مجلة بريطانية: الصين وأمريكا تخوضان منافسة طويلة الأمد على النفوذ والزعامة العالميتين
مجلة بريطانية: الصين وأمريكا تخوضان منافسة طويلة الأمد على النفوذ والزعامة العالميتين
معظم الدول ليس لديها الرغبة في الاختيار بين الصين وأمريكا، ولكن أصبح من الواضح أنهم قد يضطرون إلى ذلك، ورغم أن المنافسة أصبحت بين القوتين عالمية في عصر الاضطرابات السياسية والقلق الاقتصادي وارتفاع الحواجز أمام التجارة، يرى الزعماء في بكين وواشنطن فرصا لإلقاء اللوم لتسببهم في تفاقم الفوضى، وفقا لمجلة "الإيكونوميست" البريطانية.
وفي الوقت الحالي، غالبًا ما تبدو هذه المسابقة أو المنافسة سامية بشكل مدهش، ولأن العديد من الدول تخشى نشوب صراع بين الصين وأمريكا، فإن العملاقين لديهما الأسباب للعب دور القوة العظمى المسؤولة والبناءة، وقد تبنى الزعيم الصيني شي جين بينغ لهجة لطيفة عندما استضاف وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن في بكين في 26 إبريل، وفي وقت سابق، اتهم كبير الدبلوماسيين الصينيين، وانغ يي، إدارة "بايدن" بمحاولة احتواء بلاده من خلال "إجراءات لا نهاية لها لقمع اقتصاد الصين وتجارتها وكذلك العلوم والتكنولوجيا"، لكن "شي" كان يرغب في الحديث عن "الصورة الأكبر"، أي أن "العالم اليوم يمر بتحول لم نشهده منذ قرن من الزمان"، وأننا "نعيش في عالم مترابط وننهض ونسقط معا".
واقترح "شي" أن تساعد الصين وأمريكا بعضهما البعض وتجنب "المنافسة الشرسة"، ووسط الكلمات الدافئة، وجه توبيخا، مشيرا إلى أن الصين تعارض التحالفات و"الكتل الصغيرة" التي تقودها الولايات المتحدة، وهذا هو الرمز الذي تستخدمه الصين عندما تتهم أمريكا بتعريض السلام للخطر من خلال الحفاظ على تحالفات دفاعية مع الشركاء الأطلسيين في حلف شمال الأطلسي، ومع شركائها في منطقة المحيطين الهندي والهادئ، اليابان والفلبين وكوريا الجنوبية.
وترى الـ"الإيكونوميست" أن الكلمات الدافئة لا ينبغي أن تخدع أحدا، وأن عداء الصين للتحالفات والتكتلات التي تقودها الولايات المتحدة يشكل حجة حول القوة، وهو يشكل أيضاً تحدياً لشرعية الوجود الأمريكي كضامن للأمن في أوروبا وآسيا.
وفي 5 مايو، سيغادر "شي" في زيارة تستغرق 5 أيام إلى 3 دول أوروبية، هي فرنسا والمجر وصربيا، حيث أشاد الدبلوماسيون الصينيون بكل دولة من هذه الدول لالتزامها "بالحكم الذاتي الاستراتيجي" وانتهاج سياسة خارجية مستقلة، مما يعني الاستعداد لتحدي أمريكا.
في معرض استعراضه لزيارة "شي، ذكّر لو شاي، سفير الصين إلى فرنسا، المراسلين الصينيين في باريس باللحظة، قبل 60 عاما، عندما كان الرئيس الفرنسي آنذاك شارل ديغول يتمتع بالشجاعة اللازمة لتحمل "الضغوط الشديدة من المعسكر الغربي" (أي أنه كان يتمتع بالشجاعة الكافية لتحمل ضغوط الغرب وأمريكا) لإقامة علاقات دبلوماسية مع الصين.
وفي بكين، تتذمر سفارات دول الاتحاد الأوروبي الأخرى من أن الجهود المبذولة للتوصل إلى إجماع حول سياسات الصين يتم حظرها بشكل روتيني من قبل أحد الأعضاء- المجر، يتم توجيه هذا الموقف الدبلوماسي من الأعلى من قبل فيكتور أوربان، رئيس الوزراء المجري وبطل "القومية غير الليبرالية" المؤيد للصين والموالي لروسيا.
