طلاب أكراد: العنصرية في فرنسا تزداد والشفافية منعدمة
طلاب أكراد: العنصرية في فرنسا تزداد والشفافية منعدمة
منذ سنوات وعلى فترات متقاربة، تهب رياح العنصرية في فرنسا، ووجد مسلمو البلد أنفسهم وسط هذه العاصفة القمعية، وبأشكال مختلفة تعمل الأغلبية السياسية على جعل أفراد الأقلية المسلمة -وهي الأكبر في أوروبا- مواطنين من الدرجة الثانية.
كان آخرها ما حدث مؤخرا، من إطلاق رجل عنصري يبلغ من العمر 69 عامًا، النار داخل مركز ثقافي كردي وصالون حلاقة في باريس، أسفر عن سقوط 3 قتلى من الجالية الكردية.
وألقت الشرطة الفرنسية القبض على المشتبه به وبحوزته "حقيبة صغيرة" تحتوي على "مخزنين أو ثلاثة ممتلئة بالخراطيش، وعلبة خرطوش من عيار 45 تحوي 25 خرطوشة على الأقل".
ووصف الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تلك الحادثة بـ"الشنيعة"، فيما قال وزير الداخلية الفرنسي جيرالد دارمانين، إن من الواضح أن المشتبه به استهدف أجانب.
ونظم المجلس الديمقراطي الكردي في فرنسا تجمعا، السبت، في ساحة الجمهورية، وتجمع مئات من المحتجين الأكراد لحضور تأبين للضحايا رافعين للأعلام، وانضم إليهم ساسة من بينهم رئيسة بلدية الدائرة العاشرة الواقعة بوسط باريس.
الحادث يجدد ما اشتهرت به فرنسا، فعلى مدار الأعوام السابقة كانت تُوصف أي مبادرة نابعة عن المسلمين بأنها طائفية ومنافية لحرية التعبير أو العلمانية، أو على أنها مظهر من مظاهر الإسلام السياسي، وهكذا، تعرضت مساجد وجماعات إنسانية وجمعيات للدفاع عن الحقوق، ومدارس ودور نشر، ونوادٍ رياضية، بل وحتى مجرد محلات بيع الوجبات الخفيفة، إلى الحل أو الغلق، أو هي حاليّا موضوع هذه الإجراءات.
ويقدّر عدد المسلمين في فرنسا خلال 2022 بنحو 4.5 مليون مسلم من إجمالي السكان، وذلك حسب أحدث إحصائية رسمية مطلع عام 2022، ويوجد في فرنسا العديد من المساجد ومراكز التعليم الإسلامية.
وتعد المسيحية الديانة الأكبر أتباعا في فرنسا ويليها الإسلام، وبحسب بعض الوثائق الحكومية يوجد أكثر من 6 ملايين مسلم في فرنسا.
مطالبات بشفافية التحقيقات والإعلان عنها
قال الطالب الكردي هشام الربيعي، إن ما حدث لم يكن المقصود به كرديا أو سنيا أو شيعيا، هو حادث متطرف وعنصري ضد المسلمين بشكل عام، ونطالب بتحقيق العدالة للضحايا ومحاسبة المسؤولين عن هذا الهجوم العنصري.
وأضاف في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، أنه يتوجب على الحكومة الإعلان بشفافية عن نتائج التحقيقات، ومعاقبة المجرم المنفذ، لتهدئة غضب الجالية الكردية".
وأشار هشام الذي يقيم في مدينة مارسيليا الفرنسية، إلى أن الحادث يعيد إلى الأذهان عملية إرهابية مشابهة حصلت عام 2013 وأسفرت عن مقتل 3 ناشطات كرديات أيضا داخل مركزٍ ثقافي كردي في باريس.
وبحسب هشام، فمنذ تلك العملية وحتى الآن لم تكشف السلطات الفرنسية عن الجهة التي وقفت خلفها، وهذا ما يزيد من غضب المحتجين الأكراد اليوم سواء في باريس أو مارسيليا وكذلك بقية المدن الفرنسية التي تشهد احتجاجات غاضبة، لا سيما وأنهم يطالبون القضاء الفرنسي بتحقيق العدالة للضحايا وعائلاتهم.
رد فعل الحكومة الفرنسية غير كافٍ
وقال وائل المدهون، كردي مقيم في فرنسا، إن أبناء الجالية الكردية والأحزاب اليسارية المتضامنة معها يطالبون اليوم بالعدالة للضحايا، سواء لضحايا الهجوم الحالي، أو الذي تمّ في عام 2013.
وأضاف، نحن غاضبون، والمواجهة الأمنية التي وقعت بين المحتجين الأكراد والقوات الأمنية في مناطق مختلفة من فرنسا، أمر يحصل للمرة الأولى ويمكن ربطه بحالة الغضب الشعبي لدى أبناء الجالية الكردية، خاصة أن ما جرى الجمعة هو ثاني هجوم يستهدف الأكراد، دون الكشف عن الجهات المنفذة للهجوم الأول أو معاقبتها.
وبخصوص رد الفعل الفرنسي ومدى القدرة على احتواء غضب الجالية الكردية، أشار وائل إلى أن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قدّم تعازيه وأعرب عن تعاطفه مع أبناء الجالية الكردية، وكذلك فعل زعيم اليسار الفرنسي جان لوك ميلونشون، فيما تعهد وزير الداخلية بفرض المزيد من الحماية والتشديد الأمني لحماية المراكز السياسية والثقافية الكردية في فرنسا من هجمات مماثلة، لكن رغم ذلك لا نعتبر ولا تعتبر الجالية الكردية كذلك أن الخطوات الفرنسية المعلنة من قبل حكومتها كافية.
عنصرية مثبتة
قال أكثر من 40 في المئة من المسلمين في فرنسا، إنهم وقعوا ضحايا سلوكيات عنصرية، وتحدث واحد من كل ثلاثة منهم تقريبا عن تمييز بسبب ديانته خلال السنوات الخمس الأخيرة، حسب استطلاع لمعهد "إيفوب" 2021.
ووفق هذا الاستطلاع، فإن 42 في المئة من المسلمين الذين يعيشون في فرنسا يؤكدون أنهم تعرضوا لشكل واحد من التمييز المرتبط بديانتهم، وذلك لمرة واحدة على الأقل خلال حياتهم".
وقال 32 في المئة إن ذلك حدث في السنوات الخمس الأخيرة، ويقول 13 في المئة من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع، إن تعرضهم للتمييز تمّ "أثناء عملية مراقبة" أمنية، بينما أشار حوالي 17 في المئة إلى أنّ التمييز مورس بحقهم "أثناء البحث عن عمل"، بينما أوضح 14 في المئة أنّ تعرضهم إلى التمييز كان خلال البحث عن سكن، كما أكد آخرون أنهم تعرضوا إلى التمييز من قبل مدرسين في مؤسسة تربوية.
وكشف الاستطلاع المنشور بوسائل إعلامية عدة، أنّ حالات التمييز تمسّ أكثر الأشخاص في العمر بين 30 و40 سنة والنساء.
وتعاني النساء من التمييز بنسبة 46 في المئة، خاصة السيدات المتحجبات مقابل 38 في المئة في صفوف الرجال.
وبحسب الاستطلاع، تعرض 60 في المئة من النساء المحجبات لتمييز مرة واحدة على الأقل في حياتهن مقابل 44 في المئة بحق مسلمات غير محجبات.
وكشف الاستطلاع أيضا تعرض مسلم من بين أربعة لاعتداء لفظي خلال حياته مقابل تسعة في المئة لغير المسلمين.
كما تعرض 7 في المئة من المسلمين لاعتداء جسدي مقابل ثلاثة في المئة لباقي المواطنين.
وتعرض 37 في المئة من النساء المحجبات لإهانات وشتائم.
تكميم الأفواه.. ورهاب الإسلاموفوبيا
إذا كانت ألمانيا قاطرة أوروبا الاقتصادية، فإن فرنسا هي أفكارها، والتي من شأنها التأسيس للحرية والعدالة، إلا أن ما يحدث يثير الاستغراب، حيث يتم تصوير المسلمين على أنهم يشكلون التهديد الرئيسي لهذه الحرية، ويُتهمون باستمرار بأنهم يعملون على منع أي نقاش حول دينهم.
بل ويتم رفض مصطلح رهاب الإسلام (الإسلاموفوبيا) بشدة، ويُنظر إليه من بعض الأطراف على أنه محاولة لفرض الرقابة.
ووفقًا لمحللين، يكشف الحضور الدائم لموضوع الإسلام والمسلمين في النقاش العام، والحملة الرئاسية الحالية، التهميش السياسي لأولئك الذين يتم تقديمهم على أنهم تهديد للتعددية الديمقراطية "المسلمين".
ولوقت طويل شكّلت قضية الرسوم الكاريكاتورية المسيئة لرموز الإسلام، نقطة جوهرية لما وُصف بإرادة في تقييد النقاش العام.
ومع ذلك، فإن القول إن تعبير المسلمات والمسلمين عن رفضهم لرسومات يعتبرونها مهينة يشكّل في حد ذاته مساسًا بحرية التعبير، يُعدّ تناسيًا لكون التعبير السلمي لهذا الرفض يدخل ضمن حرية التعبير نفسها.
ويذكر المحللون أنه وبينما ازداد التمييز الحكومي حدّة منذ خريف عام 2020، فالحديث عن رُهاب الإسلام، وخاصة عن إسلاموفوبيا الدولة، لم يعد مسألة حرية تعبير، بل حالة من "الانفصالية الإسلامية"، الذي يرتقي إلى مستوى التهديد الرئيسي للجمهورية.