشفيات بسبب الإصابات الناتجة عن أدوات حادة مقارنة بالعام السابق، في حين لا تزال الأرقام مرتفعة مقارنة بعام 2020. 

وتلك الأرقام ليست مطمئنة تمامًا فعلى مدى العقد الأخير، ارتفعت الجرائم المرتبطة بالسكاكين بنسبة كبيرة وفي تقرير وكالة رويتزر لعام 2025، أُشير إلى أن جرائم السكاكين في إنجلترا وويلز قد ارتفعت بنسبة 87% على مدى العقد الماضي، ووُثّق أكثر من 54,500 حالة خلال العام الأخير. 

كما أن التباين المحلي كبير: بعض مناطق العاصمة مثل لندن تسجّل نسبًا متفوقة في جرائم الطعن مقارنة بالمناطق الأخرى، ما يعكس التفاوت في المخاطر الحضرية. 

من جهة أخرى، تُبرز تقارير متخصصة أن جرائم الطعن التي تُنفّذ عشوائيًا، في أماكن مزدحمة أو قطارات، تترك في الرأي العام أثراً أكبر بكثير من جرائم مرتبطة بصراعات محلية، حتى لو وقعت الأخيرة بوتيرة أعلى.

ويرى خبراء أن التدهور في التمويل الحكومي للخدمات العامة -خاصة في الصحة النفسية، والدعم الاجتماعي للشباب، وتعافي المدمنين- يخلق فراغًا يُستغَل للتنفيذ العنيف، وقال الأستاذ سايمون رودا، مستشار أمني، إن الجرأة المتزايدة لبعض المهاجمين تُسهم في تشكيل انطباع بأن الطعن بات خيارًا متاحًا في اللحظة غير المتوقعة، لا فقط في خلفية النزاع. 

التأثير الإعلامي والشبكات الاجتماعية

يميل المواطنون إلى تذكر حوادث سابقة فور وقوع أي هجوم، ما يُضخّم الشعور بالخطر. دال بابو، القائد السابق في شرطة لندن، لفت إلى أن وسائل التواصل تُكرّر المشاهد العنيفة، فتغذي القلق العام رغم بعض الانخفاضات الإحصائية. 

أُشير في التقارير إلى أن تشريعات أخيرة تم تطبيقها في بريطانيا قد حدّت من بعض الثغرات، مثل صعوبة شراء سكاكين الصيد عبر الإنترنت دون رقابة، ما أسهم جزئيًا في خفض بعض أشكال الجرائم، كما أن قانون "Prevention of Crime Act 1953" ما يزال يشكّل الأساس القانوني لمكافحة حمل الأسلحة الحادة في الأماكن العامة، لكنه يحتاج تحديثات لتغطية الأسلحة الجديدة وأساليب الاستخدام غير التقليدية. 

وتشير تقارير العدالة الجنائية البريطانية إلى أن الأطفال والمراهقين (10–17 سنة) يشكلون نحو 17٪ من المتورطين في جرائم السكاكين.

كما يُلاحظ أن الفئات الغير البيضاء -خصوصًا السود والمختلطي العرق -ممثلة بشكل أكبر من نسبتها السكانية في هذه الجرائم، ما يثير قضايا العدالة المعاصرة في الضبط الشرطي والمعاملة القضائية.

الردود الحقوقية والدولية

منظمات مثل "Ben Kinsella Trust" و"Youth Endowment Fund" تصدر تقارير وأبحاثًا سنوية تُحذّر من أن تباطؤ الاستثمار في دعم الشباب والتدخل المبكر قد يفتح الطريق أمام تفاقم العنف المسلح الصغير. 

كما دعا ناشطون إلى ضرورة فرض رقابة أشد على المبيعات عبر الإنترنت للسكاكين، وتفعيل برامج إعادة تأهيل الجناة يمكن أن تسهم في كسب الثقة المجتمعية. 

ومن المنظمات المعنية بالعنف ضد الأطفال والعدالة الجنائية تدعم مبادرات تُصنّف العنف المسلّح بالمكونات الشبابية بوصفها مدخل لخرق حقوق الطفل في الأمان، والرعاية، والحياة الكريمة.

كما تُشير المعايير الدولية إلى أن الدول ملزمة بتمكين أجهزتها القضائية والشرطية لاتخاذ إجراءات فعالة لردع العنف، وضمان محاكمة عادلة، وتعويض الضحايا.

في هذا السياق، يُعدّ الاستخدام العشوائي للأسلحة الحادة -خصوصًا في وسائل النقل أو التجمعات العامة- انتهاكًا محتملًا لحق الأفراد في الحماية من العنف، وهو ما ينبغي للدولة أن تردّ عليه بآليات فعالة، وليس فقط بالإدانة الكلامية.

توصيات حقوقية

أوصى مراقبون حقوقيون بأنه يمكن للسلطات المعنية في بريطانيا تشديد الرقابة على مبيعات السكاكين عبر الإنترنت، وتوسيع تعريف “الأسلحة الحادة المحظورة” ليشمل السكاكين المزخرفة أو الأسلحة التي تُعلن على أنها أدوات منزلية، إضافة إلى استثمارات في البنى التحتية الاجتماعية من خلال تعزيز خدمات الصحة النفسية والدعم الاجتماعي في المناطق الأكثر تضرراً، وإنشاء مراكز شبابية للتوجيه والرياضة والفضاءات البديلة يُعد من التدابير الوقائية.

كما أوصوا باستخدام تكنولوجيا المراقبة الذكية من الكاميرات الذكية، أنظمة الكشف عن حيازة أسلحة في النقاط عالية الخطورة، والذكاء الاصطناعي للمراقبة والتحذير المبكر قد تكون أدوات مكملة للعمل الشرطي التقليدي، بجانب تقصير أوقات المحاكمات، تغليظ العقوبات في حالات الطعن العشوائي، وتفعيل الشفافية في متابعة القضايا يمكن أن يعيد بعضاً من شعور العدالة إلى الشارع.

في الختام، تُظهر هذه الحوادث أن الأمان ليس حالة ثابتة، بل شعور يمكن أن يُهتزّ بتهديد مفاجئ، وفي حين أن الأرقام الرسمية قد تشهد تراجعًا في بعض المقاييس، فإن وقع الحوادث العشوائية في أماكن عامة يترك أثراً أعمق في النفس الجماعية.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية