أزمة الأمن.. لماذا ارتفعت جرائم السلاح والاعتداء في محطات القطارات الألمانية؟

أزمة الأمن.. لماذا ارتفعت جرائم السلاح والاعتداء في محطات القطارات الألمانية؟
محطة قطارات برلين

تُظهر بيانات رسمية أن محطات القطارات في ألمانيا شهدت تصاعداً ملموساً في جرائم العنف وحيازة الأسلحة خلال النصف الأول من عام 2025 مقارنة بالفترة نفسها من العام السابق، ما أعاد النقاش العام إلى الموازنة بين حق المواطنين في الأمن وحرمة الحريات المدنية.

سجلت إحصاءات وزارة الداخلية الاتحادية، استناداً إلى بيانات إدخال الجرائم لدى Bundespolizei، في الفترة من فبراير إلى يونيو من العام الجاري 14.047 حادثة عنف، مقابل 13,543 في النصف الأول من 2024، فيما ارتفعت جرائم الأسلحة من 589 إلى 808 حالة ونشأت زيادة ملاحظة في جرائم إتلاف الممتلكات. هذه الأرقام نُشِرت في رد للحكومة على استفسار كتلة برلمانية وأُعلِنت رسمياً، وفق موقع "Deutscher Bundestag".

يجتمع في الصورة عوامل عدة منها كثافة الحضور في المحطات الحضرية الكبرى، تزايد حالات استخدام السكاكين والأسلحة البيضاء في حوادث عنف عابرة، ضغوط اجتماعية واقتصادية تنعكس على سلوك الشارع، وحالات معزولة ذات دوافع نفسية أو جنائية تحولت إلى حوادث ذات أثر إعلامي واسع، مثل حادثة طعن في محطة هامبورغ في مايو الماضي، والتي أدت إلى إصابات جماعية وفتحت نقاشاً وطنياً حول تدابير الوقاية ورقابة الصحة النفسية وفق رويترز.

الردود الأمنية والإجرائية

تدفقت ردود فعل مؤسسية سريعة تمثلت في وحدات أمنية مشتركة، تعزيز دوريات "Quattro" التي تجمع عناصر من الشرطة الاتحادية والشرطة المحلية وأمن "دويتشه بان" ووحدات البلدية، إضافة إلى زيادة نشر كاميرات المراقبة في محطات رئيسية؛ حيث كان ذلك جزءاً من استراتيجية الوقاية والاستجابة.

وتظهر البيانات من مدن مثل هامبورغ أن وحدات الدوريات المشتركة حققت إجراءات تفتيش ومتابعة كبيرة خلال فترات التجربة. 

من جهة أخرى طالبت نقابات الشرطة بفرض حظر متسع على حمل الأسلحة داخل وسائل النقل والمرافق المحيطة بالمحطات، وحوّلت بعض الولايات المحلية في ألمانيا هذا الطلب إلى أوامر مؤقتة بحظر حمل الأسلحة والسكين لأوقات وأيام محددة.

ويستند قرار حظر الأسلحة في حيز كهذا إلى أحكام قانون الأسلحة الألماني، وتبنّته حكومات محلية أملاً في إيجاد ردع فوري.

المخاوف الحقوقية والقانونية

لم تغب تساؤلات المدافعين عن الحقوق المدنية.. هل توسع صلاحيات التفتيش العشوائي لا يقترب من حدود الدستور وحماية الكرامة والخصوصية؟ وماذا عن تأثير الإجراءات على مجموعات هامشية أو المهاجرين؟

ويعد النقاش القانوني في ألمانيا متصلاً بتجارب سابقة لحكم المحاكم الإدارية على نطاق صلاحيات "مناطق الحظر" وما إذا كانت نصوصها محددة بما يكفي لتجنب التجاوزات.

فيما حذر باحثون وقانونيون من أن تدابير الطوارئ الأمنية قد تُفعل صلاحيات رقابية تمتد إلى السيطرة الميدانية دون حدود واضحة، وهو ما يستدعي مراجعة دستورية وقانونية دقيقة.

ردود فعل المنظمات الحقوقية

منظمات حقوقية وطنية ودولية، ومنابر حرية التعبير والخصوصية، لفتت الانتباه إلى نقطتين متوازيتين: الأولى حماية الحياة والسلامة العامة وتقديم دعم ملموس لضحايا العنف، والثانية ضرورة ضمان آليات محاسبة الشرطة وإجراءات شفافة عند تطبيق صلاحيات مراقبة واسعة أو تفتيش دون سند قضائي كافٍ.

 تقارير سابقة لمنظمات مثل هيومن رايتس ووتش و"أمنستي" سلطت الضوء على ضرورة وجود آليات مستقلة للنظر في شكاوى الاستخدام المفرط للقوة، وهو ما يجعل أي توسيع للسلطات الأمنية لابد أن يقترن بآليات مساءلة واضحة. 

أثر الإعلام والرأي العام

غالباً ما تستحوذ حوادث منفردة بتغطية واسعة وتولد انطباعاً عاماً بأن "المحطات غير آمنة"، وهو ما يدفع السياسيين والمحافظين في ألمانيا إلى إجراءات رمزية سريعة، وهذا الزخم الإعلامي يطلب من صانعي القرار إجراءات قصيرة المدى لردع الأسلحة يجب أن تُرفق بخطط طويلة المدى لمعالجة جذور العنف بما في ذلك الصحة النفسية، تعليم الانحراف السلوكي، وبرامج تدخل مجتمعي في الأماكن الأكثر هشاشة.

الارتفاع في جرائم العنف وحيازة السلاح في مكونات منظومة النقل الحديدية يفرض على السلطات إعادة المعادلة بين الأمن والحرية، فالحلول الأمنية العاجلة ضرورية، لكن بقاء الأمن الحقيقي يتطلب سياسات شاملة تتعامل مع الأسباب الاجتماعية والنفسية والاقتصادية، مع حماية حقوق الأفراد واستقلالية آليات المراقبة والمساءلة.

تجدر الإشارة إلى أن الاهتمام بظاهرة العنف في محطات القطار ليس جديداًـ خلال السنوات الأخيرة طبّقت المدن الألمانية مزيجاً من الحلول التقنية والتشريعية منها تعزيز الحضور الشرطي، اختبارات "Quattro-Streifen" المشتركة، وتوسيع أنظمة المراقبة بالكاميرات في محطات رئيسية.

وشهدت السنوات الماضية نقاط ضغط مرتبطة بارتفاع حالات السكاكين في المدن الأوروبية، وحالات فردية دفعت إلى مراجعات لقوانين الصحة النفسية وسبل احتجاز المعرضين للخطر، في المقابل، تظل المسألة الحقوقية حاضرة في النقاش العمومي والأكاديمي؛ إذ أظهرت محاكم إدارية سابقة حدوداً لازمة لصياغة أوامر الحظر لتكون متوافقة مع متطلبات القانون والدستور. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية