رغم محاولات إجهاضه.. الإضراب العام بإسرائيل يدفع نحو اتفاق هدنة في غزة
رغم محاولات إجهاضه.. الإضراب العام بإسرائيل يدفع نحو اتفاق هدنة في غزة
بإضراب عام يُعد الأول من نوعه في إسرائيل منذ اندلاع الحرب على قطاع غزة، لم تقوَ حكومة بنيامين نتنياهو على إجهاض ضغوط شعبية عارمة لإبرام اتفاق تبادل أسرى مع الفصائل الفلسطينية.
الأحد الماضي، أعلن الجيش الإسرائيلي العثور على جثث 6 أسرى إسرائيليين بمنطقة رفح جنوب قطاع غزة، فيما قالت حركة "حماس" إنهم قُتلوا في قصف إسرائيلي.
أعقب ذلك دعوة أطلقها اتحاد نقابات العمال "الهستدروت" وهو اتحاد نقابي يمثل معظم العاملين في القطاع العام بإسرائيل، وتضامن معها عائلات المحتجزين والمعارضين، بهدف إلزام نتنياهو بإبرام صفقة تبادل أسرى.
وأمس الاثنين، اندلعت شرارة الغضب في إسرائيل، إذ أعلنت هيئة البث الإسرائيلية (رسمية) عن بدء الإضراب العام في المرافق الاقتصادية، وبعض السلطات المحلية، والمؤسسات الحكومية، والجامعات، والسكك الحديدية، والمصارف، والمصالح التجارية، ومطار بن غوريون الدولي، إضافة إلى تقليص عدد ساعات العمل في المستشفيات.
وأفاد موقع "تايمز أوف إسرائيل" العبري، بأن “العاملين أوقفوا نشاط الخدمات العامة وشركات التكنولوجيا وغيرها من الشركات، وتسبب النشطاء في عرقلة حركة المرور عند تقاطعات الطرق في أرجاء البلاد، حيث انضم مئات الآلاف إلى الإضراب العام، بهدف الضغط على الحكومة لإبرام اتفاق لوقف إطلاق النار في غزة بعد أن استعاد الجيش جثث 6 رهائن”.
ورغم غضب نتنياهو والتهديد بتوقيع خصم على رواتب الموظفين، سجل الإضراب العام الذي جرى على مدى يوم واحد هدفا في مرمى الحكومة الإسرائيلية، إذ أغلق المتظاهرون شوارع رئيسية في تل أبيب وطرقا سريعة مؤدية إلى المدينة من الشمال والشرق، وفق ما أوردته وسائل إعلام عبرية.
ضربة موجعة
وفي شمال تل أبيب، أغلق مئات المتظاهرين الشوارع الجانبية والتقاطعات، ما أدى إلى إغلاق الطرق الرئيسية المؤدية إلى القلب الاقتصادي للبلاد، وردد المشاركون في الإضراب العام هتافات مناوئة للحكومة الإسرائيلية، أبرزها "لماذا تظلون في غزة؟"، كما احتشد آلاف الإسرائيليين على الأرصفة وفي الشوارع والتقاطعات في المدن الأخرى.
وبحسب تقديرات موقع "تايمز أوف إسرائيل"، فإن "هذا التحرك المنسق من بين أكبر التحركات منذ بدء أزمة الرهائن قبل نحو 11 شهراً، وهو ما يذكر بالاحتجاجات الضخمة المناهضة للحكومة والتي كانت تهدف إلى إحباط مشروع إصلاح النظام القضائي".
ونقل الموقع عن رئيس الهستدروت (الاتحاد النقابي) أرنون بار دافيد، قوله إن "وقف النشاط الاقتصادي للبلاد قد يمتد إلى أكثر من يوم واحد"، فيما نقلت وسائل إعلام عبرية عن مصادر (لم تسمها) قولها إن المزيد من النقابات قد تنضم إلى الإضراب في المستقبل.
وفي مطار بن غوريون الدولي، جرى إغلاق جزئي لمدة ساعتين من الساعة 8 صباحا حتى الساعة 10 صباحا، رغم الضغوط الشديدة التي مارستها وزارة المواصلات الإسرائيلية، حيث أعادت شركات الطيران العبرية جدولة رحلاتها للإقلاع قبل أو بعد فترة الإضراب، لكن رغم أن المطار ظل مفتوحا للرحلات، فإن العمال لم يقوموا بتفريغ أمتعة وحقائب المسافرين.
وأظهرت الصور والمقاطع المصورة المتداولة على منصات التواصل الاجتماعي لمطار بن غوريون خلال فترة الإضراب، تكدس الحقائب على المدرجات وبجوار مكاتب تسجيل الوصول المغلقة أيضا.
