بين الجوع وتراجع المساعدات.. كيف صار الطفل الأفغاني رهينة أزمات مترابطة؟
بين الجوع وتراجع المساعدات.. كيف صار الطفل الأفغاني رهينة أزمات مترابطة؟
أعلنت منظمة ورلد فيجن، الثلاثاء، أن الجوع المتصاعد وتراجع المساعدات الخارجية يدفعان ملايين الأسر في أفغانستان إلى أقصى درجات الهشاشة، وأن الأطفال باتوا أكثر عرضة للمجاعة والعمل الخطير من أجل البقاء، ووصفت المنظمة الوضع بأنه أزمة إنسانية غير مسبوقة في تاريخ البلاد، فيما كشفت مسوح ميدانية عن طوابير طويلة أمام مراكز التوزيع وإقبال متزايد على عمل الأطفال كخيار أخير لعائلات لا تجد مدخلاً للغذاء أو الدخل، وفق “أفغانستان إنترناشيونال”.
جذور الأزمة معقدة ومتداخلة، فبعد سيطرة حركة طالبان على البلاد في 2021 انهارت شبكة الوظائف الرسمية وقلّت تحويلات العمال وتعطلت الآليات المصرفية والتمويلية التي كانت تدعم اقتصاداً هشاً أصلاً، فتضاءل الدخل القابل للإنفاق لملايين الأسر.
هذه العوامل الاقتصادية ترافقها موجات متكررة من الكوارث الطبيعية وزيارات من النزوح العكسي في 2025، بينها زلازل وفيضانات أحدثت تدميراً واسعاً في مساكن ومصادر رزق الأسر، ما زاد الضغوط على سبل العيش وأضعف قدرة المجتمعات على التعافي، وتشير تقارير المنظمات الأممية والأممية التابعة للأمم المتحدة إلى أن نحو 22.9 مليون أفغاني سيحتاجون إلى مساعدة إنسانية هذا العام، أي ما يقرب من نصف السكان، في حين تشهد البلاد تزايداً في حالات الجوع الحاد.
مقاييس سوء التغذية
مقاييس سوء التغذية لدى الأطفال في أفغانستان مقلقة بشكل خاص حيث تشير اليونيسف إلى أن 3.5 مليون طفل يعانون من الهزال الحاد أو التقزم، ومن هؤلاء 1.4 مليون في خطر وشيك على حياتهم ما لم تتوفر تدخلات تغذوية عاجلة وممولة بشكل كافٍ، ويُظهر برنامج الأغذية العالمي أن نحو 9.5 مليون شخص يعانون من انعدام غذائي حاد وأن 4.7 مليون من النساء والأطفال يحتاجون إلى علاج للتقزّم أو سوء التغذية، مع احتياجات تمويلية عاجلة للعمل حتى الشهور المقبلة، وهذه الأرقام تترجم إلى أزمة صحية عامة تتجاوز حدود الطوارئ المؤقت إلى خطر طويل الأمد على تطور الأطفال وبناء رأس مال بشري مستقبلي للدولة.
في الداخل، تعكس الممارسات اليومية مدى الانهيار فكل ثمان من عشر أسر غير قادرة على تأمين غذاء كافٍ، وثلاث من كل أربع أسر تضطر إلى الاقتراض لشراء الطعام، بحسب مسوح ونشرات ميدانية أعدّتها منظمات تعمل على الأرض، والنساء المعيلات للأسر يعشن أوضاعاً أشد هشاشة، وغالباً ما يجدن طفلاتهنّ وأطفالهنّ مضطرين للعمل في أعمال خطرة من بقية أسرّهم كي توفر لقمة يومٍ واحد.
منظمة ورلد فيجن وثقت حالات لطفلين عاملين في أفران الطوب وحقول خطرة، كما رصدت امتداد ظاهرة جمع النفايات وبيع الحطب وكسب أموال زهيدة بعمل يضرّ بصحة الأطفال وتعليمهم.
