ارتفاع أعداد السجينات عالمياً.. أزمة حقوقية تكشف خلل العدالة الجنائية والتمييز الاجتماعي

ارتفاع أعداد السجينات عالمياً.. أزمة حقوقية تكشف خلل العدالة الجنائية والتمييز الاجتماعي
امرأة خلف القضبان

في ظل التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية المتسارعة، تتجلى ظاهرة مقلقة تعكس أوجه القصور في النظم القانونية والاجتماعية التي من المفترض أن تحمي حقوق الإنسان، وبالأخص حقوق النساء، هذه الظاهرة تتمثل في الارتفاع المطرد وغير المسبوق في أعداد النساء المحتجزات في السجون حول العالم، ما يشير إلى أزمة أعمق تتجاوز مجرد الجريمة والعقاب، لتكشف عن خلل بنيوي في العدالة الجنائية والسياسات الاجتماعية.

وفقاً لتقرير حديث صادر عن منظمة "الإصلاح الجنائي الدولي" بالتعاون مع منظمة "نساء ما وراء الجدران"، فإن أكثر من 733 ألف امرأة يقبعن حالياً خلف القضبان، فمنذ عام 2000، شهدت أعداد السجينات ارتفاعاً حاداً بنسبة 57%، مقارنة بزيادة لم تتجاوز 22% بين السجناء الذكور خلال الفترة ذاتها، وهذه الأرقام تعكس اضطراباً جوهرياً في النظم الاجتماعية والقانونية، حيث تُجبر النساء -بفعل عوامل مختلفة- على الانخراط في أنشطة غير قانونية -غالباً- كوسيلة للبقاء في ظل ظروف اقتصادية قاسية.

تداعيات الاحتجاز في السجون

السجن لا يؤثر فقط في النساء أنفسهن، بل يمتد تأثيره إلى العائلات والمجتمعات بأكملها، وقد أظهرت البيانات أن غالبية السجينات هن أمهات مسؤولات عن أطفال، ما يعني أن سجنهن يؤدي إلى تفكك الأسر ويدفع الأطفال إلى أوضاع اجتماعية واقتصادية محفوفة بالأخطار، ويشير التقرير إلى أن الأطفال الذين تُسجن أمهاتهم يواجهون احتمالات كبرى للوقوع في براثن الفقر أو الانخراط في أنشطة إجرامية في المستقبل، ما يؤدي إلى استدامة دوامة العوز والجريمة، بالإضافة إلى ذلك، تعاني السجينات ظروف احتجاز قاسية، تشمل نقص الرعاية الصحية والتعرض للعنف الجنسي وسوء المعاملة، ما يجعل إعادة تأهيلهن واندماجهن في المجتمع أكثر صعوبة.

أحد العوامل الرئيسية التي تدفع النساء إلى السجون هو الفقر، ولا سيما في الدول النامية، حيث تعاني النساء تهميشاً اقتصادياً ممنهجاً يجعلهن أكثر عرضة للانخراط في أعمال غير قانونية، سواء بسرقة الطعام لإطعام أطفالهن، أو العمل في الاقتصاد غير الرسمي، أو حتى اللجوء إلى التسول، وبحسب التقرير، فإن نساءً عدة يُزج بهن في السجون بسبب جرائم لا تعكس سوى محاولاتهن للبقاء على قيد الحياة، ما يكشف عن فجوة في السياسات الاقتصادية والاجتماعية، حيث يتم التعامل مع الفقر كونه جريمة بدلاً من معالجته كونه أزمة إنسانية.

العنف ضد النساء يمثل عاملاً آخر في هذا السياق، إذ يشير التقرير إلى أن نساء عدة سجينات هن في الأصل ضحايا لعنف ممنهج، سواء كان أسرياً أو جنسياً، وغالباً ما يُزج بهن في السجون بسبب جرائم ارتكبنها رداً على الاعتداءات التي تعرضن لها، وفي حالات عدة، نجد أن النساء اللواتي يدافعن عن أنفسهن ضد الشركاء العنيفين يُواجهن أحكاماً قاسية دون مراعاة السياق الحقوقي والاجتماعي الذي دفعهن إلى ارتكاب تلك الأفعال، وهذا النهج القضائي لا يعزز سوى حلقة العنف، حيث يتم تجريم الضحايا بدلاً من توفير الحماية لهن.

القوانين التمييزية 

من ناحية أخرى، تلعب القوانين التمييزية دوراً كبيراً في ارتفاع أعداد السجينات، حيث يتم استهداف النساء بشكل غير متناسب من خلال أنظمة قانونية تحمل طابعاً ذكورياً واضحاً، ففي إيران، على سبيل المثال، يمكن أن تصل عقوبة عدم ارتداء الحجاب إلى 15 عاماً أو حتى الإعدام بموجب القوانين الجديدة، وهذه التشريعات، التي تستهدف النساء دون فرض قيود مماثلة على الرجال، تُظهر كيف يمكن للأنظمة القانونية أن تُستخدم كأداة قمعية بدلاً من أن تكون وسيلة لحماية الحقوق، ووفقاً للتقرير، فإن القوانين التمييزية تُستخدم بشكل متزايد كوسيلة لقمع النساء في ظل صعود التيارات اليمينية المتطرفة والتراجع العالمي في دعم حقوق المرأة.

أمام هذه المعطيات، يدعو التقرير إلى تبني سياسات بديلة للسجن، وإلغاء القوانين التي تُجرم النساء بسبب عوامل اجتماعية واقتصادية خارجة عن إرادتهن، والبحث عن حلول إصلاحية تعالج الأسباب الجذرية للجريمة بدلاً من الاكتفاء بالعقوبات العقابية، ووفقاً لصبرينا مهتاني، الباحثة في منظمة "نساء ما وراء الجدران"، فإن "الحكومات بدلاً من الاستثمار في خدمات الدعم الاجتماعي، تستمر في تجريم النساء المهمشات والضعيفات، ما يعمق أزماتهن بدلاً من إيجاد حلول حقيقية"، ويبرز هذا التصريح الحاجة الماسة إلى تحول جوهري في آليات التعامل مع النساء في منظومات العدالة الجنائية.

يحذر التقرير من أن عدد السجينات قد يتجاوز المليون امرأة قريباً، خاصة في ظل السياسات القمعية التي تُطبقها دول عدة، وتصاعد التيارات المحافظة، هذه التغيرات لا تؤثر فقط في النساء، بل تعكس أيضاً تراجعاً عالمياً في منظومة حقوق الإنسان بشكل عام، ما يستدعي استجابة دولية عاجلة.

ارتفاع مقلق في أعداد السجينات

كشف تقرير صادر عن المنظمة الدولية للإصلاح الجنائي عن زيادة مقلقة في أعداد النساء السجينات حول العالم، مسلطًا الضوء على الحاجة الملحة إلى إصلاح منظومة العدالة الجنائية لضمان نهج أكثر إنصافًا في التعامل مع قضايا النساء، وأوضح التقرير أن الفقر، والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والتشريعات التمييزية تُعد من العوامل الرئيسية التي تدفع النساء إلى السجون، ما يعكس الفجوات الهيكلية في السياسات العقابية والاجتماعية. كما أكد أن العقوبات السالبة للحرية غالبًا ما تزيد من هشاشة أوضاع النساء بدلاً من تقديم حلول فعالة لإعادة تأهيلهن ودمجهن في المجتمع.

ظروف قاسية وتمييز ممنهج

وأشاد الحقوقي الأردني كمال مشرقي بجهود المنظمة في إعداد التقرير، مشيراً إلى أن السجينات يعانين ظروفاً قاسية داخل مراكز الاحتجاز، من ذلك نقص الرعاية الصحية والتمييز في المعاملة، ما يستدعي مراجعة شاملة للأنظمة العقابية، وتبني بدائل أكثر إنسانية، وأضاف في تصريحاته لـ"جسور بوست" أن التقرير يُعد أداة مهمة لدعم الجهود الرامية إلى إصلاح التشريعات، وتوفير آليات دعم للنساء المعرضات للخطر، وتعزيز إجراءات المحاكمة العادلة.

