بعد عام على سقوط النظام.. عودة اللاجئين من لبنان إلى سوريا لا تزال محفوفة بالمخاطر
بعد عام على سقوط النظام.. عودة اللاجئين من لبنان إلى سوريا لا تزال محفوفة بالمخاطر
بعد عام كامل على سقوط نظام بشار الأسد في ديسمبر من عام 2024 يجد اللاجئون السوريون في لبنان أنفسهم عالقين بين حنين لا ينطفئ إلى منازلهم وقلق عميق مما ينتظرهم خلف الحدود، وبينما يواصل لبنان استقبال موجات جديدة من الفارين من العنف الذي تفاقم في سوريا منذ ذلك السقوط، تتبدد لدى كثيرين صورة العودة السريعة إلى وطن مستقر، فالأحداث المتصاعدة داخل سوريا وما رافقها من انهيارات أمنية واقتصادية تجعل العودة بالنسبة لآلاف الأسر أقرب إلى مغامرة منها إلى قرار يحمله الأمل.
ورغم أن لبنان استقبل حتى مايو من عام 2025 ما يقارب مليون ونصف المليون لاجئ سوري بينهم أكثر من 785 ألفاً مسجلون رسمياً لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فإن معظمهم يعيش في ظروف معيشية خانقة تتراجع فيها المساعدات وتزداد فيها الملاحقات الأمنية وحالات الترحيل وفق ما تؤكده منظمات حقوقية.
وبينما اندفع بعضهم في الشهور الأخيرة إلى العودة عبر برامج العودة الطوعية التي أطلقتها الأمم المتحدة، اختار آخرون البقاء بسبب انعدام الأمن داخل سوريا وغياب أي ضمانات قانونية أو إنسانية تحميهم من الاعتقال أو الاضطهاد وفق المرصد السوري لحقوق الإنسان.
حكايات عودة محفوفة بالتردد
تجسد قصة سلمى البالغة من العمر 36 عاماً هذا الانقسام الحاد بين خيارين أحلاهما مر، فقد غادرت بلدها عام 2014 واستقرت مع زوجها وطفليها في أحد مخيمات البقاع، كانت حياتها قاسية لكنها آمنة كما تقول، لكنها مع تصاعد المداهمات الأمنية في أماكن سكن السوريين في لبنان شعرت بأن بقاء عائلتها بات مهدداً، عادت هذا العام وهي تحمل خوفها معها وتحاول أن تبني ما تبقى من بيتها القديم محاطة بشعور عميق بعدم اليقين.
أطلقت الحكومة اللبنانية بالشراكة مع الأمم المتحدة في يوليو من عام 2025 البرنامج الرسمي للعودة الطوعية للسوريين، وتشير دلال حرب المتحدثة باسم مفوضية اللاجئين في لبنان إلى أن أكثر من 335 ألف لاجئ عادوا إلى سوريا حتى نهاية أكتوبر من العام نفسه بينهم اثنان وثلاثون ألفاً عادوا عبر البرنامج الطوعي المنظم. وتتضمن آلية العودة مساعدات نقدية تصل إلى مئة دولار أمريكي للفرد ومبالغ كبرى للأسر الأكثر ضعفاً بعد عودتهم بهدف دعم إعادة اندماجهم.
لكن حرب تؤكد أن المفوضية تتابع بقلق شديد أوضاع اللاجئين السوريين العائدين في ظل غياب الأمن في معظم المناطق السورية وانعدام الخدمات الأساسية وتدهور الاقتصاد، فالمفوضية تحاول ضمان أن تتم العودة ضمن شروط السلامة والكرامة لكنها لا تمتلك القدرة على تقديم ضمانات كاملة في بلد يشهد غارات إسرائيلية متكررة وأعمال عنف طائفي وفوضى أمنية ممتدة.
مخاوف تؤجل العودة
تعيش ليلى البالغة من العمر 29 عاماً في طرابلس منذ سنوات بعد أن فرت من ريف دمشق. تقول إن العودة ليست خياراً في الوقت الحالي، وإن ضيق الحياة في لبنان على قساوته يظل أفضل من العودة إلى بلد لا كهرباء فيه ولا ماء ولا مدارس ولا أمان، وتضيف أنها لن تفكر في العودة قبل أن ترى علامات واضحة على استقرار الحد الأدنى من الحياة.
وتعكس هذه المخاوف جانباً من الواقع التعليمي للسوريين في لبنان إذ حاولت وزارة التربية العام الماضي تسجيل الطلاب السوريين في الدوام المسائي بالمدارس الحكومية، ومنهم الذين لا يملكون إقامة قانونية. إلا أن ضغوطاً سياسية دفعت الحكومة إلى التراجع عن القرار، ما تسبب في حرمان آلاف الأطفال من التعليم واستمرار معاناة الأسر التي لا تستطيع تحمل تكاليف المدارس الخاصة.
الفقر يضغط والقلق يطارد
يدفع الانهيار الاقتصادي في لبنان كثيرين نحو العودة رغم معرفتهم بأن سوريا لا تقدم لهم مستقبلاً آمناً، ويؤكد رامي عبدالرحمن، مدير المرصد السوري لحقوق الإنسان، أن البلاد ليست مهيأة لاستقبال العائدين حتى بعد سقوط النظام السابق وأن المشهد الأمني في سوريا هش للغاية. فالفوضى تعصف بمناطق واسعة وعمليات الانتقام منتشرة في ظل انقسامات طائفية ومناطقية عميقة.