الاستجابة الإنسانية غير كافية
الاستجابة الإنسانية قائمة لكنّها غير كافية، عملاء الإغاثة الدولية والهيئات الأممية مثل اليونيسف وبرنامج الأغذية العالمي والوَحدات الطبية تبذل جهوداً واسعة لتقديم مساعدات غذائية ونقدية وبرامج تغذية علاجية للأطفال والنساء الحوامل ومكافحة انعدام الأمن الغذائي، لكن فجوة التمويل تهدد استمرار هذه البرامج، وتطالب وكالات الإغاثة بتدفقات مالية عاجلة؛ فبرنامج الأغذية العالمي أعلن عن حاجات عاجلة لتأمين عملياته، ومنظمة الأغذية العالمية والجهات المانحة تكرر التحذير من أن التضاؤل في التمويل سيترك الملايين دون حماية، وفي الوقت ذاته تضع قيود الحصار البنيوي والقيود الإدارية على العمل الإنساني عراقيل أمام إيصال الإمدادات على نحو منتظم إلى المناطق النائية.
تقارير منظمات حقوق الإنسان توثّق تدهوراً في الحريات وقيوداً على التعليم والعمل للنساء والفتيات، وهو ما يصعّب توظيف العنصر النسائي في الاستجابة الإنسانية ويقلّص آليات الحماية والمجتمع المدني القادر على الوصول إلى الأسر الضعيفة، وسبق أن حذرت منظمات مثل هيومن رايتس ووتش وأمنستي من سياسات تؤثر على حقوق الإنسان الأساسية وتزيد من هشاشة الفئات الأكثر حاجة، كما أن مجلس حقوق الإنسان الأممي شرع في إجراءات رقابية واستقصائية حول انتهاكات جسيمة في البلاد.
مخاطر طويلة المدى
المراقبون الإنسانية يسلطون الضوء على مخاطر طويلة المدى لا تقل خطورة عن الخطر الفوري للمجاعة، تتمثل في انعدام النمو الجسدي والمعرفي لطفل في السنوات الأولى من العمر يترك أثراً دائماً على قدرته على التعلم والعمل مستقبلاً، ويعني أن دولةً بكاملها قد تفقد سنوات من رأس المال البشري، ما يتطلب تدخلات تمتد من الإغاثة الطارئة إلى برامج تغذية مستدامة، واستثمار في الرعاية الصحية والتعليم، ودعم سبل العيش لتعزيز صمود الأسر، كما أن استمرارية تجنّب الأطفال عن المدرسة لصالح العمل ستغذّي دائرة من الفقر والتهميش المتكرر، وفق اليونيسف.
وتركز الدعوات الحالية على ثلاثة مسارات متداخلة هي: زيادة تمويل الاستجابة الإنسانية العاجلة، وفتح معابر آمنة وإجراءات إدارية تسهّل وصول المساعدات إلى المناطق المعزولة، إلى جانب العمل على سياسات اقتصادية واستثمارية تعيد ربط الأسر بفرص العمل والحماية الاجتماعية.
مجموعات المانحين والمنظمات الدولية تطالب أيضاً بحماية العاملين في المجال الإنساني وتمكين النساء في مواقع القرار داخل آليات الاستجابة لضمان وصول أكثر فعالية وملاءمة للبرامج، لا سيما في المجتمعات المحافظَة.
أفغانستان، التي عاشت عقوداً من النزاعات والاحتلال والحروب الأهلية، لم تتمكن منذ عقود من بناء اقتصاد مستدام أو بنية تحتية اجتماعية متينة فالصدمات المتكررة من الحروب والجفاف والفيضانات، إلى جانب انتقال السلطة في 2021 وما تلاه من عقوبات ووقف تمويل مؤسسات عامة، جميعها عوامل فاقمت الفقر.
وتؤكد المنظمات الحقوقية والإنسانية أن التحذيرات مثل التي أطلقتها ورلد فيجن ووكالات الأمم المتحدة ليست مجرد أرقام على ورق، بل إنذار عملي على الأرض فالأمهات ينتظرن طعاماً، وأطفال يعملون بدلاً من التعلم، وأجيال قد تُحرم مستقبلاً من إمكانات الحياة الأساسية إذا لم تتضافر الاستجابات الدولية والوطنية، والتأخر في التمويل وعرقلة الوصول يعنيان مجاعة يمكن تفاديها بقليل من إرادة سياسية وبكثير من تمويل مستدام ووصول فعّال للغذاء والتغذية والعلاج.