وسط جدل حقوقي.. واشنطن تعود لطرح ترحيل المهاجرين إلى دول ثالثة رغم الرفض البرلماني

وسط جدل حقوقي.. واشنطن تعود لطرح ترحيل المهاجرين إلى دول ثالثة رغم الرفض البرلماني
ترحيل المهاجرين

فتحت الولايات المتحدة مجدداً ملف ترحيل مهاجرين إلى دول ثالثة، بعد كشف اتصال هاتفي جرى الثلاثاء بين نائب وزير الخارجية الأمريكي كريستوفر لانداو ورئيس جمهورية بالاو سورانجيل ويبس، بحث خلاله الطرفان إمكانية نقل رعايا دول أخرى إلى الدولة الجزيرة الواقعة في المحيط الهادي، في خطوة أثارت انتقادات حقوقية واسعة وأعادت إلى الواجهة الجدل حول سياسات الهجرة الصارمة التي تنتهجها إدارة الرئيس دونالد ترامب.

ويأتي هذا التحرك الأمريكي رغم أن مشرعي بالاو كانوا قد رفضوا في وقت سابق طلباً مشابهاً من واشنطن، معتبرين أن بلادهم غير قادرة على استقبال مهاجرين أو طالبي لجوء من دول لا تربطهم بها أي صلة قانونية أو اجتماعية بحسب وكالة رويترز للأنباء.

سياسة ترحيل مثيرة للجدل

ندد مدافعون عن حقوق الإنسان بالنهج الذي تتبعه إدارة الرئيس دونالد ترامب في ملف الهجرة، ولا سيما حملة الترحيل الواسعة التي تشنها، محذرين من مخاطر تتعلق بالإجراءات القانونية الواجبة، وضمانات المحاكمة العادلة، واحترام حقوق المرحلين.

وخلال الأشهر الماضية رحلت الإدارة الأمريكية مئات الأشخاص إلى دول ثالثة لا تجمعهم بها أي علاقة سابقة، سواء من حيث الجنسية أو الإقامة أو الروابط الاجتماعية، هذا الأسلوب الذي كان نادراً ما يستخدم في الماضي بات اليوم جزءاً أساسياً من سياسة الهجرة الجديدة، في محاولة لتسريع عمليات الترحيل وتجاوز القيود القانونية واللوجستية المرتبطة بإعادة الأشخاص إلى بلدانهم الأصلية.

وتؤكد إدارة الرئيس دونالد ترامب أن هذه الإجراءات تندرج ضمن استراتيجية أوسع لتعزيز الأمن الداخلي، والحد من الهجرة غير النظامية، وتخفيف الضغط على نظام اللجوء الأمريكي.

قالت وزارة الخارجية الأمريكية في بيان صدر عقب المكالمة الهاتفية التي جرت يوم الثلاثاء إن لانداو وويبس ناقشا مذكرة تفاهم جديدة بين الولايات المتحدة وبالاو، تتعلق بنقل رعايا دول ثالثة لا يملكون تاريخاً إجرامياً معروفاً.

البيان لم يوضح طبيعة هذه المذكرة أو تفاصيلها العملية، لكنه أشار إلى أن النقاش يندرج ضمن التعاون الثنائي القائم بين البلدين، ما فتح الباب أمام تساؤلات حول ما إذا كانت واشنطن تسعى لإعادة طرح المقترح بصيغة جديدة، تتجاوز الرفض البرلماني السابق في بالاو.

رفض برلماني سابق

في أواخر يوليو، أعلن الكونجرس في بالاو بشكل واضح أنه لا يمكنه قبول مقترح أمريكي يقضي باستقبال طالبي لجوء من دول أخرى، واعتبر المشرعون أن هذا الطلب يفوق قدرات الدولة الصغيرة، سواء من حيث البنية التحتية أو الموارد أو الأطر القانونية اللازمة للتعامل مع قضايا اللجوء والهجرة.

هذا الرفض وضع الحكومة المحلية في موقف حساس، بين الالتزامات الداخلية تجاه الرأي العام والمؤسسات التشريعية، وبين العلاقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة، التي تعد الشريك الأمني والاقتصادي الأبرز لبالاو.

جزيرة صغيرة تحت ضغط كبير

تعد بالاو واحدة من أصغر دول العالم من حيث عدد السكان، إذ يبلغ عدد سكانها نحو 17000 نسمة فقط، وتعتمد الدولة الجزيرة بشكل كبير على المساعدات الخارجية، ولا سيما القادمة من الولايات المتحدة، في ظل اقتصاد محدود الموارد يعتمد على السياحة وبعض الأنشطة البحرية.