مساع للإجهاض
وسعت الحكومة الإسرائيلية إلى إجهاض الإضراب العام، من خلال التوعد بخصم في رواتب الموظفين، إذ قال وزير المالية اليميني المتطرف بتسلئيل سموتريتش على منصة "إكس": "هذا إضراب سياسي لا يقع تحت سلطة الهستدروت وليس له أي أثر قانوني".
وأضاف سموتريتش: "أمرت مشرف الرواتب بتمرير توجيه واضح تم نشره بالفعل، بأنه لن يتم دفع أجر الموظف الذي لا يأتي للعمل يوم الإثنين، ولن يُسمح لرؤساء الهستدروت بقلب البلاد رأسا على عقب واستخدام العمال كسلاح لتعزيز رأيهم السياسي".
ومن جانبها، قررت محكمة العمل الإسرائيلية في تل أبيب، بوقف الإضراب العام الساعة 2:30 ظهر الاثنين بالتوقيت المحلي (11:30 بتوقيت غرينيتش)، وجاء قرار المحكمة بناء على طلب وزير المالية.
يأتي ذلك وسط انتقاد حادة تواجه السلطات الإسرائيلية بشأن قرار إبقاء الجيش في محور فيلادلفيا بين قطاع غزة ومصر؛ لأنه "يقلل ويؤخر بشكل كبير من فرص إبرام اتفاق لتبادل أسرى".
وخلال الأشهر الماضية، يتصاعد غضب الإسرائيليين ضد حكومة بلادهم، لا سيما رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو، إذ تجنح المظاهرات التي تخرج للمطالبة بتبادل أسرى إلى المطالبة باستقالة الحكومة فورا.
ويقول محللون إسرائيليون في وسائل إعلام عبرية إن "نافذة الوقت للتوصل إلى اتفاق تبادل الأسرى لم تغلق بعد، ولكن اليوم سيكون تنفيذ الاتفاق أكثر تعقيدا مقارنة بما كان عليه قبل شهرين، عندما كانت الفرص أعلى".
ويرى المسؤولون الأمنيون أن قرار المجلس الوزاري المصغر للشؤون السياسية والأمنية "الكابينت" بالبقاء في محور فيلادلفيا يقلل ويؤخر بشكل كبير فرص التوصل إلى اتفاق، بحسب وسائل الإعلام.
والأحد، دعا وزير الدفاع الإسرائيلي يوآف غالانت، عبر بيان، إلى تراجع "الكابينت" عن قراره الذي اتخذه الخميس بشأن إبقاء الجيش في محور فيلادلفيا.
وتحتجز تل أبيب في سجونها أكثر من 9 آلاف و500 فلسطيني، وتقدر وجود 101 أسير إسرائيلي في غزة، بينما أعلنت حركة "حماس" مقتل عشرات منهم في غارات إسرائيلية عشوائية.
الموقف الأمريكي
ومع احتدام الموقف الداخلي في إسرائيل، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن، اعتزامه تقديم مقترح نهائي لتحرير الرهائن ووقف إطلاق النار في قطاع غزة، مشيرا إلى أنه وفريقه للأمن القومي سيحددان الاستراتيجية من أجل الدفع النهائي في ما يتعلق بإبرام الصفقة، وفق ما ذكره موقع إكسيوس الأمريكي.
وعندما سئل بايدن عند وصوله لعقد اجتماع مع المفاوضين الأمريكيين بشأن الاتفاق، عمّا إذا كان يعتقد أن نتنياهو يبذل جهدا كافيا بشأن هذه القضية، أجاب الرئيس الأمريكي بكلمة: "لا".
ونقل موقع إكسيوس الأمريكي، عن مصدر لم يسمه، أن "مقتل 6 رهائن محتجزين في قطاع غزة زاد في إلحاح كبار مساعدي بايدن للدفع من أجل التوصل إلى اتفاق في أقرب وقت ممكن وتقديمه أمام إسرائيل وحركة حماس للأخذ به أو تركه".
وأضاف المصدر، أن "مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان، أجرى اتصال عبر تقنية (زووم) مع كبير مستشاري بايدن في الشرق الأوسط بريت ماكجورك، استغرقت ساعة مع أفراد عائلات الرهائن الأمريكيين الـ7 الذين لا يزالون محتجزين لدى (حماس) في غزة".
وأعرب سوليفان وماكجورك لعائلات الرهائن عن تطلعهما لإتمام إبرام الصفقة، لا سيما في ظل جهود الدفع الدبلوماسي الجاري عبر أعلى مستويات الحكومة الأمريكية للمضي نحو صفقة تضمن إطلاق سراح الرهائن المتبقين.
من جهتها، قالت عائلات المحتجزين، في بيان أصدرته عقب الاتصال مع المسؤولين الأمريكيين ساليفان وماكجورك، إنه تم إبلاغهم بأن الأيام القليلة المقبلة ستكون حاسمة في الدفع لتحرير الرهائن.