ويأتي توقيت زيارة "شي"إلى صربيا ليتزامن، حتى اليوم، مع الذكرى السنوية الخامسة والعشرين لقصف حلف شمال الأطلسي للسفارة الصينية في العاصمة الصربية بلغراد، وقد لقي 3 صحفيين صينيين حتفهم في ذلك التفجير، ولم تقبل الصين قط إصرار أمريكا على أن الهجوم كان خطأً.
وعندما غزت روسيا أوكرانيا في عام 2022، ألقى المسؤولون الصينيون اللوم على الناتو في استفزاز روسيا من خلال التوسع ليشمل دول الكتلة السوفيتية السابقة، وبالقرب من الوطن، تتبنى الصين نفس النهج المتمثل في أن وجود أمريكا غير مرحب به ومثير للمشاكل عندما تبحر سفنها الحربية عبر بحر الصين الجنوبي، في المياه الدولية التي تطالب بها الصين.
ومع ذلك، مع تزايد وتيرة هذا التنافس على النفوذ، فإن لدى أمريكا حججها الخاصة التي تقدمها بشأن عزل الصين لنفسها، ففي اجتماعاته في بكين، أشار "بلينكن" إلى أن الصين تعرض مصالحها الخاصة للخطر بثلاث طرق: الأول، يتعلق بمضايقة الصين لسفن خفر السواحل وقوارب الصيد التابعة للفلبين، وهي حليف للولايات المتحدة، حيث تؤكد الصين مطالباتها بالسيادة على بحر الصين الجنوبي بأكمله تقريبا، في تحد للقانون الدولي.
ثانيًا، أخبر "بلينكن" مضيفيه الصينيين أن الأمن الأوروبي كان على مدى عقود عديدة "مصلحة أساسية" لأمريكا، وهو استخدام متعمد لعبارة غالبًا ما ينطق بها الدبلوماسيون الصينيون، وأضاف: "إن أمن أوروبا مهدد من قبل الشركات الصينية التي تبيع كميات كبيرة من الإلكترونيات الدقيقة والأدوات الآلية وغيرها من المكونات ذات الاستخدام المزدوج التي تحتاج إليها روسيا لصنع أسلحة لحربها ضد أوكرانيا".
وقال وزير الخارجية إن الصين بحاجة إلى الاختيار بين دعم روسيا ورغبتها في إقامة علاقات وثيقة مع أوروبا، مستشهدا بالآراء التي عبر عنها العديد من القادة الأوروبيين.
وعلى حد تعبير، السفير الأمريكي لدى الصين نيكولاس بيرنز: "يتعين على الحكومة في بكين أن تدرك أن عدوان بوتين على أوكرانيا يشكل تهديداً وجودياً لأوروبا، ولهذا السبب كان الأوروبيون غاضبين للغاية من الشركات الصينية التي تبيع مواد ذات استخدام مزدوج لصناعة الدفاع الروسية.
الحاجة إلى أصدقاء
أخيرًا، قال بلينكن إن العديد من الدول تشارك الولايات المتحدة المخاوف بشأن القدرة الصناعية الصينية الفائضة التي تؤدي إلى تصدير البضائع بأسعار منخفضة بشكل مصطنع، واستشهد بتحقيقات الاتحاد الأوروبي في الألواح الشمسية والسيارات الكهربائية القادمة من الصين، والتحقيقات المكسيكية والبرازيلية في مزاعم عن إغراق الشركات الصينية.
وتبدو الصين ليست مستعدة للتنازل عن هذه النقاط، ويلقي دبلوماسيوها اللوم على أمريكا في إثارة التوترات في بحر الصين الجنوبي، وهم يصرون على أن الصين مراقب محايد للصراع الأوكراني، أما بالنسبة للصادرات الصينية المتزايدة، فقد أعلنت سفارتها في باريس مؤخرا في بيان لها أن الحديث عن الطاقة الفائضة الصينية يظهر في الواقع أن الصناعات الغربية فقدت قدرتها التنافسية.
وبحسب المجلة تخوض الصين وأمريكا منافسة طويلة الأمد على النفوذ والزعامة العالميتين، يحتاج كلا الخصمين إلى كل الأصدقاء الذين يمكنهم الحصول عليهما.