دراسة حديثة: التغير المناخي يعزز انتشار الفئران حول العالم
دراسة حديثة: التغير المناخي يعزز انتشار الفئران حول العالم
كشف باحثون في دراسة حديثة نُشرت في مجلة "ساينس أدفانسز"، الجمعة، عن العلاقة القوية بين ظاهرة التغير المناخي وزيادة انتشار الفئران في عدة مدن أمريكية وأخرى عالمية، مع التركيز على الآثار السلبية لهذا التوسع على البنية التحتية والصحة العامة.
أجرى الدراسة أستاذ علم الأحياء بجامعة ريتشموند الأمريكية، جوناثان ريتشاردسون، الذي قام بتحليل بيانات تتعلق بالفئران في 13 مدينة أمريكية، بالإضافة إلى مدن تورنتو في كندا، وطوكيو في اليابان، وأمستردام في هولندا.
كشفت الدراسة التي تمت على مدار 12 عامًا، عن زيادة كبيرة في أعداد الفئران، التي أظهرت اتساع نطاق انتشارها في المدن المأهولة ذات الكثافة السكانية العالية، ولكن اللافت في الدراسة كان تأكيدها أن العامل الأكثر تأثيرًا في هذا الانتشار كان ارتفاع درجات الحرارة، الذي يسمح للفئران بالنشاط طوال العام، خصوصًا في فترات الشتاء الباردة، حيث تساعد درجات الحرارة المرتفعة على تمكين الفئران من البحث عن الطعام في الهواء الطلق لفترات أطول، كما يمنحها المزيد من الفرص للتكاثر.
وبحسب ريتشاردسون، فإن الفئران هي ثدييات صغيرة، وبالتالي فإن درجات الحرارة المنخفضة تقلل من نشاطها، بينما تساعد درجات الحرارة المرتفعة على زيادة وقت بحثها عن الطعام، وهو ما يتيح للفئران فرصة أكبر للتكاثر على مدار العام.
تأثير التغير المناخي
وأشار مايكل بارسونز، عالم البيئة الذي لم يشارك في الدراسة، إلى أن المناخ الأكثر دفئًا يُسهم في إطالة موسم النمو النباتي، ما يوفر المزيد من الغذاء للفئران، مؤكدا أن الحرارة تؤثر أيضًا على قدرة الفئران على اكتشاف الطعام، حيث تنتقل روائح الطعام والقمامة لمسافات أكبر في الطقس الدافئ، ما يعزز قدرة الفئران على العثور على الغذاء في الأماكن المزدحمة.
وأدى هذا الانتشار غير المسبوق للفئران إلى ظهور مشكلات كبيرة على مستوى المدن، حيث تسببت في تدمير البنية التحتية وارتفاع تكاليف الصيانة بشكل غير مسبوق.
وتعرضت أنظمة المياه والصرف الصحي للدمار، كما تم تلوث الطعام بشكل كبير نتيجة لتعدي الفئران على المخازن، ويمكن أن تتسبب الفئران في نشوب حرائق بسبب قيامها بقضم الأسلاك الكهربائية، مما يعرض المدن لمخاطر إضافية.
وبحسب تقديرات نشرتها شبكة "سي إن إن"، تبلغ الخسائر الناتجة عن الأضرار التي تلحقها الفئران بالبنية التحتية حوالي 27 مليار دولار سنويًا في الولايات المتحدة وحدها.
الفئران عامل ناقل للأمراض
ومن جانب آخر، تُعد الفئران من أهم الناقلات للأمراض التي تُصيب البشر، حيث أكد مات فراي، خبير الآفات في جامعة كورنيل، أن الفئران تعد مصدرًا للعديد من الأمراض، التي يمكن أن تنتقل عبر البول والبراز واللعاب.
وتُشير الدراسات إلى أن هناك أكثر من 50 مرضًا يمكن أن تُنقل عبر الفئران، من بينها داء "البريميات" أو ما يُعرف بمرض "ويل"، الذي يمكن أن يؤدي إلى تلف الأعضاء الحيوية مثل الكلى والكبد، وقد يتسبب في الوفاة في حال لم يتم العلاج بشكل سريع وفعّال.
وبالإضافة إلى الأضرار الصحية والبنية التحتية، يشكل انتشار الفئران تهديدًا اقتصاديًا إضافيًا، فالعواقب المالية المرتبطة بزيادة أعداد الفئران تتعدى تقديرات الأضرار السنوية، حيث تلحق الفئران الضرر بالعديد من القطاعات التجارية والصناعية، من بينها قطاع الأغذية، الذي يعاني من تلوث المنتجات وتعرض المخازن للدمار.
التغير المناخي وتحديات المستقبل
هذه الدراسة تبرز بوضوح كيف أن التغير المناخي لا يقتصر تأثيره على البيئة فحسب، بل ينعكس أيضًا بشكل سلبي على صحة الإنسان، والاقتصاد، والبنية التحتية.
ويُعتبر هذا التحليل بمثابة دعوة لضرورة اتخاذ إجراءات منسقة لمكافحة هذه الظاهرة المتصاعدة، والتي تُهدد العديد من المدن في جميع أنحاء العالم.
ويشير الانتشار المتزايد للفئران وتداعياته السلبية إلى أن ارتفاع درجات الحرارة ليس فقط عاملًا في زيادة معدلات التلوث البيئي، بل له آثار مباشرة على الحياة اليومية للبشر، لذلك، فإن التصدي لهذه الظاهرة يتطلب تكاتف جهود الباحثين والمسؤولين الحكوميين لتطوير حلول فعّالة للتقليل من هذا التوسع في أعداد الفئران، من خلال تحسين تدابير مكافحة القوارض وتعزيز الوعي البيئي في المجتمعات العالمية.
وأظهرت الدراسة أن التغير المناخي يتسبب في تحولات هائلة في الأنظمة البيئية، والتي تتجاوز تأثيرات ارتفاع درجات الحرارة على الكائنات الحية، بل إنه يعيد تشكيل الأنماط البيئية ويؤدي إلى ظهور تهديدات جديدة تتعلق بالصحة العامة والبنية التحتية، ما يستدعي تدخلًا عاجلاً لتفادي الأضرار المستقبلية الناجمة عن زيادة أعداد الفئران في ظل تغير المناخ.