من براثن الفقر إلى قاع البحر.. كيف تبتلع عصابات الهجرة أحلام المهاجرين وتدمر حياتهم؟
من براثن الفقر إلى قاع البحر.. كيف تبتلع عصابات الهجرة أحلام المهاجرين وتدمر حياتهم؟
تشهد ظاهرة تهريب البشر تصاعدًا كبيرًا، حيث تزداد حدة الصراعات الاقتصادية والسياسية التي تدفع الملايين للبحث عن مستقبل أفضل، وفي خضم هذه الأزمات، تستغل عصابات الجريمة المنظمة الظروف القاسية للمهاجرين، لتصبح عملية تهريب البشر تجارة مربحة على حساب أرواح الفئات الهشة.
تجارة بمليارات الدولارات
تدير عصابات متخصصة عمليات تهريب بشرية ضخمة حول العالم، مستغلة معاناة المهاجرين الباحثين عن الأمان. ووفقًا لمنظمة الهجرة الدولية، تتراوح تكلفة تهريب شخص عبر البحر الأبيض المتوسط ما بين 3,000 و7,000 دولار، ما يشير إلى العوائد الضخمة التي تحققها هذه العصابات. وفي عام 2022، لقي أكثر من 2,000 مهاجر حتفهم أثناء محاولاتهم عبور البحر الأبيض المتوسط، ما يبرز خطورة هذه العمليات.
تحديات أمنية وحقوقية
ورغم جهود العديد من الدول في مكافحة هذه العصابات، تظل الحلول بعيدة المدى غائبة. فقد خصصت الدول الأوروبية ما يقارب 1.8 مليار يورو منذ عام 2015 لتعزيز مراقبة الحدود، لكن أعداد المهاجرين غير الشرعيين لا تزال في تزايد. وفي الولايات المتحدة، تم تسجيل دخول 2.3 مليون مهاجر غير شرعي في عام 2022، ما يعكس تحديات الأمن وضرورة إيجاد حلول فعّالة.
توازن بين الأمن وحقوق الإنسان
تؤكد التقارير الحقوقية ضرورة التوازن بين الأمن وحقوق الإنسان عند التعامل مع المهاجرين. فقد أشار تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية إلى تعرض 5,000 شخص للاحتجاز التعسفي في مراكز الاحتجاز بالبحر الأبيض المتوسط عام 2020، ما يدعو إلى توفير بيئة آمنة تحترم حقوق الإنسان لجميع المهاجرين.
نماذج لعصابات تهريب البشر
عصابة "الأخطبوط" في أمريكا الوسطى: تعمل هذه العصابة، التي تتخذ من دول مثل هندوراس وغواتيمالا مقراً، على تنظيم رحلات غير شرعية إلى الولايات المتحدة، مستفيدة من شبكة معقدة من الطرق البرية والمخابئ الآمنة، وقدرت رسوم التهريب ما بين 5,000 و10,000 دولار للفرد.
عصابة "المافيا السورية": أسست هذه العصابة في عام 2021 لتسهيل تهريب اللاجئين السوريين إلى أوروبا، مستغلة حاجتهم للوصول الآمن. وقد تم تهريب ما يقرب من 200,000 شخص عبر طرق غير آمنة.
عصابة "غزة": تعتبر من أخطر العصابات، حيث تهرب البشر عبر الأنفاق من إفريقيا إلى مصر ومن ثم إلى أوروبا. وقد أسفرت عملياتها عن وفيات عديدة في ظروف قاسية، ما دعا الحكومة المصرية لتكثيف جهودها للحد من هذه الظاهرة.
عصابة "التيكتوك" في كينيا: تعتمد هذه العصابة على وسائل التواصل الاجتماعي لتشجيع الشباب على الهجرة غير الشرعية إلى أوروبا، حيث يتم نشر فيديوهات جذابة عن حياة الرفاهية، وتسببت هذه الدعاية في تهريب أكثر من 3,000 شاب سنويًا.
الحلول الممكنة ودور التوعية
أثبتت التجارب أن التوعية حول مخاطر الهجرة غير الشرعية قد تحد من تورط المهاجرين مع عصابات التهريب، فقد أظهرت دراسة لمنظمة الهجرة الدولية أن 70% من المهاجرين الذين حصلوا على معلومات دقيقة عن المخاطر كانوا أكثر استعدادًا لاتخاذ قرارات مستنيرة.
معالجة الأسباب الجذرية للهجرة
تتطلب مكافحة تهريب البشر تعاونًا دوليًا لمواجهة الأسباب الجذرية للهجرة، مثل الصراعات والنزاعات المسلحة. وقد نجحت بعض السياسات، مثل مبادرات الاندماج التي تبنتها إسبانيا عام 2021، في تقليل معدلات الهجرة غير الشرعية بنسبة 25%.
تحديات حقوقية وقانونية
تتصاعد أزمة الهجرة غير الشرعية بتفاقم نشاط العصابات التي تستغل أوضاع المهاجرين الصعبة لتحقيق مكاسب مالية، ما يعكس أزمة حقوقية عالمية تلقي بظلالها على أمن وسلامة المجتمعات.
وأوضح خبير حقوق الإنسان التونسي، مصطفى عبدالكبير، في حديثه لـ"جسور بوست"، أن هذه العصابات تمثل تهديدًا صارخًا لمبادئ حقوق الإنسان، مستغلة أزمات إنسانية ناجمة عن النزاعات والفقر المدقع، ما يدفع الأفراد للبحث عن مهرب من واقعهم المرير، رغم المخاطر الكثيرة.
وقال عبدالكبير إن العصابات لا تقتصر انتهاكاتها على الاستغلال المادي، بل تهدد حياة المهاجرين بشكل مباشر عبر أساليب غير آمنة، حيث يعبر المهاجرون طرقًا محفوفة بالمخاطر ويتعرضون للاستغلال الجنسي أو العمل القسري، ما يزيد من معاناتهم.
وأوضح أن الآثار السلبية لهذه الظاهرة تمتد أيضًا إلى المجتمعات المضيفة التي تشهد تصاعدًا في التوترات الاجتماعية، ما يؤدي إلى تعزيز مشاعر القلق تجاه المهاجرين، وبالتالي تصاعد المواقف السلبية والتمييزية.
الاستجابة الأمنية وحقوق الإنسان
أشار عبدالكبير إلى أن الحكومات غالبًا ما تعتمد حلولًا أمنية فقط في مواجهة الهجرة غير الشرعية، متجاهلة حقوق المهاجرين الأساسية، مثل حقهم في البحث عن اللجوء، داعيًا إلى أن تكون السياسات أكثر شمولية بحيث تتعاون الدول في معالجة جذور الظاهرة كالفقر والنزاعات، كما شدد على ضرورة تقديم الدعم للمهاجرين بتهيئة مراكز استقبال آمنة، وتوفير احتياجاتهم الإنسانية الأساسية من غذاء ورعاية صحية.
تحديات قانونية وصعوبة التنفيذ
من جانبه، قال الخبير القانوني فهمي قناوي لـ"جسور بوست" إن العصابات المتورطة في الاتجار بالبشر تمثل تحديًا قانونيًا كبيرًا، فهي تنتهك حقوق الإنسان وتستغل ثغرات قانونية عديدة، وأشار إلى أن القوانين الدولية، مثل اتفاقية باليرمو، وضعت لحماية المهاجرين، لكنها تبقى بلا فاعلية حقيقية على الأرض ما لم تتوفر إرادة سياسية قوية تدعمها، وأكد أن ضعف التشريعات الوطنية في كثير من البلدان يسمح للعصابات بمواصلة نشاطها بحرية، وأن تعزيز القوانين التنفيذية يمثل حاجة ملحة في هذا السياق.
معالجة الجذور الاجتماعية والاقتصادية
وأوضح قناوي أن الفقر وعدم الاستقرار السياسي في بعض المناطق يجعلان الأسر عرضة للوقوع في شباك العصابات التي تعدهم بفرص عمل وعيش أفضل في دول أخرى، وأكد أن محاربة هذه الظاهرة تتطلب استراتيجيات متكاملة تجمع بين تفعيل القوانين وتوفير الدعم الاجتماعي، إلى جانب إتاحة مسارات قانونية وآمنة للهجرة التي تقلل من فرص الاستغلال، كما شدد على أهمية برامج التوعية لتعريف المجتمعات المحلية بمخاطر الاتجار بالبشر.
تعاون دولي لمواجهة العصابات
وأكد قناوي أن مكافحة العصابات تتطلب تعاونًا دوليًا، حيث يجب على الدول تبادل المعلومات والخبرات لتعزيز جهود مواجهة هذا التحدي، موضحا أن تعزيز الشفافية في تنفيذ القوانين وتوفير الدعم النفسي والقانوني لضحايا الاتجار يسهم في مواجهة هذه الظاهرة وتوفير الحماية اللازمة للمهاجرين، داعيًا المجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات حازمة لضمان سلامة وأمن المهاجرين.