"محمد يونس" رجل الاقتصاد الذي أنقذ الشعب من الفقر.. فهل ينقذه من الفساد؟
"محمد يونس" رجل الاقتصاد الذي أنقذ الشعب من الفقر.. فهل ينقذه من الفساد؟
"لقد أنشأنا عالمًا خاليًا من العبودية.. خاليًا من الجدري.. خاليًا من الفصل العنصري.. إن تأسيس عالم خالٍ من الفقر سيكون أعظم هذه الإنجازات وسيكرسها".. بهذه الكلمات رسم محمد يونس رئيس حكومة بنغلاديش، مسار عمره الذي قضاه في محاربة الفقر ونصرة الفقراء.
ويمتلك محمد يونس أحد أشهر الاقتصاديين والمصرفيين في العالم، والحاصل على جائزة نوبل للسلام، تجربة في مكافحة الفقر في بلاده، إذ نجح في إنشاء وتأسيس بنك "غرامين" (بنك الفقراء)، الذي يهدف إلى الحد من الفقر من خلال توفير قروض صغيرة للفقراء دون ضمانات.
وتعلق بنغلاديش آمالها على رئيس الحكومة الانتقالية الجديد محمد يونس الذي يعد واحداً من أشهر مثقفيها لإعادة الاستقرار إليها بعد أن مزقتها الاضطرابات الشعبية، والتي أدت في يوليو 2024 إلى هروب رئيسة الوزراء حسينة واجد إلى الهند.
وواجه يونس في عهد حسينة 174 قضية أمام المحكمة، بما في ذلك اتهامات بالفساد، وهي القضايا التي وصفتها جماعات حقوق الإنسان بأنها انتقام سياسي من رئيسة الوزراء السابقة.
وفي أغسطس المنصرم، نشرت 160 شخصية دولية، بينهم الرئيس الأميركي السابق، باراك أوباما، والأمين العام السابق للأمم المتحدة، بان كي مون، رسالة مفتوحة مشتركة، تندد "بالمضايقات القضائية المتواصلة" التي يتعرض لها يونس البالغ من العمر حاليا 84 عاما، وتبدي مخاوف على سلامته.
ويمتلك يونس تاريخًا طويلاً من النضال في محاربة الفقر، والذي أرسى دعائمه نشأته المتواضعة، حيث أبصر محمد يونس النور سنة 1940 بمدينة شيتاجونغ، والتي تعد أكبر ميناء في بنغلاديش، وسط أسرة فقيرة، لكنها تمتلك أحلامًا تعانق السماء ساعدتها على تنمية شغف يونس بالتعليم منذ صغره، ما دفعه للالتحاق بقسم الاقتصاد في جامعة دكا عام 1957، حيث أكمل درجة البكالوريوس في الاقتصاد عام 1960، ثم الماجستير عام 1961، ليعمل بعد تخرجه محاضرًا في الاقتصاد بكلية شيتاغونغ.
في عام 1965، حصل يونس على منحة للدراسة في الولايات المتحدة، حيث حصل على درجة الدكتوراه في الاقتصاد من جامعة فاندربيلت عام 1971، بتركيزه على التنمية الاقتصادية.
ورغم نجاحه الأكاديمي، شعر يونس بالضيق حيال النظريات الاقتصادية التي كانت تُدرّس في الجامعة والتي لم تلمس الفقر الملموس الذي كان يراه حوله في الشوارع.
في عام 1976، بدأت نقطة التحول الكبرى في حياة يونس عندما زار قرية غوبرا قرب جامعة شيتاغونغ، حيث التقى هناك مجموعة من النساء الفقيرات، المقيدات بقروض صغيرة تجعلهن يعملن بدون ربح تقريبًا.
قرر يونس أن يساعدهن فأعطاهن قرضًا صغيرًا بقيمة 27 دولارًا، وهو ما مكنهن من الاحتفاظ بالأرباح.. مثل هذا القرض بداية نحو رحلة يونس لمحاربة الفقر عبر بنوك متخصصة.
وفي ديسمبر 1976، نجح يونس في تأمين قرض من بنك جاناتا الحكومي لإقراض الفقراء في جوبرا.
ساعد يونس وقتها أن البنوك التقليدية لم ترغب في تقديم قروض صغيرة بفائدة معقولة للفقراء بسبب ارتفاع مخاطر التخلف عن السداد، في المقابل كانت فكرة يونس هي أنه إذا أتيحت الفرصة، فلن يحتاج الفقراء إلى دفع فائدة عالية على الأموال، ويمكنهم الاحتفاظ بأي أرباح من عملهم الخاص، وبالتالي كان الائتمان الصغير نموذجًا تجاريًا قابلاً للتطبيق.
واستمرت المؤسسة التي دشنها يونس في العمل، وحصلت على قروض من بنوك أخرى لتمويل مشاريعها، وبحلول 1982 بلغ عدد المستفيدين من المؤسسة 28 ألف شخص.
وفي أكتوبر 1983، بدأ المشروع التجريبي العمل كبنك كامل الأهلية للفقراء في بنغلاديش، وتمت تسميته ببنك جرامين ويعني بنك القرية، وبحلول يوليو 2007، أسهم بنك جرامين في تقديم 6.38 مليار دولار أميركي لـ7.4 مليون مقترض.
وحصل يونس على جائزة نوبل للسلام عام 2006، بالاشتراك مع بنك جرامين، لجهودهما في خلق التنمية الاقتصادية والاجتماعية وقالت لجنة نوبل عنه "لقد أثبت محمد يونس أنه زعيم نجح في ترجمة الرؤى إلى إجراءات عملية لصالح الملايين من الناس، ليس فقط في بنغلاديش، بل وأيضاً في العديد من البلدان الأخرى".
وكان يونس أول بنغلاديشي يحصل على جائزة نوبل على الإطلاق، وبعد فوزه بالجائزة أعلن أنه سيستخدم جزءًا من حصته من أموال الجائزة البالغة 1.4 مليون دولار لإنشاء مؤسسة للغذاء وتقديم طعام منخفض التكلفة وعالي التغذية للفقراء؛ بينما سيذهب الباقي إلى إنشاء جامعة يونس للعلوم والتكنولوجيا في منطقته الأصلية.
كما تم اختيار يونس من بين أكثر المفكرين الذين ينبغي للعالم أن يستمع إليهم من قبل قائمة 100 شخصية الأكثر نفوذاً في العالم، كما تم اختياره من قبل مجلة فورتشن في مارس 2012 كواحد من أعظم 12 رجل أعمال في العصر الحالي.
حصل يونس على 50 درجة دكتوراه فخرية من جامعات في مختلف دول العالم، ومئات الجوائز من مؤسسات دولية وحكومية، ولعب دورًا استشاريًا رئيسيًا في أولمبياد باريس 2024، حيث روج لمبادئ الأعمال الاجتماعية وشجع المشاريع المستدامة والمسؤولة اجتماعيًا.
ألف يونس مجموعة من الكتب وشارك في تأليف مجموعة أخرى مع مؤلفين وخبراء، ومن بينها كتاب "عالم خالٍ من الفقر"، و"عالم الأصفار الثلاثة وبنك الفقراء"، و"القروض الصغرى والمعركة ضد الفقر في العالم: بناء الأعمال الاجتماعية"، و"النوع الجديد من الرأسمالية"، و"عن المنظمات غير الربحية والقطاعات الاجتماعية"، و"رحلة إلى الأشخاص الذين يغيرون العالم وما يمكننا تعلمه منهم"، وغيرها من الكتب.