تتكرر هذه المخاوف في روايات اللاجئين السوريين أنفسهم، حيث يقول عمار، الذي يعمل في مجال التعويضات السنية، إن من يقرر العودة هو غالباً من فقد مصدر رزقه في لبنان ولم يعد قادراً على تحمل تكاليف الحياة فيه، أما من يجد عملاً فالبقاء أقل خطراً من العودة، ويكشف مؤيد الذي عاد إلى حمص قبل أشهر صورة مؤلمة لما ينتظر العائدين، عاد لأنه لم يعد قادراً على تحمل الإيجار والكهرباء والتشديد الأمني لكنه وجد بيتاً مهدماً وحياة تتطلب البدء من الصفر من جديد، ويضيف أن السوريين في لبنان محرومون من تسوية أوضاعهم القانونية ومن العمل، وأن الضغط والإهانات دفعاه إلى مغادرة بلد اللجوء لكنه لم يجد في بلده سوى مستقبل غامض.
تشير تقارير حقوقية صادرة عن منظمات مثل مركز وصول لحقوق الإنسان ومركز سيدار للدراسات القانونية إلى وقوع حالات عودة قسرية تمت تحت وطأة المداهمات الأمنية والاعتقالات والترحيل، تحذيرات هذه المنظمات تؤكد أن الانتهاكات تشمل الاحتجاز التعسفي والاختفاء القسري والتعذيب وأن العودة لا تتم دائماً ضمن المعايير الطوعية، بل تحت ضغط الخوف والعوز.
دوامة عنف في سوريا
شهدت سوريا بعد سقوط النظام السابق موجات عنف متجددة زادت من شدة النزوح، فقد سجلت البلاد مجازر في الساحل في مارس ثم في السويداء في يوليو، إضافة إلى التفجير الدامي الذي استهدف كنيسة مار الياس في دمشق وأسفر عن مقتل 25 مصلياً وإصابة العشرات، ومع كل حدث دموي زاد عدد الفارين إلى لبنان حيث أعلنت محافظة عكار وصول نحو 13 ألف سوري إلى الشمال خلال أسابيع قليلة.
نبيل رجل أربعيني كان يعمل في مجال السياحة في جرمانا، يقول إنه غادر هذا العام بعدما أصبح وجوده في دمشق محفوفاً بالمخاطر، تمكن من العثور على عمل في لبنان لكنه يعيش حالة انعدام استقرار مستمرة، خوفاً من المداهمات والقرارات المتغيرة المتعلقة باللاجئين.
ويتفق رامي عبدالرحمن مع هذه الشهادات، إذ يقول إن المناطق التي تبدو مستقرة إعلامياً تعاني في الحقيقة من انفلات أمني وعمليات خطف واغتيالات واعتقالات تعسفية، ويضيف أن الوضع قد يكون أقل خطراً على السوريين من أصول عربية سنية لكنه أكثر تعقيداً بالنسبة للأقليات التي تواجه تمييزاً مضاعفاً وانعدام حماية.
وتشير بيانات المرصد السوري لحقوق الإنسان إلى أن أكثر من 900 شخص قضوا خلال عام واحد نتيجة انفجار ألغام، إلى جانب آلاف الضحايا الذين سقطوا في أعمال عنف طائفية إذ تجاوز عدد القتلى ثلاثة آلاف قتيل في عام واحد، ويمتد الدمار على مساحات واسعة لا تزال غير صالحة للعيش ما يجعل العودة إلى هذه المناطق مغامرة خطرة.
شهادات من المفوضية السامية لشؤون اللاجئين تؤكد أن المنظمة لا تشجع العودة الجماعية حالياً بسبب هشاشة الوضع الأمني وتكتفي بتقديم الدعم القانوني والمادي للراغبين بالعودة. وتؤكد أن المفوضية لا تمتلك أي ضمانة لحماية اللاجئين بعد عودتهم وأنها قلقة من الغارات والاعتقالات وغياب العدالة.
بدأت أزمة اللجوء السوري في لبنان منذ عام 2011 ومع مرور السنوات أصبح لبنان أكبر بلد مستضيف للاجئين نسبة إلى عدد السكان، فقد تزايدت الضغوط الاقتصادية والسياسية والاجتماعية مع انهيار الاقتصاد اللبناني منذ عام 2019، حيث فقدت العملة أكثر من 90 في المئة من قيمتها وارتفعت معدلات البطالة والفقر، وفي المقابل بقيت الظروف داخل سوريا غير قابلة لعودة آمنة؛ بسبب استمرار العنف وتعدد القوى المسلحة وانهيار مؤسسات الدولة وتراجع الخدمات الأساسية، وبين هذين الواقعين يبقى اللاجئون السوريون في لبنان عالقين في منطقة رمادية يحاولون فيها النجاة بكرامتهم، في حين تتقلص خياراتهم يوما بعد يوم بانتظار حل سياسي شامل يعيد الاستقرار إلى بلدهم ويمكنهم من العودة دون خوف.











