تداعيات حرب غزة.. دراسة تكشف تزايد اعتناق البريطانيين للإسلام
تداعيات حرب غزة.. دراسة تكشف تزايد اعتناق البريطانيين للإسلام
كشفت دراسة جديدة صادرة عن "معهد تأثير الإيمان في الحياة" في بريطانيا أن الصراعات العالمية أصبحت أحد أبرز العوامل التي تدفع بريطانيين إلى اعتناق الإسلام، وفي مقدمتها الحرب على غزة التي أثارت تفاعلًا واسعًا داخل المجتمع البريطاني.
وأظهرت نتائج الدراسة أن الصراع في غزة كان سببًا مباشرًا لاعتناق 20 في المئة من المسلمين الجدد لدينهم، وهي نسبة تعكس حجم التأثير العاطفي والسياسي الذي خلّفته الحرب على الرأي العام في بريطانيا خلال عامي 2023 و2024.
وأفاد تقرير لموقع "عرب لندن" اليوم السبت بأن الدراسة تشير إلى أن التغطيات الإعلامية المكثفة للحرب على غزة لعبت دورًا جوهريًا في زيادة الاهتمام بالإسلام، بعدما ارتبطت متابعة الأحداث لدى كثيرين بمحاولة فهم السياقات الدينية والسياسية التي تحيط بالصراع.
ووفقًا للباحثين، فإن بروز الإسلام في الخطاب الإعلامي البريطاني خلال فترات التوتر العالمي جعل كثيرًا من الأفراد يطرحون تساؤلات جديدة حول الدين والهوية والعدالة الإنسانية.
دوافع التحول الديني
توضح الدراسة أن التحول إلى الإسلام في بريطانيا لم يرتبط فقط بالصدمة الإنسانية التي أحدثتها الحرب، بل جاء أيضًا نتيجة بحث داخلي عن معنى وهدف، وقد ذكر المشاركون في الدراسة أن الطقوس الدينية الإسلامية شكلت عنصر جذب مهماً، إلى جانب شعور متنامٍ بأن العالم يتجه نحو مزيد من الفوضى والظلم، وهو ما جعل الإسلام بالنسبة لبعضهم إطارًا يمنح الانضباط الأخلاقي والوضوح والاتساق في مواجهة عالم متقلب.
ووفق الأرقام أفاد 18 في المئة من البريطانيين الذين اعتنقوا الإسلام بأن التحولات الشخصية وأحداث الحياة الكبرى كانت دافعهم الرئيس، في حين اعتبر 20 في المئة أن الصراعات الدولية كانت العامل الأبرز في قرارهم الديني.
وتتسق نتائج الدراسة البريطانية مع توجهات أوسع رصدها مركز بيو للأبحاث الذي أشار إلى أن دولًا غير مسلمة تشهد نسبًا متزايدة من الدخول في الإسلام. وتبرز الولايات المتحدة في مقدمة هذه الدول بنسبة 20 في المئة من المسلمين الذين لم ينشؤوا على الإسلام، تليها كينيا بنسبة 11 في المئة. وأغلب هؤلاء المتحولين كانوا ينتمون سابقًا إلى المسيحية، ما يسهم بحسب المركز في انخفاض صافي أعداد المسيحيين عالميًا.
تراجع المسيحية في إنجلترا وويلز
بحسب آخر تعداد سكاني أجراه مكتب الإحصاءات الوطنية في بريطانيا، تراجع عدد المسيحيين في إنجلترا وويلز إلى أقل من النصف لأول مرة في تاريخ البلاد الحديث. فقد وصف 46.2 في المئة من السكان أنفسهم بأنهم مسيحيون في عام 2021، مقارنة بنسبة 59.3 في المئة في تعداد عام 2011، ويعكس هذا التراجع تحولات عميقة في البنية الدينية والاجتماعية للمجتمع البريطاني، حيث تتصاعد نسب اللادينية بالتوازي مع ازدياد أعداد المنتمين إلى أديان أخرى.
ويؤكد الباحثون أن الاعتناق الديني غالبًا ما يرتبط بإعادة النظر في أزمات العالم المعاصر، فقد شكلت الحرب على غزة بالنسبة لكثير من البريطانيين لحظة اختبار أخلاقي، رأى فيها البعض صورة مكثفة للمعاناة الإنسانية وعدم التكافؤ في القوة، وأشارت الدراسة إلى أن متابعة مشاهد الدمار في غزة دفعت بعض المتحولين للتساؤل عن مبادئ العدالة والرحمة، والبحث عن منظومة أخلاقية تستجيب لحاجتهم لفهم صراعات العالم.
وشهدت بريطانيا منذ اندلاع الحرب على غزة في أكتوبر 2023 واحدة من كبرى موجات التعبئة الشعبية المؤيدة لحقوق الفلسطينيين في تاريخها، حيث خرج مئات الآلاف في مسيرات أسبوعية في لندن وعدد من المدن، وبرز في هذه الاحتجاجات تفاعل واسع من فئات غير مسلمة، ما جعلها مساحة للتقارب الثقافي والديني، وأفاد عدد من المشاركين في الدراسة بأن مشاركتهم في هذه الاحتجاجات كانت نقطة تحول شكلت بداية اهتمامهم بالإسلام وقيمه المتعلقة بالعدالة والإنصاف.
تأثير المناخات السياسية
تشير نتائج الدراسة إلى أن المناخ السياسي المشحون في العالم بات يلعب دورًا متزايدًا في تشكيل الخيارات الروحية للأفراد، فمع تصاعد مشاعر الإحباط من الممارسات السياسية الدولية، ينظر البعض إلى الدين بوصفه خياراً يمنحهم ما يفتقدونه من وضوح أخلاقي أو تماسك اجتماعي، وفي الحالة البريطانية أسهمت تغطية الحرب في فتح باب نقاش واسع حول مفاهيم الحرية والعدالة، ما جعل الإسلام حاضرًا بقوة في الحوارات العامة والخاصة على حد سواء.
شهدت بريطانيا خلال العقدين الأخيرين تغيرات كبيرة في الخريطة الدينية؛ حيث انخفضت نسبة المسيحيين مقابل ارتفاع أعداد المسلمين واللادينيين. وتشير إحصاءات رسمية إلى أن عدد المسلمين في بريطانيا تجاوز 3.9 مليون شخص في عام 2024، مقارنة بـ 2.7 مليون في عام 2011، ويرجع هذا الارتفاع إلى معدلات مواليد عليا داخل المجتمع المسلم، وإلى زيادة نسب اعتناق الإسلام، إضافة إلى الهجرة الوافدة من دول ذات أغلبية مسلمة.
وتاريخيًا، شهدت بريطانيا موجات اعتناق متفرقة للإسلام منذ ستينيات القرن الماضي، إلا أن العقد الأخير سجل أعلى نسبة من المتحولين. ويرى باحثون أن تصاعد الأزمات العالمية، وازدياد حضور قضايا الشرق الأوسط في الإعلام الغربي، ومساحات الاحتجاج المدني، شكّلت بيئة خصبة لإعادة النظر في المنظومات الروحية، خاصة لدى فئة الشباب.