ويرى مراقبون أن أي التزام باستقبال مهاجرين أو طالبي لجوء من دول أخرى قد يشكل عبئاً ثقيلاً على الدولة، سواء على مستوى الخدمات الصحية والتعليمية، أو على مستوى النسيج الاجتماعي والثقافي لمجتمع صغير ومتماسك.

ميثاق الارتباط الحر

ترتبط بالاو بالولايات المتحدة بميثاق ارتباط حر، تحصل بموجبه على مساعدات اقتصادية ودعم مالي، مقابل منح الجيش الأمريكي حق الوصول إلى أراضيها ومياهها الإقليمية لأغراض دفاعية واستراتيجية، وهذا الاتفاق يمنح واشنطن نفوذاً سياسياً وأمنياً كبيراً في الدولة الجزيرة، ويجعل أي خلاف بين الطرفين محاطاً بحسابات دقيقة.

ويرى محللون أن هذا الإطار الخاص للعلاقة الثنائية قد يفسر إصرار واشنطن على إعادة طرح مسألة ترحيل المهاجرين رغم الرفض التشريعي، في محاولة لإيجاد صيغة توافقية أو ممارسة ضغوط غير مباشرة.

انتقادات حقوقية متصاعدة

منظمات حقوق الإنسان أعربت عن قلقها من توسيع سياسة ترحيل المهاجرين إلى دول ثالثة، معتبرة أن هذا النهج قد يعرض المرحلين لانتهاكات جسيمة، خاصة إذا كانت الدول المستقبلة غير موقعة على الاتفاقيات الدولية الخاصة باللاجئين.

وفي هذا السياق، تبرز حقيقة أن بالاو ليست من الدول الموقعة على اتفاقية الأمم المتحدة للاجئين لعام 1951، ما يعني غياب إطار قانوني واضح يضمن حماية طالبي اللجوء أو حقوقهم الأساسية داخل أراضيها، وهذا يزيد من المخاوف الحقوقية، إذ قد يجد المرحلون أنفسهم في وضع قانوني هش، دون ضمانات للإقامة أو العمل أو الحماية من الإعادة القسرية إلى بلدان قد يواجهون فيها مخاطر حقيقية.

بين الأمن والحقوق

تؤكد إدارة الرئيس ترامب أن الهدف من هذه السياسة هو تعزيز الأمن الداخلي، ومنع استغلال نظام اللجوء من قبل أشخاص لا يستوفون الشروط القانونية، إلا أن منتقديها يرون أن التركيز المفرط على الردع والترحيل يأتي على حساب المبادئ القانونية والإنسانية التي طالما تبنتها الولايات المتحدة.

ويحذر خبراء من أن نقل المهاجرين إلى دول صغيرة وضعيفة البنية القانونية قد يخلق أزمات إنسانية جديدة، وينقل المشكلة بدلاً من حلها، مع تحميل دول أخرى أعباءً لا تملك القدرة على إدارتها.

توازنات سياسية حساسة

بالنسبة لبالاو يمثل هذا الملف اختباراً صعباً للتوازن بين الحفاظ على سيادتها وقرارها الداخلي، وبين إدارة علاقتها مع شريك استراتيجي بحجم الولايات المتحدة، فبينما يرفض البرلمان تحمل تبعات سياسة هجرة لا تخص البلاد، تجد الحكومة نفسها أمام ضغوط سياسية واقتصادية محتملة.

أما على المستوى الدولي، فإن هذه الخطوة تعكس اتجاهاً أوسع في سياسات الهجرة لدى بعض الدول يقوم على إبرام اتفاقات مع دول ثالثة لإيواء أو استقبال المهاجرين، في محاولة للالتفاف على القيود الداخلية أو الضغوط السياسية.

شهدت سياسات الهجرة الأمريكية خلال السنوات الأخيرة تحولات جذرية، خاصة في عهد الرئيس دونالد ترامب الذي جعل من تشديد الرقابة على الحدود وتسريع عمليات الترحيل محورين أساسيين في خطابه السياسي. ومن بين الأدوات التي اعتمدتها إدارته، توسيع استخدام الترحيل إلى دول ثالثة، وهو خيار كان نادراً في السابق بسبب تعقيداته القانونية والدبلوماسية، وتثير هذه السياسة تساؤلات واسعة حول مدى التزام الولايات المتحدة بالمعايير الدولية لحقوق الإنسان واللاجئين، خاصة عندما تشمل دولاً غير موقعة على اتفاقية اللاجئين لعام 1951، وفي حالة بالاو، تتقاطع هذه السياسات مع واقع دولة صغيرة تعتمد اقتصادياً وأمنياً على واشنطن، ما يجعل أي قرار في هذا الملف محملاً بتداعيات إنسانية وسياسية تتجاوز حدود الجزيرة نفسها.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية