العالم يفشل في القصاص لـ261 صحفياً قتلوا بسبب عملهم

في اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب

العالم يفشل في القصاص لـ261 صحفياً قتلوا بسبب عملهم

بأكثر من 200 صحفي قتلوا انتقاما منهم على عملهم، لم يشهد العقد الماضي انصافا للعاملين في مهنة البحث عن المتاعب، إذ لم يخضع للعدالة نحو 80 بالمئة من حالات قتل الصحفيين.

ويحيي العالم، اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، في 2 نوفمبر من كل عام، للتذكير بضرورة إنهاء ذلك الإفلات لضمان حرية التعبير وتداول المعلومات.

وأصدرت لجنة حماية الصحفيين الدولية (غير حكومية، مقرها نيويورك) المؤشر العالمي للإفلات من العقاب لعام 2023، والذي يعدِّد البلدان التي يُقتل فيها صحفيون، بينما يفلت الجناة من قبضة العدالة.

ويتفحص مؤشر عام 2023 حالات قتل الصحفيين التي وقعت من 1 سبتمبر 2013 حتى 31 أغسطس 2023، والتي لم يصدر بشأنها أحكام إدانة ضد مرتكبي الجرائم. 

وأوضح المؤشر العالمي أن "ما من أحد خضع للعدالة في زهاء 80 بالمئة من حالات قتل الصحفيين انتقاماً منهم على عملهم في العقد الماضي، ويبلغ عددهم 261 صحفياً".

وقالت رئيسة لجنة حماية الصحفيين، جودي غينزبيرغ: "تظل جرائم قتل الصحفيين تقع دون معاقبة مرتكبيها في زهاء 80 بالمئة من الحالات في العالم، وذلك في البلدان الديمقراطية والبلدان ذات الحكم الاستبدادي على حد سواء".

وأضافت غينزبيرغ: "الرسالة واضحة: لا بأس بمهاجمة الصحفيين،  إن القتل هو أعلى مستوى من الجرائم، ويُعتبر إجراء تحقيقات محلية سريعة وشفافة ومستقلة أمراً بالغ الأهمية".

وتابعت: "بإمكان الإرادة السياسية أن تغير مسار العدالة للقضاء على الإفلات المنتشر من العقاب في حالات قتل الصحفيين بسبب عملهم في مختلف دول العالم".

ووفق المؤشر العالمي لهذا العام، احتلت سوريا المرتبة الأولى بوصفها البلد الأسوأ في مجال الإفلات من العقاب في العالم، بينما استحوذ الصومال على المرتبة الثانية، وهي الدولة التي ظهرت على هذا المؤشر السنوي 16 مرة.

وللمرة الأولى على الإطلاق، احتلت هايتي (دولة تقع في منطقة البحر الكاريبي) المرتبة الثالثة وسط أزمة الأمن المتصاعدة في البلد، والتي تفاقمت من جراء العنف المنتشر للعصابات وعدم الاستقرار السياسي، إضافة إلى معاناة البلد من سلسلة من الكوارث الطبيعية. 

واستحوذت على المركز الرابع دولة جنوب السودان، وكانت المرتبة الخامسة من نصيب أفغانستان، كما احتل العراق المركز السادس، وجاءت المكسيك في المرتبة السابعة، يليها الفلبين في المركز الثامن، ثم ميانمار في المرتبة التاسعة، واحتلت البرازيل المركز العاشر. 

وأوضح المؤشر أن البلدان التي تحتل المراتب الثلاث الأولى تتسم بأنها غير مستقرة ومبتلاة بالعنف، فيما يظل الإفلات من العقاب حاضراً باستمرار في بلدان تتمتع بنظام ديمقراطي يؤدي وظائفه، من قبيل البرازيل والمكسيك والهند وباكستان والفلبين.

وأضاف أن كل من الصومال والعراق والمكسيك والفلبين وباكستان والهند تظهر على المؤشر سنوياً منذ إطلاقه في عام 2008.

وأصبحت كل من سوريا وجنوب السودان وأفغانستان والبرازيل تظهر باستمرار على المؤشر، ما يمثل تذكيراً مثيراً للقلق بشأن استمرار الإفلات من العقاب.

وأضاف المؤشر العالمي أنه في مثل هذه البيئة الخطيرة، يضطر الصحفيون للعمل ضمن مناخ من الخروج شبه التام عن القانون، ويخشون من تعرضهم للاستهداف بسبب تغطيتهم الصحفية، وكثيراً ما يدفعهم الرعب إلى ممارسة الرقابة الذاتية.

ويعرض المؤشر التحديات السائدة أمام تحقيق العدالة للصحفيين الذين لقوا حتفهم في إطار انتقام مباشر منهم بسبب تغطيتهم الصحفية، ووجدت لجنة حماية الصحفيين أن العدالة الكاملة، حيث تدين المحكمة جميع المسؤولين عن ارتكاب جريمة القتل، لم تتحقق إلا في 47 حالة قُتل فيها صحفيون.

ضمانات الدفاع

بدوره، قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، إن "الصحفيين ووسائل الإعلام يؤدون دورا حيويا في المجتمع، حيث يدعمون الديمقراطية ويمكِّنون لها ويُخضِعون السلطة للمساءلة، ووجودهم ضروري للمؤسسات القوية والخاضعة للمساءلة ولتحقيق أهداف التنمية المستدامة".

وأضاف غوتيريش في كلمة بهذه المناسبة: "لكن هذه الوظيفة المهمة تعرض الصحفيين للخطر، فالتزامهم بالتحقيق وكشف الحقيقة يعني أنهم غالبا ما يستهدفون بالهجوم والاحتجاز غير القانوني بل والموت".

وكشف غوتيريش مقتل ما لا يقل عن 88 صحفيا بسبب قيامهم بعملهم خلال عام 2022، وهو عدد أكبر بكثير مما كان في السنوات السابقة، كما أن الصراع الحالي في إسرائيل والأرض الفلسطينية المحتلة يُوقع خسائر مروعة في صفوف الصحفيين.

وتابع: "لكن غالبية الصحفيين الذين يقتلون ليسوا مراسلين حربيين، كما أنهم يعملون في بلدان تعيش في سلام، ويحققون في الفساد والاتجار وانتهاكات حقوق الإنسان والقضايا البيئية".

ومضى قائلا: "إنني أشعر بانزعاج بالغ من هذه الأرقام، ومن تصاعد التهديدات بكل أنواعها ضد الصحفيين، حيث وصل احتجاز الصحفيين إلى أعلى مستوياته على الإطلاق، كما تُستخدم المضايقات عبر الإنترنت للصحفيين، ولا سيما النساء منهم، كأداة لإسكاتهم".

واستطرد: "إننا بحاجة إلى ضمانات أفضل للدفاع عن الصحفيين الذين يبقوننا على دراية بما يجري، وإننا ندعو جميع الدول إلى منع العنف ضد الصحفيين، وتوفير بيئة آمنة لهم للقيام بعملهم، وتقديم أولئك الذين يرتكبون جرائم ضد الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام إلى العدالة، وضمان دعم الضحايا والناجين".

واختتم حديثه بعبارة: "نعرب عن امتناننا، اليوم وكل يوم، للصحفيين وجميع الإعلاميين الذين يخاطرون بصحتهم وحياتهم لإبقائنا على اطّلاع، وإبقاء الحقيقة حية".

تهديدات واعتداءات

وتحتفل الأمم المتحدة باليوم الدولي لإذكاء الوعي بالتحديات الرئيسة التي يواجهها الصحفيون والإعلاميون في أثناء ممارسة مهنتهم، والتحذير من تصاعد أعمال العنف ضدهم أو قمعهم.

وتشتمل تلك التحديات الهجمات والقيود المفروضة على الصحافة في سياق متابعة الاحتجاجات الاجتماعية، واستخدام السبل القضائية ضد الصحفيين نظرا لعملهم في قضايا المصلحة العامة؛ فضلا عن زيادة ممارسات النفي القسري للصحفيين في بعض البلدان.

ويُراد من احتفالية هذا العام كذلك تسليط الضوء على الدور الذي تضطلع به الصحافة الآمنة والحرة في ضمان نزاهة الانتخابات والأنظمة الديمقراطية، والتشديد على ضرورة التزام الدول باعتماد تدابير فعالة لحماية الصحافة المستقلة وتعزيز الأطر المؤسسية التي تكافح العنف والإفلات من العقاب، فضلا عن تعزيز استقلال وسائل الإعلام واستدامتها وتنوعها.

ووفق تقرير منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" لعام 2022، لا تزال أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي هي المنطقة التي تشهد أكبر عدد من جرائم قتل الصحفيين.

ومنذ عام 1993، قُتل أكثر من 1600 صحفي بسبب نقلهم الأخبار وتقديم المعلومات للجمهور، وفي تسع من كل عشر حالات يفلت القتلة من العقاب، كما يؤدي الإفلات من العقاب إلى مزيد من عمليات القتل، فضلا عن أنه غالباً أحد أعراض تفاقم الصراع وانهيار القانون والأنظمة القضائية.

وبحسب التقديرات الأممية، فإن عمليات القتل هي الشكل الأكثر تطرفًا للرقابة على وسائل الإعلام، غير أن الصحفيين يتعرضون إلى تهديدات لا حصر لها بدءًا من الاختطاف والتعذيب وغيره من الاعتداءات الجسدية إلى المضايقات، لا سيما في المجال الرقمي.

وتؤدي التهديدات بالعنف والاعتداءات ضد الصحفيين بوجه خاص إلى بث الخوف في العاملين في مجال الإعلام، ما يعيق حرية تداول المعلومات والآراء والأفكار أمام كل المواطنين، كما تتأثر الصحفيات بوجه خاص بالتهديدات والاعتداءات، لا سيما تلك التي تجري عبر الإنترنت. 

ومن ناحية أخرى، تعد خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب أول جهد متضافر داخل الأمم المتحدة للتصدي للهجمات على الصحفيين والجرائم المرتكبة في حقهم والإفلات من العقاب عليها، وذلك من خلال نهج شامل لأصحاب المصلحة المتعددين، ومنها السلطات الوطنية ووسائل الإعلام ومنظمات المجتمع المدني.

ومنذ اعتماد الخطة، اكتسبت قضية سلامة الصحفيين وضوحًا أكبر في الأمم المتحدة، حيث يتجلى ذلك من العدد المتزايد للإعلانات والقرارات والنصوص المعيارية الأخرى، وكذلك نداء الأمين العام للأمم المتحدة للعمل من أجل حقوق الإنسان. 

وتعد حماية الصحفيين كذلك جزءًا من خطة التنمية المستدامة لعام 2030، وقد ساهمت الخطة كذلك في بناء تحالفات دولية للحكومات والمجتمع المدني وعملت على إحداث تغييرات على أرض الواقع، من مثل إنشاء آليات أمان وطنية في 50 دولة على الأقل.

لكن رغم هذه الإنجازات، لا تزال التحديات قائمة ومعدل الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين مرتفعا ومتواصلا، فضلا عن ظهور أشكال جديدة من التهديدات.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية