بور حسين.. طالب إيراني اعتقلته شرطة الهجرة الأمريكية وحرره القضاء
بور حسين.. طالب إيراني اعتقلته شرطة الهجرة الأمريكية وحرره القضاء
لم يكن بوريا بور حسين يتوقع أن لحظة الإبلاغ عن حادث مروري بسيط ستنقلب إلى مأساة قانونية، تضعه على بعد ساعات من الترحيل، لا لذنب ارتكبه، بل لأنه يحمل جواز سفر دولة تعيش صراعاً مفتوحاً مع آلة السياسة الأمريكية.
في 23 من يونيو الماضي، طرقت الشرطة باب شقة بوريا في مدينة باتون روج، عاصمة ولاية لويزيانا، قائلة إنها تحقق في حادث السير الذي تعرّض له قبل يوم، بحسب ما ذكرت شبكة “إيران إنترناشيونال”، الثلاثاء.
لبّى الطالب الإيراني النداء دون تردد، لكن الخطوات التي قادته إلى خارج منزله لم تكن سوى فخٍ مُحكم، نصبته إدارة الهجرة الأمريكية.
ما إن نزل من شقته، حتى فوجئ بعناصر ملثمين من دائرة الهجرة والجمارك (ICE) يعتقلونه وزوجته، دون مذكرة قضائية، ودون تهم، ودون تفسير.
طالب علم.. لا تهديد أمني
بوريا، البالغ من العمر 29 عاماً، طالب دكتوراه في هندسة الميكانيك بجامعة ولاية لويزيانا، ويحمل تأشيرة دراسية من نوع F-1 صالحة حتى ديسمبر 2030.
سجله الأكاديمي نظيف، لا يحمل أي شبهة جنائية أو أمنية، لكنه في نظر السلطات، مجرد إيراني، والزمان: بعد يوم واحد فقط من قصف أمريكي استهدف مواقع إيرانية نووية، في تصعيد غير مسبوق خلال الحرب القصيرة بين النظام الإيراني وإسرائيل.
ما بين السياسة والجنسية، تاهت حقوق بوريا، وأُودع في واحد من أكبر مراكز الاحتجاز التابعة لإدارة الهجرة في جنوب الولايات المتحدة، دون توجيه أي تهمة، وسط غياب تام للمعلومات عن وضع زوجته بريسا فيروز آبادي، التي أفرج عنها لاحقاً بهدوء، وكأن شيئاً لم يكن.
انتهاك صارخ للدستور
المحامون الذين تطوعوا للدفاع عن بوريا وصفوا ما جرى بأنه "عملية خداع غير قانوني وانتهاك صارخ للدستور"، إذ لم يحصل عناصر ICE على أمر قضائي لدخول المنزل أو احتجاز ساكنيه، كما لم تكن هناك حالة طوارئ تُبرّر ما فعلوه.
وفي طلب الاستعجال المقدم إلى المحكمة، قال فريق الدفاع إن “الإجبار على فتح الباب عبر التمثيل بأنهم محققون في حادث مرور، ومن ثم تسليم الطالب لعناصر ملثمة، هو خرق صريح للتعديل الرابع في الدستور الأمريكي، الذي يضمن الحماية من التفتيش والاعتقال التعسفي”.
وفي خطوة نادرة، أصدر قاضٍ فيدرالي في لويزيانا حكماً طارئاً يقضي بالإفراج الفوري عن بوريا، ومنع ترحيله هو وزوجته، مستنداً إلى وجود "خطر شديد لإلحاق ضرر لا يمكن تعويضه".
اعتقال غير مبرر
لم تُقدم الحكومة أي رواية مضادة، ولم تُبرر اعتقال الطالب، حتى مساعد المدعي الفيدرالي التزم الصمت في الجلسة، ما عزّز من موقف الدفاع، وفضح هشاشة المبررات الرسمية.
تأتي قصة بوريا في وقت أعلنت فيه إدارة الهجرة الأمريكية، في بيان صدر في 28 يونيو الماضي، أن هناك نحو 670 مواطناً إيرانياً محتجزين في مراكز الهجرة بمختلف الولايات، دون تحديد أسباب واضحة لاعتقالهم.
هؤلاء، بمن فيهم بوريا، لا يُحاكمون بتهم جنائية، ولا يُمثلون خطراً أمنياً مثبتاً، لكنهم يجدون أنفسهم في دائرة الاستهداف، فقط لأن اسم دولتهم مدرج على لائحة الخصوم في نزاع دولي محتدم.
الحق في الأمان
في حديث إلى صحيفة نيويورك تايمز، قالت منظمات حقوقية إن هذه الممارسات تعكس تسييساً مفرطاً لملف الهجرة، وتضع مصير أفراد أبرياء في مهب السياسات الانتقامية.
وأضاف أحد المحامين أن "الترحيل ينبغي ألّا يكون أداة للانتقام السياسي، ولا يُمكن أن يُنفّذ على حساب حقوق أساسية مضمونة في الدستور".
قضية بوريا أعادت النقاش حول شرعية استخدام أجهزة الدولة للتضييق على مواطنين أجانب دون سند قانوني واضح، خاصة في سياق يشهد تصاعداً في التوترات الدولية، حيث يصبح الأبرياء وقوداً لحروب لا ناقة لهم فيها ولا جمل.
اليوم، خرج بوريا من مركز الاحتجاز، لكن القلق لم يغادره. هو يعرف أن الظل السياسي قد يعود ليطارده في أي لحظة، وأن حريته جاءت بحكم قضائي "مؤقت"، لا بشعور أصيل بالأمان.