صمود بين الركام.. سمية القانوع تروي مأساة البقاء في قلب غزة
صمود بين الركام.. سمية القانوع تروي مأساة البقاء في قلب غزة
رفضت الفلسطينية سمية القانوع النزوح من مدينتها المدمَّرة رغم القصف الإسرائيلي المتواصل، متمسكة بقرار البقاء على أرضها التي تحولت إلى أنقاض، لتجسّد بصمودها حكاية آلاف العائلات التي آثرت البقاء في مواجهة الموت على مغادرة أرضٍ حفرت فيها جذورها وذكرياتها.
وجاء قرارها وسط تواصل الهجمات الإسرائيلية على القطاع منذ أكثر من عامين، والتي خلّفت دمارًا واسعًا في البنية السكنية، وحولت أحياء كاملة إلى خرائب، في وقت تتصاعد فيه المخاوف من موجة نزوح جديدة باتت تُعرف بين السكان بـ"التهجير الأخير"، بحسب ما ذكرت وكالة "JINHA"، اليوم الاثنين.
وذكرت مصادر ميدانية أن القصف الذي طال مدينة غزة خلال الأسابيع الأخيرة جاء امتدادًا لحملة عسكرية تهدف إلى تفريغ المناطق المدنية، عبر تدمير الأبراج السكنية وإجبار سكانها على النزوح نحو الجنوب.
وأوضحت الناجية سمية القانوع في شهادتها أن آخر مأوى لها انهار بالكامل بعد تلقي السكان إنذارًا بالإخلاء خلال عشر دقائق فقط، مضيفة: "لم نملك وقتًا لنحمل شيئًا، كنت أسمع صراخ الناس وهم يرمون الأثاث من الشرفات، كل ما فكرت فيه هو إنقاذ أطفالي من تحت القصف".
وأكدت القانوع أن البرج الذي كانت تقطنه، والمؤلف من 13 طابقًا، كان يؤوي عائلات نازحة من مناطق أخرى، مشيرة إلى أن استهداف الأبراج يمثل أداة ضغطٍ ممنهجة لتهجير المدنيين، حيث تم تدمير أكثر من ثلاثمائة مبنى سكني منذ بداية العملية العسكرية، ما أدى إلى نزوح آلاف الأسر التي فقدت مأواها بالكامل.
مشهد ما بعد الفقد
بعيونٍ مثقلة بالدموع، روت القانوع لحظة انهيار البرج، قائلة: "رأيت بيتي يسقط أمامي، كل ما تبقّى كان غبارًا وذكرياتٍ لا يمكن جمعها، لم أحمل شيئًا معي سوى أطفالي".
وبعد فقدان المأوى، اضطرت أسرتها إلى الاحتماء داخل مبنى جامعي مهجور، حيث ناموا على الأرض في ظروف إنسانية قاسية.
وتقول: "شعرت أننا عدنا إلى الصفر، لا ماء ولا كهرباء ولا مأوى، فقط البرد والظلام".
ويعكس هذا المشهد، وفق مراقبين ميدانيين، حجم الكارثة الاجتماعية الناتجة عن تدمير البنى التحتية في القطاع، إذ باتت مئات الأسر تعيش في مبانٍ مهدمة أو أماكن مؤقتة تفتقر إلى أبسط مقومات الحياة.
المرأة في قلب المعاناة
تتحمّل النساء في غزة العبء الأكبر من تداعيات النزوح وفقدان المأوى، إذ تضطر كثيرات لتولي إدارة شؤون الأسرة وسط انقطاع الخدمات ونقص المواد الأساسية.
وتشير القانوع إلى أن "الأمهات أصبحن مسؤولات عن كل شيء: البحث عن الماء، إطعام الأطفال، تأمين مأوى، وحتى مواجهة الخطر في الشوارع"، مؤكدة أن حياة النساء باتت مرادفًا يوميًا للمقاومة والصبر.
ويؤكد خبراء في الشأن الإنساني أن تدهور الأوضاع المعيشية في القطاع دفع النساء إلى خط الدفاع الأول، حيث يقمن بدورٍ محوري في الحفاظ على التماسك الأسري والاجتماعي رغم انعدام الأمن الغذائي وندرة الدواء وتفاقم الأمراض.
الأرض ليست مجرد ترابٍ
ترى سمية القانوع أن قرارها بالبقاء في قطاع غزة ورفضها للرحيل ليس عنادًا بل التزامًا تجاه تاريخٍ مشترك وذاكرةٍ وطنية وتاريخية لا تقبل التنازل.
تقول: "الأرض ليست مجرد ترابٍ نسكن فوقه، إنها كياننا وذاكرتنا، كيف نتركها لمن دمّرها؟"، مشددة على أن النزوح يعني محو الهوية الثقافية والاجتماعية للشعب الفلسطيني.
ويشير باحثون في القضايا الحقوقية إلى أن شهادات مثل شهادة القانوع تمثل أدلة إنسانية على الطابع القسري لعمليات التهجير في غزة، وهو ما يستدعي تحقيقات دولية مستقلة لتوثيق الانتهاكات ومحاسبة المسؤولين عنها وفق القانون الدولي الإنساني.
رسالة من تحت الركام
تلخّص القانوع رسالتها للعالم بقولها: "ربما سقط بيتي، لكنني لن أسقط معه. البقاء هنا فعل مقاومة، ليس لأننا لا نملك خيارًا، بل لأننا نملك ذاكرةً لا يمكن قصفها".
بهذه الكلمات، تختتم سمية حكايتها التي تتجاوز حدود الألم الفردي لتصبح شهادةً جماعية على ثبات شعبٍ يواجه الفناء بالإصرار على الحياة، في ظل صمتٍ دولي يثير تساؤلاتٍ أخلاقية حول قيمة الإنسان حين يتحوّل إلى رقمٍ آخر تحت الأنقاض.