وعلى مدى أشهر من مفاوضات وقف إطلاق النار، رفض نتنياهو الموافقة على هدنة تتضمن انسحاب إسرائيل من غزة ووقف دائم للقتال، وذلك تحت مزاعم أن أي من الخيارين يمكن أن يسمح لحركة "حماس" بالبقاء وتهديد أمن إسرائيل بالخطر، في المقابل رفضت حماس التنازل، قائلة في بيانات متتالية إنها "لن تفرج عن مزيد من الرهائن دون وقف دائم لإطلاق النار".
الموقف المصري
وفي إطار مساعيها لوقف إطلاق النار في قطاع غزة، جددت مصر تأكيدها على ثوابت ومحددات أي اتفاق للسلام، وفي مقدمتها رفض الوجود الإسرائيلي بمحور فيلادلفيا ومعبر رفح بشكل قاطع.
وقال مصدر رفيع المستوى في تصريحات أوردتها فضائية “القاهرة” الإخبارية، إن "استمرار الحرب الحالية واحتمالية توسعها إقليميًا أمر في غاية الخطورة، وينذر بعواقب وخيمة على المستويات كافة".
وذكر المصدر أن "الحكومة الإسرائيلية هي المسؤولة عن عدم الوصول إلى اتفاق هدنة، وتسعى لفرض واقع جديد على الأرض للتغطية على أزمتها الداخلية".
ونشرت إسرائيل في أواخر مايو الماضي قواتها العسكرية في المحور الذي يبلغ طوله نحو 14 كيلومترا ويقع على الحدود بين قطاع غزة ومصر، وترفض التراجع عن هذه الخطوة.
ويعتبر الجيش الإسرائيلي أن السيطرة على محور فيلادلفيا، هو أحد أهم أهداف عمليته العسكرية في مدينة رفح، حيث يتهم حماس باستخدامه لتنفيذ عمليات تهريب.
وتعتبر معاهدة السلام الموقعة بين مصر وإسرائيل عام 1979، أن محور فيلادلفيا "منطقة عازلة"، وانسحبت إسرائيل منه تماما في إطار خطة فك ارتباطها بقطاع غزة عام 2005.
والخميس الماضي، صوّت مجلس الوزراء السياسي الأمني في إسرائيل "الكابنيت" لصالح بقاء الجيش في محور فيلادلفيا بأغلبية 8 أصوات وصوت معارض واحد، والمصادقة على الخرائط التي تحدد بقاء الجيش الإسرائيلي في محور فيلادلفيا، كجزء من صفقة محتملة لتبادل الأسرى.
انعكاسات الإضراب
بدوره، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، خالد سعيد، لـ"جسور بوست"، إن الإضراب العام في إسرائيل يمكن أن يتجدد مرارا خلال الأسابيع المقبلة تحت ضغوط التوصل لاتفاق هدنة، مشيرا إلى أن هذا الإضراب هو الأول من نوعه بإسرائيل منذ حرب غزة التي اندلعت في 7 أكتوبر 2023.
وأضاف سعيد: "يحمل الإضراب الواسع في إسرائيل دلالات واضحة بأن الأمور ستزداد تعقيدا أمام نتنياهو لا سيما مع تصاعد تيارات الرفض والتنديد"، لافتا إلى أن الإصرار على الإضرابات تعنى التصميم الشعبي على إنهاء الحرب والوصول إلى اتفاق تبادل الأسرى.
وبقوله "يحتاج إلى أن يستمر لأيام وليس يوم واحد"، قلل مدير المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان والقانون الدولي الدكتور محمود الحنفي، من تأثير الإضراب العام في إسرائيل والتي جرى على مدى يوم واحد لأن آثاره الاقتصادية والسياسية ستكون ضعيفة إذا ما تم مقارنتها إذ جرى على مدى عدة أيام.
وأضاف الحنفي لـ"جسور بوست": "القرار الصادر ضد الإضراب صادر من محكمة العمل الإسرائيلية وليست من المحكمة العليا"، محذرا من الحشد المضاد الذي قد يقود نتنياهو اليمين المتطرف عبر احتجاجات تدعمه.
ومضى قائلا: "تصريح بايدن بشأن عرقلة نتنياهو للهدنة يحمل دلالة جاءت متزامنة مع ذلك الإضراب النادر منذ اندلاع حرب غزة والاحتجاجات التي أشبه باحتجاجات الإصلاح القضائي التي كانت الأضخم ضد نتنياهو من قبل، وبالتالي فإنه غير مستبعد أن تكون للفعاليات الغاضبة الاقتصادية والعمالية تأثير سياسي قد يقود لإبرام الهدنة".
ويسود وضع إنساني كارثي في القطاع المحاصر بسبب تدمير البنية التحتية والحرمان من الغذاء والمياه والوقود والكهرباء، ما اضطر نحو 90 بالمئة من سكان غزة الذي يناهز عددهم 2.4 مليون نسمة إلى الفرار من منازلهم، وفق تقديرات الأمم المتحدة.