مازن الحمادة.. ذاكرة سوريا النازفة
مازن الحمادة.. ذاكرة سوريا النازفة
في الذكرى الأولى لسقوط نظام بشار الأسد، يعود اسم مازن الحمادة إلى الواجهة بوصفه إحدى أكثر الحكايات الإنسانية قدرة على تلخيص مأساة سوريا، لم يكن مازن مجرد ناشط شاهد على الأحداث، بل أصبح وثيقة حية على الفظائع التي ارتكبها النظام، بعدما انتقل من موظف بسيط في قطاع النفط إلى صوت صارخ يروي للعالم حقيقة ما يجري داخل أقبية المخابرات السورية.
ولد مازن في بيئة ريفية محافظة في دير الزور، وحمل منذ شبابه حساً عميقاً بالعدالة والكرامة، ومع انطلاق الاحتجاجات في عام 2011، انخرط في الحراك السلمي، مشاركاً في المظاهرات، ومقدّماً الدعم للجرحى والمعتقلين، لم يكن ناشطاً منظّماً بقدر ما كان ابناً للشارع، يرى واجبه الأخلاقي في الوقوف إلى جانب الناس البسطاء الذين خرجوا يطالبون بالحرية في سوريا.
اعتقال وتعذيب
تعرض مازن للاعتقال عدة مرات، وكان أشدها في فبراير 2012، حين تنقل بين فروع أمنية متعددة، بينها الفرع 215 المعروف بأنه أحد أكثر مراكز الاحتجاز دموية في سوريا، وهناك خضع لتعذيب ممنهج ترك آثاراً جسدية ونفسية عميقة، لكنها لم تكسر عزيمته، بل زادت من إصراره على فضح ما رآه، وتحولت الشهور التي قضاها في الزنازين لاحقاً إلى مادة أساسية في شهاداته أمام منظمات دولية وصحف كبرى، لتصبح قصة فرد واحد مرآة لجروح وطن كامل.
شاهد عيان
بعد خروجه من سوريا، واصل الحمادة دوره بوصفه أحد أهم شهود العيان على جرائم نظام بشار الأسد، قدّم إفادات دقيقة عن أساليب التعذيب، ظروف المعتقلين، وعمليات الإعدام الميداني، كان صوته صادقاً ومباشراً، خالياً من أي تلوين سياسي، نابعاً من ذاكرة حية تنزف، ومسهماً في تعزيز ملفات قضائية دولية وإلقاء الضوء على ما يجري خلف جدران السجون المغلقة.
لكن رحلة المنفى لم تكن سهلة، فقد واجه ضغوطاً نفسية هائلة ومحاولات استغلال من أطراف متعددة، حتى اختفى في ظروف غامضة عام 2020 بعد عودته إلى سوريا، ليظهر لاحقاً جثة في سجونه، ورغم مرور السنوات، لا يزال اسمه حاضراً، رمزاً للذاكرة السورية الجريحة، وصوتاً لمن لم يعد لهم صوت.
شهاداته أصبحت جزءاً من الأرشيف الإنساني لجرائم الحرب، وصورته وهو يروي تفاصيل التعذيب ما زالت محفورة في وعي السوريين وفي ملفات العدالة الدولية، ومع سقوط النظام، يكتسب إرثه معنى جديداً؛ إنه صوت الناجين والمقهورين، صدى الآلام التي لا تزال تتردد عبر كل زاوية من زوايا البلاد.
اليوم، في لحظة إعادة بناء سوريا بعد انهيار حكم الأسد، يبقى مازن الحمادة شاهداً لا يغيب، حتى وهو مفقود، إنه التجسيد الحي لوجع السوريين، ورمز الملايين الذين حاولوا النجاة من آلة القمع، فالذكرى ليست حدثاً سياسياً فحسب، بل مناسبة لتذكّر أولئك الذين دفعوا أثماناً باهظة كي يصل السوريون إلى هذه اللحظة.. مازن الحمادة واحد من هؤلاء الذين صاروا ذاكرة وطن، ذاكرة لا تزال تنزف، لكنها ترفض أن تُدفن.