وأوضح مشرقي أن ارتفاع أعداد السجينات ليس مجرد أرقام، بل يعكس اختلالات جوهرية في الأنظمة القانونية والاجتماعية، وأشار إلى أن قوانين عدة تفرض عقوبات أشد على النساء مقارنة بالرجال، خاصة في القضايا المرتبطة بالسلوك الشخصي، ما يجعل الحديث عن عدالة جنائية متوازنة أمراً غير واقعي، كما شدد على أن هذه التشريعات لا تأخذ في الاعتبار السياقات الاجتماعية والاقتصادية التي تدفع النساء إلى الجريمة.

الفقر والعنف: مساران نحو السجن

وأشار إلى أن التقرير نوه إلى أن النساء غالبًا ما يُسجَنّ بسبب الفقر وضعف التمكين الاقتصادي، حيث يواجهن تحديات معيشية تدفعهن للجوء إلى وسائل غير قانونية للبقاء، كما أن العنف القائم على النوع الاجتماعي يُعد عاملاً رئيسياً في دخول نساء عدة إلى السجون، إذ إن كثيرات منهن كنَّ ضحايا للعنف الأسري أو المجتمعي قبل ارتكاب الجرائم. ومع ذلك، فإن النظام العدلي يعاملهن جُناة وليس كضحايا، ما يؤدي إلى سجنهن بدلاً من توفير الحماية والدعم اللازمين.

ودعا مشرقي إلى ضرورة معالجة جذور المشكلة بدلاً من التعامل مع نتائجها فقط، وذلك من خلال إصلاح القوانين لتعزيز المساواة، وإلغاء التشريعات التمييزية، وتوفير فرص تمكين اقتصادي للنساء، كما شدد على أهمية توسيع شبكات الحماية الاجتماعية لمنع تدهور أوضاعهن ودفعهن نحو الجريمة.

إعادة التأهيل والدمج في المجتمع

وأكد مشرقي أن أحد الحلول الفعالة لمواجهة هذه الأزمة يتمثل في إعادة تأهيل السجينات وإدماجهن في المجتمع، من خلال برامج تدريبية وتأهيلية تُساعدهن على بدء حياة جديدة بعد السجن، كما دعا إلى محاربة الوصمة المجتمعية التي تواجهها النساء بعد خروجهن من السجون، عبر حملات توعية ودور فاعل للمجتمع المدني.

وأشار مشرقي إلى أن عقوبة السجن غالباً ما تكون قاسية وغير إنسانية، داعياً إلى تعزيز مفهوم العدالة التصالحية بدلاً من العقوبات المشددة، من خلال تبني بدائل إصلاحية مثل برامج إعادة التأهيل المجتمعي والعمل الاجتماعي، كما شدد على أهمية تطوير سياسات قضائية تأخذ في الاعتبار الظروف التي دفعت النساء إلى الجريمة، بدلاً من الاكتفاء بفرض العقوبات.

التزامات دولية وإصلاحات ضرورية

وربط مشرقي بين ارتفاع أعداد السجينات والتزامات الدول بالاتفاقات الدولية لحقوق الإنسان، مشيرًا إلى أن تقارير حقوقية عدة حذّرت من تزايد أعداد السجينات بسبب الفجوات الجندرية والتشريعات التمييزية، كما أكد أن تحقيق التنمية المستدامة 2030 يتطلب معالجة القضايا التي تؤدي إلى سجن النساء، عبر سياسات أكثر إنصافاً تشمل القضاء على الفقر، وتحسين الخدمات الصحية، وضمان المساواة بين الجنسين.

واختتم مشرقي حديثه بالتأكيد على أن العدالة الجنائية لا تُقاس فقط بصرامة القوانين، بل بمدى عدالتها وإنصافها للفئات الأكثر ضعفاً، مشدداً على ضرورة تبني سياسات قائمة على حقوق الإنسان، وتحقيق توازن بين العقوبات وتكافؤ الفرص، لضمان نظام قضائي أكثر إنصافاً يحمي النساء من الظلم والتهميش.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية