الكوارث الطبيعية.. فاتورة اقتصادية مرعبة تزداد ثقلاً على كاهل البشرية

الكوارث الطبيعية.. فاتورة اقتصادية مرعبة تزداد ثقلاً على كاهل البشرية
حرائق لوس أنجلوس- أرشيف

من بين نيران الغابات في لوس أنجلوس، إلى الهزّات الأرضية المدمّرة في بورما، وبينما لم تهدأ العواصف في نصف الكرة الشمالي، يواصل العالم دفع ثمن فاتورة الطبيعة الغاضبة، فخلال النصف الأول من عام 2025 فقط، بلغت الخسائر الاقتصادية العالمية الناجمة عن الكوارث الطبيعية 135 مليار دولار، مقارنة بـ123 مليارًا في نفس الفترة من عام 2024، بحسب بيانات شركة إعادة التأمين السويسرية "سويس ري" الصادرة الأربعاء.

ورغم أن الكوارث الطبيعية ليست بالأمر الجديد، فإن تسارعها وازدياد حدتها خلال السنوات الأخيرة يشير إلى تحول في نمط العلاقة بين الإنسان والطبيعة. علاقة باتت مختلة بفعل الإهمال، وتغيّر المناخ، والتوسع العمراني غير المسؤول، الأمر الذي حوّل كل موجة حر أو هزة أرضية إلى كارثة كبرى.

حرائق لوس أنجلوس

أحد أبرز مظاهر تلك الخسائر الفادحة كان في حرائق الغابات التي اجتاحت لوس أنجلوس، والتي أصبحت -بحسب “سويس ري”- أكبر حوادث حرائق الغابات المؤمن عليها على الإطلاق، بتكلفة تقديرية تصل إلى 40 مليار دولار.

ورغم أن لوس أنجلوس معتادة على الحرائق الموسمية، فإن ما حدث هذا العام كان استثنائيًا في المدى والضرر حيث كانت الرياح شديدة، والجفاف مزمن، مع بنية سكنية كثيفة قائمة على منازل فردية مرتفعة القيمة، جميعها تحوّلت إلى وقود مثالي لنيرانٍ خرجت عن السيطرة.

تقول إليسا راميريز، الباحثة في شؤون المناخ في جامعة كاليفورنيا: "ما نشهده اليوم ليس فقط حريق غابات، بل حريق ناتج عن سياسات التخطيط العمراني الفاشلة، وتغير المناخ الذي حذرنا منه لعقود".

زلزال بورما

في مارس الماضي، ضرب زلزال عنيف منطقة بورما وامتد تأثيره إلى الهند، تايلاند، والصين، وتسببت الهزات في مئات القتلى والمصابين، فضلاً عن دمار واسع للبنى التحتية والمنازل.

ووفقًا لتقديرات أولية، بلغت الخسائر الاقتصادية المشمولة بالتأمين في تايلاند وحدها 1.5 مليار دولار، في حين تظل الأرقام الحقيقية أعلى بكثير، خاصة في المناطق الفقيرة غير المشمولة بالتأمين.

ويُبرز الزلزال فوارق مأساوية في الاستعدادات والبنى الوقائية، ففي حين تحظى المناطق الحضرية بخطط طوارئ جزئية، فإن القرى والمجتمعات الهشة تقع غالبًا خارج حسابات الدولة والسوق، وتتحمل العبء الأكبر من الخسائر، بلا حماية أو تعويض.

تكاليف التأمين تقفز

بحسب "سويس ري"، بلغت الخسائر المشمولة بالتأمين هذا العام 80 مليار دولار، مقابل 62 مليارًا في الفترة نفسها من العام السابق، وهذا يعني أن ما يقرب من 55 مليار دولار من الخسائر لم تكن مؤمّنًا عليها.

وبينما تتسابق شركات التأمين في تحديد قيمة التعويضات، يقف ملايين البشر حول العالم، معظمهم في دول الجنوب العالمي، خارج مظلة الحماية تمامًا، إنهم الذين فقدوا منازلهم ومزارعهم ومدارس أطفالهم، دون أمل في التعويض.

تقول ليزا باومان، من منظمة "أوكسفام الدولية": "أرقام التأمين تخفي وراءها وجوهًا لا حصر لها لأسر لا تملك حتى وثيقة ميلاد، ناهيك عن بوليصة تأمين".

الكلفة الإنسانية

وراء كل مليار دولار خسارة، يوجد بشر خسروا حياتهم، أراضيهم، أو مصادر رزقهم، فالكوارث لا تضرب الجميع بالتساوي. الفقراء والمهاجرون والسكان الأصليون هم الأكثر تضررًا، والأقل قدرة على التعافي.

وبحسب تقرير صادر عن برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP)، فإن: أكثر من 90% من الوفيات الناجمة عن الكوارث خلال العقود الأربعة الماضية حدثت في الدول النامية، كما أن الفئات المهمشة تعاني من بطء الاستجابة الحكومية، ومن صعوبة الوصول إلى الموارد والخدمات الأساسية بعد الكارثة.

وشهد التاريخ الإنساني كوارث طبيعية ضخمة، من تسونامي المحيط الهندي 2004، إلى إعصار كاترينا في 2005، وصولًا إلى زلازل هايتي وتركيا، لكن الفرق الآن هو في تواتر وشدة وتكلفة تلك الكوارث، والتي أصبحت أكثر تكرارًا وتعقيدًا، بسبب تغير المناخ.

وتؤكد أبحاث علمية نشرتها المجلة العلمية Nature أن: “الاحتباس الحراري يزيد من احتمالات وقوع الكوارث الطبيعية، كما يزيد من شدتها ومدى دمارها”.

الاقتصاد الأخلاقي للكوارث

يشدد جيروم هيغلي، كبير الاقتصاديين في مجموعة "سويس ري"، على أن "الوقاية أكثر جدوى اقتصاديًا من إعادة الإعمار" ويضرب مثالًا بتدابير الحماية من الفيضانات مثل السدود، التي تتيح توفير ما يصل إلى عشرة أضعاف تكلفة الترميم بعد الكارثة.

في هذا السياق، تدعو منظمات مثل الصليب الأحمر وهيومن رايتس ووتش الحكومات إلى تبني استراتيجيات استباقية، ترتكز على: تقوية البنية التحتية الحرجة، وإشراك المجتمعات المحلية في التخطيط، وتحسين نظم الإنذار المبكر، ووالاعتراف بالدور الأخلاقي والبيئي لسياسات التأمين والإغاثة.

 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية